خالد بطراوي يكتب لوطن: هلوسات "كيلو واط لتر"

26.09.2016 07:26 AM

عندما دندنت أغنية " أذكر يوما كنت بيافا" أثناء رياضة المشي المسائية التي تلزم لأمراضي ... لمعت لي فكرة وسؤال " لماذا اختار الاحتلال الاستيلاء على اراضي الـ 48 أولا؟"

من كان يظن أن مسألة تقسيم فلسطين قد تمت بالنكبة وبيوم وليلة فهو واهم ... ومن كان يظن أيضا أن وعد بلفور أيضا قد تم بيوم وليلة ودون دراسة اسرائيلية معمقة فهو واهم، ومن كان يظن أن مدينة "تل أبيب" التي بدأت عملية اقامتها عام 1928 قد بدأت فعلا في هذا العام فهو واهم أيضا، تماما كما تحققت فكرة غزة- أريحا أولا التي لم تأتي بالصدفة.

أنه أيها الأحبة، نسيم البحر .. وليس نسيم البر .. أو نسيم الوادي وليس نسيم الجبل كما تعلمنا في المدرسة. القيادة الاسرائيلية كانت ترسم برؤيا استراتيجية وتبلور ذلك بتكتيك مدروس بعناية، وكنا نحن العرب ننساق وراء هذه الخطط بردود فعل موتورة كانوا هم يمتصوا الصدمة الالولى برحابة صدر/ كما كان يفعل بطل الملاكمة محمد علي كلاي – رحمه الله – في الجولة الأولى من منازلة خصمه جو فريزر مطلع السبعينات، وكنا نفرح لهذا الملاكم الذي أعلن اسلامه، كيف لا وهو يمثلنا الى أن أصيب بارتجاج في الدماغ.

لو أقيمت دولة الاحتلال على الضفة الغربية وقطاع غزة، فمن أين لها الماء؟ وهل يوجد لها أي منفذ حدودي؟

لذلك القيادة الاسرائيلية ارتأت أن تقيم دولتها في الساحل، في المناطق المنخفضة، حيث ماء الجبل كالشلال يتجه نحوها وأيضا لها منفذ حدودي حتى ولو كان بحريا يفتح لها الآفاق للانطلاق والتقدم من خلال دول غير عربية أو اسلامية مثل قبرص واليونان. وكان يجب من منطلق ديني أن تسيطر على جزء من القدس.

ثم بدأت تزحف نحو الجبل، باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة. وأعلنت في المادة (35) من المرسوم الثالث الصادر في الخامس من حزيران عام 1967 ( أي عشية الاحتلال) أنها ستحترم القانون الدولي الانساني وتحديدا اتفاقيات جنيف وأنظمة لاهاي لعام 1907 وشددت على المادة (43) من الأنظمة التي تدعو دولة الاحتلال الى تأمين سلامة الخاضعين لها بما لا يتعارض من الضرورات العسكرية، فأصبح ابعاد المواطن الفلسطيني وهدم منزله والاقامة الجبرية والاعتقال الاداري ضروريا لأن الحاكم العسكري أو قائد المنطقة كان يعتقد أن أعتقال علي عوض الجمال مثلا من منطقة جنين لمدة تسع سنوات

وتسعة أشهر مطلع السبعينات كان ضروريا لأمن وسلامة الجمهورمستفيدا من نص مادة في القانون العرفي.

وأعلنت دولة الاحتلال أيضا أن الضفة الغربية منطقة عسكرية مغلقة، وأن قطاع غزة أيضا منطقة عسكرية مغلقة، لا يسمح بالدخول والخروج منهما الا بموجب أذونات، وفيما بعد عام 1969 أجرت أول عملية احصاء لكن لمن ؟ لمن أسموهم "السكان". ومنذ تلك اللحظة تحول الفلسطيني الى ساكن.

وبالطبع قامت عشية الاحتلال بضم القدس، وسيطرت على تدفق الأموال وعلى املاك الغائبين وكل أوجه حياة الخاضعين لها تحت نير الاحتلال.

ثم بعد أن بسطت سيطرتها الأمنية، وامتصت ردة فعل وغضب الأمتين العربية والاسلامية ذلك الغضب الموصوف " ضراط ع البلاط " بمصطلحاتنا الشعبية، بدأت العملية الاستيطانية ونشطت حركة غوش أمونيم أواسط السبعينات، وتربعت المستعمرات على قمم جبال الضفة الغربية ومنتصف قطاع غزّة، وكان من الضروري ارساء اسس قانونية بحيث لا يكون هناك تقاضي للمستعمر في الضفة الغربية بل في دولة الاحتلال فلا يحق لأي مواطن أن يرفع قضية ضد مستعمر اذا قام مثلا بدهسه.

وبعد ذلك أحكمت دولة الاحتلال شبكة الطرق من خلال ثلاث طرق رئيسية كبيرة من شمال الى جنوب فلسطين أحدها قرب نهر الأردن والثاني وسط الضفة الغربية والثالث على يساره، ثم أنشأت شبكة طرق من الشرق الى الغرب، فحشرت التجمعات الفلسطينية في مربعات، وأصدرت الأوامر العسكرية التي تمنع حدوث أي تنمية مع استمرار السيطرة على البنوك التي منعت ولم يكن هناك الا البنوك الاسرائيلية.

ثم بعد أن ارتاحت دولة الاحتلال سعت الى الانفتاح نحو الدول العربية، فأبرمت اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر أواخر السبعينات، وفورا قامت بانشاء الادارة المدنية عبر الأمر العسكري الاسرائيلي رقم (854) وعندما رفض الشعب الفلسطيني ذلك، استبدلت الحاكم العسكري في كل منطقة برئيس للادارة المدنية هو نفسه الحاكم العسكري الذي كان يرتدي الزي العسكري ولكن ألبسته زيا مدنيا، وشجعت انشاء روابط القرى.

سيطرت دولة الاحتلال، وأرسلت مستعمريها، زحفت من الساحل الى الجبل، ضمنت المياه أولا، ومنفذا بحريا حدوديا ثانيا، وتسلقت الجبل، فتنسمت نسيم البحر ونسيم البر، ونسيم الوادي ونسيم الجبل، ومنعت حدوت أي تنمية لدرجة أن الملتقى الفكري العربي في القدس تنبه لذلك ونظم مطلع الثمانينات مؤتمرا كبيرا خلص الى نتيجة أننا نحتاج الى التنمية من أجل الصمود وليس أي تنمية.

جاءت الانتفاضة الأولى المجيدة فأسرعت دولة الاحتلال الى اصدار أوامر عسكرية تجعل من رفع العلم الفلسطيني تهمة تستوجب السجن لمدة ستة أشهر لدرجة أن المحامية التقدمية اليهودية فيليتسيا لانغر أحضرت بطيخة الى قاعة المحكمة العسكرية الاسرائيلية وقسمتها نصفين وطلبت من القاضي أن يحاكمها فهي تحمل الوان العلم الفلسطيني.

أصبح الاحتلال عبئا على دولة الاحتلال من ناحية تقديم الخدمات كالتعليم والصحة والبنية التحتية وخلافه، ومع تقدم الرؤيا الاستعمارية لاشكال الاستعمار والانتقال من الشكل القديم الى الشكل الجديد، كان لا بد للاحتلال من التخلص من أعباء الصرف على الشعب الخاضع لسيطرته عبر تسليم السلطات المدنية الى أي كان مع الاحتفاظ بالسلطات السيادية والمعابر والسيطرة الأمنية. فجاءت الاتفاقيات، واستمرت دولة الاحتلال تستفيد من احتلالها بأقل الخسائر.

وعلى صعيد آخر، أثناء رياضة المشي الليلة قلت لنفسي، لو عدنا الى تاريخ الحروب مع الكيان الاحتلالي، وأقصد الحروب التي خاضتها الثورة الفلسطينية، وبشكل خاص حرب عام 1978 أيام قلعة الشقيف، وحرب الجنوب عام 1980، وحرب عام 1982، فما هي الرؤيا الفلسطينية؟

كانت الرؤيا الفلسطينية تستند بالأساس من السعي للحفاظ على الشعب الفلسطيني في الشتات ومنظمة التحرير الفلسطينية ككيان يمثل الشعب الفلسطيني، لم تكن الرؤيا تفكر بشن أي هجوم، كانت حروبنا دفاعية، ببساطة لأننا لا نملك الغطاء الجوي ولا نملك الدعم العربي، فلا داعي للمزاودة الان واعتبار أن وضعنا أفضل وهو ليس كذلك مع تمزق العالم العربي في دوامة ما سمي بالربيع العربي، ولا يمكن اعتبار تجربة حركة المقاومة اللبنانية بشكل عام وحزب الله بشكل خاص نموذجا قابلا للتحقيق في بلادنا المحاصرة غير المدعومة والمسنود قفاها من أحد.

وفي الضفة الغربية وقطاع غزة كانت الاستراتيجية أيضا تنطلق من الحراك الشعبي السلمي المقاوم، مع بعض ضربات عسكرية موجعة هنا وهناك كان التركيز فيها على استهداف العسكر يعطي تأثيرا أكبر، لذلك دخل مصطلح " الانتفاضة" في معاجم اللغات العالمية بوصفه مصطلحا عربيا يمثل تحرك جماهيري فلسطيني شعبي عارم.

الى أين أريد أن أصل بكم في هلوستي هذه؟

الحقيقة الى مجموعة من الأمور. لا أعتقد أيها الأحبة وبصدق أن عصرنا الحالي هو كما الأعوام المنصرمة عندما كانت المأثرة الفردية تجترح من قبل أفراد وتترك بصمات في التاريخ. من وجهة نظري عصر المأثرة الفردية قد ولىّ، وأي فعل غير مدروس سينعكس سلبا على شعبنا من ناحية ويخلف عائلات ثكلى.

ولا أعتقد أيضا ومع كل الاحترام للوفود الأجنبية والأفراد الاجانب الذين يحضرون الى بلادنا عبر مطار بن غوريون ويتوجهون الى جدار الفصل العنصري للاحتجاج، يؤثرون فعلا على ازاحة الجدار بمقدار سنتمتر واحد أو تتصدر أخبارهم الصحافة العالمية، لو سخروا كل جهودهم الخيرة في بلدانهم وبرلماناتهم لربما التأثير كان أيجابيا أكثر.

كيف لنا أن نجعل من الاحتلال الاسرائيلي عبئا عليهم وليس بقرة حلوب تدر عليهم يوميا الأرباح بشكل أفضل من دول النفط ومناجم الذهب؟

الحراك الشعبي مهم جدا .. لكن أي حراك؟ كيف لنا أن نخفف من ثقافة الاستهلاك بيننا ؟

عندما عدت الى المنزل بعد رياضة المشي، قلت أبحث يا ولد قليلا ... وفقا لدراسة صادرة عن الاحصاء الفلسطيني عام 2007 فان عدد الأسر الفلسطينية في الضفة الغربية هو (25281 أسرة) وأفادت الدراسة أنه من المتوقع أن يكون هناك زيادة سنوية في عدد الأسر الفلسطينية في الضفة الغربية بمقدار (25281 أسرة) أي بعملية حسابية بسيطة مفترض حاليا أن لدينا (641799 أسرة فلسطينية) لكن، دعوني أفترض أن لدينا 600 الف أسرة فلسطينية في الضفة الغربية.

ووفقا لمعطيات وزارة النقل والمواصلات فقد كان في الضفة الغربية عام 2014 (249852) مركبة ولنفترض أنها حاليا 250 الف مركبة ناهيكم عن المركبات غير المرخصة التي " تسرح وتمرح".

ولا أطلب من أهلنا في قطاع غزة أي شىء، فحسب ما يغني المغني " اللي فيهم مكفيهم".

ووفقا للهيئة العامة للبترول فان سعر لتر البنزين أو السولار حول (5.85 شيكل) ووفقا لسلطة الطاقة فان متوسط سعر الكيلو واط الواحد من الكهرباء هو 0.54 شيكل.

فلو أجرينا عملية حسابية بسيطة، وقلنا لو أن كل أسرة فلسطينية قامت بتخفيض استهلاكها للكهرباء بمعدل واحد كيلو واط في اليوم لتحققت خسارة لدولة الاحتلال بمقدار 300 الف شيكل يوميا، ولو قللت كل مركبة فلسطينية استهلاكها للوقود بمقدار لتر واحد يوميا لتحققت خسارة للاحتلال بمقدار مليون واربعماية واثنان وستون الف وخمسماية شيكل،ولو جمعنا الخسارتان واحتسبنا الخسارة الشهرية لوجدنا أن دولة الاحتلال ستتكبد خسارة تصل الى 14 مليون دولار شهريا فيما لو خفضنا استهلاك الكهرباء كيلو واط واحد يوميا واستهلاك البنزين لتر واحد يوميا.

كيلو واط واحد ولتر واحد يؤديا الى خسارة 14 مليون دولار ، فما بالكم لو 2 كيلو واط و 2 لتر وهكذا.

يجب أن يعلم العالم كله أن دولة الاحتلال باستمرار احتلالها كما الواقف على بئر نفط ...

رحم الله من قال يوما ... ان السياسة تعبير مكثف عن الاقتصاد.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير