عدنان رمضان يكتب لوطن: نحن من "قتلنا" ناهض حتر ونقتله كل يوم

25.09.2016 06:26 PM

لقد طالت رصاصات الغدر ناهض حتر وقبله شكري بلعبد والبراهمي في تونس وقبلهم  فرج فودة و حسن حمدان (مهدي عامل)  وقائمة طويلة  ممن  حملوا راية التغيير والدفاع عن العقل والحداثة والتقدم وتمتد جذور هذه الاغتيالات  بعيدا في التاريخ  وهي ليست حدثا عابرا وظاهرة غريبة كما يدعي البعض  بل جزء اصيلا وثابتا في بنية مجتمعات  كانت ولا زالت  وهي المسؤول الاول عن اعمال اغتيال العقل ورموزه.

الحالة الثقافية والقيمية  في اي مجتمع تلعب دورا اساسيا في طريقة تفكير الذين يعيشون في سياقها  وايضا تصرفاتهم وسلوكهم، الافراد ليسوا منفصلين عن السياق الثقافي الاجتماعي الذي يعيشون فيه  وهذا الامر بالعادة اكثر ثباتا من الحالة السياسية  فالوضع السياسي نسبيا وبالمقارنة مع الحالة الثقافية والاجتماعية  يتغير باستمرار وبسرعة، تغيير الحالة الثقافية الاجتماعية له شروطه ورغم انه عملية مستمرة ومتواصلة إلى ان السمات الثقافية العامة لمجتمع ما تحتاج إلى جيل او اجيال حتى يستطيع الانسان ان يرى ثمار هذه التغيرات بعكس التغيرات السياسية.

وثقافة البداوة المتزاوجة مع الوهابية  فرضت نفسها على مجتمعاتنا، وهي تنتج  توجهات ومعايير وانماط سلوك  وطريقة رؤية للعالم، وكذلك طريقة عيش .. تتمجد فيها القيم والبنى الاجتماعية الثقافية البدوية وتلبس لبوس القداسة والدين ويصبح المس بها مسا بالمقدسات والمحرمات.

وعندما نتحدث بالوقائع فان الفرق بين من اطلق الرصاص بعد ان حج إلى بيت الله الحرام، والكثير الكثير من الاخرين، ان هذا الانسان ذهب خطوة واحدة إلى الامام وسبق الاخرين في  القيام بفرض الكفاية النهي عن المنكر، كم مرة تتكرر على مسامعنا ومسامع الاطفال والشباب والشيوخ فريضة وواجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر للمؤمنين المفلحين، فالنهي عن المنكر باليد او اللسان او القلب وهو اضعف الايمان اي ان من مظاهر قوة الايمان ان  تبادر وتنهى بيدك اي ان جعل من نفسك سلطة قضائية وتنفيذية، البعض جعل من هذا الامر فرض كفاية.

نحن نعيش في مجتمعات تقدس و تمجد التخلف وتحرص عليه وتنتجه في كل لحظة  في مناحي الحياة المختلفة، الغاء الاخر والتكفير وتحليل القتل والتحريض عليه  لغة يومية  نسمعها ونعيشها ويتنفسها الذين يعيشون في هذه المجتمعات كما تنفسون الهواء، تعبيرات هذا الامر موجودة في  مجالس الناس في  الافراح والاتراح واللقاءات والندوات والكتب والمجلات وعلى الصفحات الالكترونية على مختلف انواعه. كثير من هذه الامور اساسها  في البنية الاجتماعية وفي ثقافة القبيلة والعشيرة وتراث الصحراء المتغلغل في ابناء هذه الشعوب هذه الثقافة التي تزدري المدنية والحداثة والتنوع وتمجد الثأر والغزو والسبي.

الذين يتحدثون باسم  الله والانبياء والكتب المقدسة ويستحضرون الاخبار من الجنة ويقفون على بابها لتوزيع الشهادات على خلق الله  في مجتمعاتنا كثر ويتكاثرون ولا يحتاجون إلى اكثر من دشداش واطلاق الذقن وبعض الركعات وزيارة إلى بيت الله حتى يكونوا جزء من هذا التيار الهادر وهذا النهر المتدفق من المتحدثين باسم الدين يكسبون اتباعا ومريدين، وجنودا يبحثون  حياة اخرة في جنة موعودة اصبح لها وكلاء  منتشرون  في كل مكان.

هذه الثقافة لا تتاتى من الجهل وتغذية التطرف والعنف وكانها امراض عرضية ومظاهر هامشية في حياتنا بل هو ثابت ومنشر وحتى انه السائد فلماذا نستمر نعيش ونكرر الكذب على ذاتنا؟ فكثير من المؤسسات وبعضها مؤسسات رسمية والكثير من الجماعات المنظمة  ومؤسسات اكاديمية وتعليمية ومراكز بحثية ودور نشر وشاشات وفضائيات ومحاضرين وما يطلق عليهم علماء  وميزانيات ومليارات تخصص لانتاج هذه الثقافة وتعميمها، هذه الثقافة هي التيار الجارف والخروج عنها هو سباحة ضد التيار وليس العكس.

عندما تكون الصورة  بشعة  تجد الجميع  يستنكر ويدين ويحتج  واولهم اولئك الذين عملوا ليل نهار حتى تتهيأ البيئة لاعمال القتل والعنف، ويخرجون عليك بان هذا ليس منا وغريب عن عاداتنا، نحرض ونشجع ونحضر ونهيء للجريمة ولا يتبقى سوى اليد التي تستل السكين  ثم نقول جريمة نكراء.

ان التغيير في هذا المجال هو عملية صعبة دعونا نستعيد جزء من التاريخ  لقد رافقت هذه العقلية الحقب المختلفة من تاريخنا المعروف وتآمرت ضد العقل والفلسفة والعلوم وانتصرت عليه رغم التغني المستمر باسماء العلماء والفلاسفة الا انهم  طوردوا وعذبوا وكفروا، التغير وانصاره متهمون سلفا بالكفر والعلمانية، رغم ان البعض منهم يخرج من مؤسسة الدين نفسها  والفتاوي والمتون جاهزين، وعلى ذلك تصبح ضرورة تشكيل  جبهة ثقافية عريضة والعمل على ايجاد تيار تنويري مهمة حياة وليس ترفا يتم تناوله في الصالونات الاهتمام الزائد بالسياسية على حساب الثقافة  هو احد اهم نقاط ضعف التيار التقدمي وامام هذه التحديات والان وليس غدا تتحول هذه المهمة إلى مهمة دفاع عن النفس انها ضرورة بقاء  دعونا نضع الامور في نصابها وان لا نكون جزء من حملة السكين المسلطة على رقاب التقدميين في هذا الجزء من العالم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير