توغل اسرائيلي متعاظم في افريقيا (الحلقة الاولى)

20.10.2016 10:23 AM

وطن: كتب شارون اوداسين

محاطة بخليط غير مضياف وصحراء قاحلة، وبلاد تعصف بها الملاريا الناتجة عن المستنقعات، كانت اسرائيل الوليدة قليلة الغذاء حيث لم يكن يكفي لسد جوع السكان المتكاثرين. بعد ستة عقود ونصف، تقوم هذه الدولة الصغيرة ليس بالاحتفال بملايينها الثمانية، ولكن بمساعدة الاقطار النامية في العالم ليفعلوا نفس ما فعلته.
يقول يعقوب بوليغ رئيس مركز التطوير والتعاون الزراعي الدولي التابع لوزارة الزراعة الاسرائيلية (سينادكو)  " نحن الدولة الوحيدة في العالم التي وصلت مثل هذه المرحلة من التطور في فترة  زمنية قصيرة كهذه ، انها معجزة". كان هذا في مقر وزارة الزراعة في بيت دجن يافا. ويضيف: " الجميل هو ان اسرائيل ترغب في مشاركة تقدمها وانجازاتها مع امم اخرى".

بدأت اسرائيل في سعيها لتكون لاعبا اساسيا في اجواء التنمية العالمية عام 1957 بتأسيس الوكالة الاسرائيلية للتعاون والتنمية الدولية، (ماشاف). كان انشاء ماشاف نتيجة جهود ورحلة وزيرة الخارجية آنذاك غولدا مائير الى افريقيا، هذه الزيارة التي قوت التزام اسرائيل للشراكة مع الدول الناشئة في القارة المجاورة.

يقول غيل حيزقل، رئيس ماشاف:" كنا بلد من اللاجئين. كان لدينا نوع من التقشف ثم انتقلنا الى كوننا عضوا في منظمة التعاون والتنمية الدولية، والتي تضم 35 دولة في العالم هي الاكثر تطورا اقتصاديا " .

مع نمو الدولة وتحولها الى دولة حديثة بدأت اسرائيل تدريجيا في برامج تدريب وتطوير تكنولوجي – في قطاعات الزراعة، الصحة العامة، التعليم وتمكين النساء وغيره- لتبدأ بالحضور في كل العالم.
تطبق اسرائيل اليوم برامج في القطاع الزراعي بشكل خاص وضعتها ماشاف وذراعها المهني سينادكو في آسيا وافريقيا مركزة على البستنة والالبان والري. وينخرط عدد لا يحصى من الشركات الاسرائيلية الخاصة والمتخصصة بتكنولوجيا الزراعة في كثير من هذه المشاريع وبمبادرتها المستقلة.

منذ تأسيسها دربت ماشاف حوالي 270 الف مشارك من 132 دولة في دورات متعددة في اسرائيل نفسها او خارجها-  حيث ان 70% من المشاركين يعملون في الزراعة، بينما حصلت بعض التدريبات في غرف صفية فان اكثرها كان ميدانيا وفي الحقل منشئة مصفوفة من المزارع المشغلة كليا في العالم.

يقول حزقيل الذي عمل سفيرا في شرق افريقيا من 2011-2014: "  كان المشروع الذكي، هو ما انشأناه من البداية في مزارع افريقيا"، واضاف : " لقد تكثف ذلك في بداية التسعينات عندما انشأنا علاقات مع دول جديدة". الدولة الرئيسة كانت الهند وفيتنام، بينما كانت العلاقة مع تايلند تحديثا مهما".

الهند: تعويض الوقت الضائع:

ربما كانت اهم  قصة نجاح زراعي لاسرائيل على مستوى علاقات دولة بدولة  هو شراكتها مع الهند، والتي قادت الى بناء التعاون مع المزارعين في كافة ارجاء شبه القارة الهندية".

قبل قيام العلاقة الدبلوماسية الرسمية بين البلدين عام 1992 كانت العلاقة بين اسرائيل والهند بعيدة عن ان تكون صداقة  وحسب ما وصفه حزقيل فقد كانت  " 44 عاما من الوقت الضائع". ويضيف : " عندما اقمنا العلاقة مع الهند، بدأنا نفكر كيف نعوض الوقت الذي ضاع".

في عام 1996 ناقش البلدان في البداية كيف يمكن انشاء مزرعة تجريبية نموذجية في نيودلهي، وذلك لعرض تكنولوجيا اسرائيل الزراعية حسب ما يقول حزقيل الذي كان سفيرا في الهند بين 1994-1998.
ويقول: " عندما باشرنا، جاء الهنود وقالوا لا نريد فقط التكنولوجيا- نريد كل سلسلة القيم. اخبرونا كيف صنعتم اسرائيل، ثم انشأنا مركزا للتميز" .

تحدث حزقل عن ادوات الزراعة العضوية الوحيدة ليس باعتبارها مشاهدة زراعية حول خبرة اسرائيل، ولكن  لانها تعكس " كل سلسلة القيم من البحث والتطوير الى تطبيق التكنولوجيا على الارض"

نتيجة للطموحات المشتركة- ومذكرة التفاهم الموقعة عام 1996- نما مشروع ماشاف الاكبر في العالم الى اليوم وهو مشروع الزراعة الهندواسرائيلي والذي اطلق عام 2008.
يقول دانييل كرمون، سفير اسرائيل الحالي في الهند: " تواجه الهند بشكل خاص تحديات تنموية، اضافة الى تحديات ندرة المياه والغذاء"، وهو يؤكد ان الهند لم ترسب في مجموعة الدول التي تحتاج الى مساعدة تنموية  من (OECD)، ولذلك دعيت اسرائيل من قبل الهند للتشارك في التكنولوجيا ولاجل بناء مراكز التميز.

يعتبر المشروع الزراعي الهندواسرائيلي نتيجة الجهد المشترك لعدد من الاجسام من الجانبين. من الجانب الاسرائيلي كانت ماشاف وسينادكو والسفارة الاسرائيلية في دلهي، اما في الجانب الهندي فكانت وزارة الزراعة، وبعثة التطوير المتكامل للبستنة، اضافة لعديد من المؤسسات الحكومية العامة والفيدرالية.
يقول كرمون الذي خدم كرئيس لماشاف بين 2011 و2014 وسفير في الامم المتحدة بين 2005- 2010: " نحن نقص ونكيف ونلصق المزارع الاسرائيلية في المشهد الصيني".

لقد مر المشروع الهندواسرائيلي في ثلاث مراحل، من بدايته في 2009-2012، ومن 2012- 2015 والثالثة من 2015-2018 . وقام المشروع بانشاء 26 مركز للتميز سواء عاملة او في طور العمل، مع 15 تعمل بكامل طاقتها حسب دان الوف مستشار التعاون الدولي في ماشاف والسفارة الاسرائيلية.
ويقول الوف: " نحن كدولة وكشريك للهند ننظر معا الى كيف نفيد المزارع المحلي، انها مشاركة حقيقية، ولا استطيع ان اقوم بها وحدي".

تقع المراكز ال 15 العاملة وال11 في طور التشغيل في تسع ولايات هندية، حيث تتخصص في العديد من المحاصيل مثل الخضار والمانجا، الحمضيات والرمان، القرنبيط، النخيل وتربية النحل.

كجزء من المرحلة الثالثة من المشروع هناك امل لرؤية المشاريع ال 26 مشغلة تماما في نهاية 2017 حسب الوف، اضافة الى ذلك فان الاسرائيليين والهنود يريدون فتح بين 10-14 مركزا في سبع ولايات جديدة، اما المركب الاكثر الحاحا في المرحلة الثالثة فهو تقديم تكنولوجيا جديدة وخبرات جديدة  مثل آليات تكرير المياه، وادارة ما بعد القطاف.

لقد زج الشركاء بقوتهم جيدا  كما وصف الوف بسبب تأصل " العلاقة بين الهند والاسرائيليين"، - ثقافة تقوم على ( الروح العملية والمباشرة). ويقول: " كان الشريك الهندي يقودني بالفعل، كان يرشدني ما هي المحاصيل الملائمة، وماذا يريد ان يرى في آخر النشاط". كنا نفكر فيما سيقوم المزارع بزيارة المركز، هل سيكون ذلك مفيدا له؟ هل سيطبق ذلك في مزرعته؟". وبينما كان الشركاء ينفذون بناء مراكز التميز كان حيزقل يشدد: " ان الكلمة المفتاحية لكل مشروع تنموي هو الاستدامة". واضاف: قدمت الحكومة الهندية البنية التحتية المادية، بينما قدم الشريك الاسرائيلي المعرفة التكنولوجية
يقول حيزقل: " في نهاية المرحلة، يخرج الاسرائيليون ويبقى المشروع في يد المستفيدين، واذا كانت لدى المستفيدين القدرة على الاستمرار سوف يستمر، فعندما يستثمر الشريك في البنية التحتية تكون له مصلحة في استدامة المشروع".

حتى الان يمكن القول ان مراكز التميز قد نجحت، انها تجتذب الزوار من الهند وخارجها. داخل الهند باتت المراكز ذات شعبية في ولاية هاريانا، حيث اعلنت الحكومة المحلية في كانون ثاني انها ستطلق 14 مركزا جديدا على حسابها مركزة على الري بالتنقيط، ومن خلال النموذج الاسرائيلي.

بالنسبة للمشاركين في المشروع الهندواسرائيلي هناك توقع لرؤية اعضاء من القطاعين الخاصين في البلدين باعادة توليد النموذج في المستقبل كما يشرح كرمون.  ويضيف ان القطاع الخاص سيكون لاعبا حاسما كمستثمر تعاوني في تنمية الزراعة والتقدم للأمام.

ورغم ان مراكز التميز قد خلقت ضجة خارج الهند فانها ايضا جلبت باستمرار ضيوفا من عدد من الدول المجاورة. يقول كرمون: " ان الفكرة من ذلك هي رؤية فيما اذا كان النموذج يلائمهم، مع كل الفروق بين الهند والدول الاخرى". ويقول حيزقل: "حتى المتدربين جاءوا من اقطار مجاورة ليست لها علاقة باسرائيل مثل بنغلادش وافغانستان"، ويضيف: " هذا تأثير مضاعف للمعرفة تفتخر ماشاف انها انشأته، خاصة لبلدان تحتاج الى ذلك ولا نستطيع الوصول اليها، نحاول ان ننحي جانبا السياسة لانه في النهاية تكون التنمية العالمية الرابط بين حلقات سلسلة القيم".

بغض النظر عن علاقات دولهم الدبلوماسية باسرائيل فان الزوار من خارج الهند لمراكز التميز كانوا واعين للمساهمة الاسرائيلية في المنشآت، ويقول الوف: " لقد بذلنا جهدا كبيرا وموارد في اظهار المراكز كهندية اسرائيلية مشتركة، انها تبدأ  بالاعلام  والاشارات والرسائل حول الري بالتنقيط الذي تم تطويره في اسرائيل".
بهذه الشراكة في المشروع الهندواسرائيلي، تستمر اسرائيل في بناء علاقة قوية مع الهند وشعبها ويقول كرمون: " نحن نقوم بأشياء مهمة للقيادة ومهمة للشعب ومهمة للمزارعين".
ان الامن الزراعي والغذائي والمائي ليس اقل بالنسبة للمزارع والمواطن الهندي من الامن في مجالات اخرى ويقول كرمون: " اذا استطعنا ان نكون شركاء في هذا يمكن ان نفعل اشياء اخرى اكبر".

مشروع نموذجي في رواندا

رغم انتشار المزارع النموذجية الاسرائيلية في انحاء العالم، الا ان مراكز التميز التي انشئت في الهند شكلت الشرارة التي حركت مصالح دول وشركات اجنبية للعمل المشترك. يقول الوف: " مشروعنا في الحقيقة هو نموذج،  انه  باهر ويحاول جذب من ينظر اليه نحو اما عقد شراكة او استخدام النموذج للتطبيق". لاول مرة تقترب ماشاف وسينادكو من تكرار النموذج  في بلد آخر- في جبال رواندا الخضراء، وفي شرق افريقيا الاستوائية. على بعد 12 كم غرب كيغالي، سوف يصبح مركز رواندا للتميز محورا للتدريب الزراعي وتكييف تكنولوجيا الزراعة الاسرائيلية مع الحاجات المحلية وزيادة محاصيل الخضار والفواكه.

المركز الرواندي المنوي الانتهاء من بنائه نهاية عام 2016 سوف يصبح تدريجيا مستداما ذاتيا، مع هدف ان يكون مزودا لمنتجات زراعية معدة للتصدير اضافة لذلك سيكون موقعا للتدريب للمزارعين المحليين والمهندسين الزراعيين والاكاديميين  ورجال القطاع الخاص حسبما يقول حيزقيل.

وقبل ان يباشر العمل في المقر، قال كرمون والوف ان وفدا من رواندا زار الهند ليتعلم من تجربتهم.
يقول كرمون: " نحن دائما نكيف انفسنا مع المشهد المحلي، نحن لا نفرض نماذجنا بالنسخ واللصق، لا يمكن اللصق دون تكييف، كل مشهد يختلف عن الاخر ، وكل بلد له انواع من الحاجات مختلفة عن الآخر".

احد اهم الاختلافات بين مراكز التميز الهندية ومركز رواندا المستقبلي هو ان البنية التحتية مولت كليا من الحكومة الهندية، بينما مركز رواندا كليا هو منحة من اسرائيل. وبالتشابه مع الهند فان الهدف هو جعل مركز رواندا رابحا حسب بوليغ، رئيس سينادكو الذي يقول: " نريد للمشروع ان ينجح، ونعرف انه سيؤثر في اقطار اخرى، وبعد انهاء مرحلة البناء سوف نرسل خبراء  ونتأكد من ان الخبراء والمزارعين المحليين سيأتون الى المركز ويشاركون في نشاطات التدريب".
العامل الحاسم في نجاح مركز رواندا هو تطوير سلسلة القيم والتي تتضمن ليس فقط الانتاج بل ما بعد القطاف والتغليف والنقل، الامل هو ان يصبح المركز مستداما في غضون اربع او خمس سنوات ويصدر المنتجات في اربع سنوات.

وحتى يصبح المركز فعالا بشكل مستقل، سيكون ممثل ماشاف بوعز ميدينا في الميدان طوال الوقت. ويسعى ميدينا لخلق تأثير في مستقبل الزراعة الرواندية، من خلال ادارة المركز وزيارة المزارعين وبيوتهم، لكن اهدافه المباشرة هي ايضا كثيرة.

يقول ميدينا: " انا لا اطلق النار لاصطاد النجوم، واقول اننا سنغير طريقة العمل الزراعي في رواندا، هذا سيكون كبيرا، ما سنحاول فعله هو عرض تجارب وعرض ما تفعله التكنولوجيا".

عن جيروسالم بوست، ترجمة جبريل محمد

تصميم وتطوير