يوسف.. من أذن لك أن تموت؟

18.10.2016 07:42 AM

كتب: عايد شديد

لقد تحدثت اليك سابقا عدة مرات. لم تكن تحسن الاستماع يا يوسف.هذه المرة لن يمنعني موتك من ان اتحدث اليك مجددا. اولا دعني اصارحك انني كنت اجاملك سابقا حينما كنت تقطع حديثي معك بالثرثارة واقول لك معك حق والحقيقة لا يا يوسف لم يكن معك حق. المهم يا يوسف انني صعقت حينما رايت تسجيل حادثة موتك وقد خاب ظني. كيف لك ان تجرؤ وتموت موتة موثقة. من اذن لك يا يوسف ان تموت تحت عدسة المراقبة؟؟ ليس هكذا يموت المشردون والمهمشون والمستضعفون والمقهورون يا يوسف. كان الاجدر بك ان تموت بصمت. المقهورون يا يوسف دوما يهانون بصمت ويضربون بصمت و يغتصبون بصمت ويظلمون بصمت ويموتون كذلك بصمت. فلمذا تجاوزت حدودك واثار موتك ضجة؟؟ المفروض ان لا يتجاوز خير وفاتك اكثر من عشرة كلمات او عشرين باحسن حال. تعاودنا على قرأة نبأ وفاة المقهورين تحت عنوان العثور على جثة مجهولة وفي كثير من الاحيان كانت تفاصيل الخبر هي نفسها العنوان لكن تكتب بخط اصغر ولم نتعود على موت موثق لمقهور مستضعف فلماذا هذا الاستهتار يا يوسف؟؟ كان الاجدر ان يعثر على جثتك سائق عربية النفايات بجانب الرصيف في صباح ليلة قارصة البرد. او ان يجدك عامل محطة الباصات جثة هامدة بجاور باب المحطة او تصدم بك بائعة متجولة وانت ميت مفترش كراتين الخضار الخاصة بها او ان تنام في مكان نائي و لاتصحو كحال المقهورين دوما ليعثر عليك صبية اعتادو اللعب بعيدا. كان عليك ان تختار احدى هذه الموتات او اخرى من جنسها. المهم ان تكون موتة مقهور صامتة بجدارة. في السنوات الماضية يا يوسف مات الكثير من زملائك المشردين . واُغتصب كثير وقُتل وظُلم كثير، دوما كانت الامور تجري بصمت.

مازال هناك الكثير من الزملاء يا يوسف اصادفهم كل ساعة في شوارع رام الله وا خشى عليهم ان لا يموتون بصمت بعد صنيعك المنكر. هناك الكثير يا يوسف من الاطفال بائعي القدحات وسورة الكرسي وبيت الهوية وبطاريات كل اربعة بثلاث شواقل ما زال ينتظرهم الكثير من الظلم والاهانة والبرد والحر والجوع والضرب والاغتصاب والموت واخشى يا يوسف ان تكون قد افسدت عليهم الامر. هناك الكثير من الدراويش والمساكين والمغييبين والشحادتين والمرضى والمشردين والمقهورين يجابون رام الله ساعات طويلة كل يوم ويتجرعون الظلم بصمت بلا شكوى فلماذا كان موتك فضيحة؟؟؟

بدون اي شعور بالمسؤلية تسببت باحراج عشرات المارة واصحاب المحلات وسائقي السيارات ممن لم يقدمو لك المساعدة حين وقعت ومت. كان يجب ان تموت بعيدا يا يوسف.

لقد كنت مشردا مثاليا لعشر سنين او اكثر . اذ كنت قادرا ان لا تكون مرئيا لمؤسسة الرئاسة ورئاسة الوزراء والوزارات والمجلس التشريعي ومكتب المحافظ ومجلسي بلديتين ومكاتب التنظيمات وديوان قاضي القضاة والمدعي العام و عشرات وكلاء النيابة ومئات منتسبي الشرطة وثلة من القضاة والمفتى ومؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوقية و اخرى اعلامية واخرى تعنى بشؤون حقوق الانسان واخرى تعنى بالحق في اللعب و حقوق المراة وسرطان الثدي وحمى البحر الابيض المتوسط وفقر الدم وسيارات الاسعاف والاطباء وجميعهم لا يبعدون عن الشارع الذي تتسكع به عدة دقائق من المشي. وهكذا فجأة تملكت الانانية لتموت موتة مرئية. لم تفكر للحظة بالالم الذي سيسببه موتك الموثق لكل هؤلاء. مت بعيدا وبصمت يا يوسف.

خلال عقد او اكثر لم تسمح لسوى مليون انسان ان يراك و انت تتعذب بشوارع رام الله وانت تؤلم نفسك بحركات يديك القاسية. لم تؤذ يوم احد لكنك اليوم تؤذي العشرات خارج المليون المنهمك بشراء كيلو خبز باربع شواكل. لماذا كل هذه القسوة يا يوسف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير