روسيا تقيد الجيش الاسرائيلي وتفرض على اسرائيل ترتيبات سياسية جديدة

22.10.2016 10:46 AM

كتب: عاموس هرئيل: روسيا استكملت في الاسابيع الاخيرة تعزيز دفاعاتها الجوية شمال سورية. ونشرت "واشنطن بوست" بعد لقاءت اجرتها مع خبراء امن امريكيين، هذا الاسبوع، خارطة تبين مجال التغطية المتوقع للصواريخ المختلفة، اس 300 واس 400 التي تدعمها صواريخ مضادة للطائرات، تم نصبها على سفن في ميناء طرطوس. ويغطي قطر مجال الاعتراض الذي يصل الى 400 كلم، الأراضي اللبنانية وجزء كبير من الاراضي التركية والاردن وشرق حوض البحر المتوسط الى ما وراء قبرص – وجزء صغير من العراق، وايضا منطقة اسرائيل حتى النقب الشمالي.

وحسب الصحيفة، يجدون في البنتاغون صعوبة في تقدير ما اذا كان يمكن، اذا الح الأمر، اقتحام منظومة اعتراض الطائرات وصواريخ كروز. وبما أن المسألة لم تطرح للاختبار العملي، بعد، يمكن القول إن الامريكيين طوروا على مر السنين، قدرات حربية تكنولوجية تُمكنهم أيضا، من تشويش مجال التغطية المكثف المضاد للطائرات. ولكن "واشنطن بوست" تقول ان تكثيف المنظومة الروسية يقيد قدرة الولايات المتحدة على قصف الاهداف العسكرية لنظام الاسد. وفي نفس الوقت يصعب انشاء مجالات جوية محمية، يمنع الطيران فيها، والتي أيد وجودها مؤخرا، المرشحان للرئاسة، كلينتون وترامب.

هناك تأثير للتعزيزات الروسية على اسرائيل، ايضا، التي أشارت وسائل الاعلام الاجنبية، الى قيامها، في السنوات الأخيرة، بشن العديد من الهجمات الجوية على قوافل السلاح من سورية لحزب الله. وحسب الخارطة فان الطائرة الاسرائيلية لا يمكنها الاقلاع من موقع تل نوف، بالقرب من رحوبوت، دون أن تلاحظها الرادارات الروسية. ومنذ تدمير الصواريخ السورية المضادة للطائرات في 1982، يحظى سلاح الجو الاسرائيلي بالتفوق الجوي المطلق، (وكذلك حرية العمل المطلق) على الحلبة الشمالية. وقد انتهت هذه القصة في اللحظة التي قررت فيها موسكو تعزيز دفاعاتها الجوية في منطقة طرطوس. لقد قيد الروس بدون جهد تقريبا سلاح الجو الاقوى في الشرق الاوسط.

وهذا التقييد ليس عسكري فقط، بل سياسي ايضا. لقد شكلت اسرائيل وروسيا منظومة تنسيق مشتركة من اجل منع وقوع صدام جوي بينهما، والتقى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اربع مرات مع الرئيس الروسي بوتين، حيث كانت النية المعلنة هي منع الصدام في سماء سورية. ويتبنى نتنياهو من دون مفر، غرامه الروسي. لكنه في الواقع، فان هذه القصة الرومانسية تشبه غزل ترامب الفظ للنساء الكثيرات اللواتي سقطن بين مخالبه. هذا تقرب قسري اضطرت اسرائيل الى الموافقة عليه منذ قرر العملاق الروسي الوقوف في ساحتها الخلفية.

لقد تم تعزيز الدفاع الجوي الروسي، كما يبدو، ردا على الشجب الامريكي للقصف في حلب، وتخوف معين في موسكو، لا يبدو واقعيا الآن، من قيام ادارة اوباما بخطوات عسكرية ضد الاسد. رغم أن الاقتصاد الروسي يترنح، إلا أن بوتين يواصل السير على الحافة: من خلال التلميحات المتتالية الى خطر نشوب حرب نووية، ومحاولة التخريب على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وخطوات اخرى مفاجئة في الشرق الاوسط، كالمناورة العسكرية المشتركة التي اعلنت عنها مصر وروسيا هذا الشهر. لكن نوايا موسكو التي تبذل الجهود لبلبلة وردع خصومها، يصعب تحليلها. حقيقة أنه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، قلصت الاستخبارات الاسرائيلية اهتمامها بروسيا، لا تساعد في فهم اعتبارات بوتين مخططاته.

المحاولة الاولى لمواجهة هذه الاسئلة بعمق، تتم الآن على منبر عسكري، مجلة "عشتونوت" التي يصدرها مركز الابحاث في معهد الامن القومي. لقد خصصت المجلة عددها الجديد لتحليل واسع للتدخل الروسي في سورية، والمغزى الاستراتيجي والدروس العملية، كتبه د. ديما ادامسكي، المحاضر الرفيع في معهد المجالات المتعددة في هرتسليا، والذي يدرس ايضا في المعاهد العسكرية. ويصف ادامسكي طريقة اتخاذ القرارات في الكرملين كطريقة مدروسة ومنظمة تعتمد على التفكير الاستراتيجي بعيد المدى. وحسب اقواله فان الروس يعتبرون أنفسهم يدافعون عن النفس امام الاعتداءات الغربية، في شرق اوروبا (الصراع في اوكرانيا وعمليات توسيع الناتو) وفي العالم العربي (اعمال الناتو في ليبيا، والمحاولة الغربية، التي تم اهمالها حاليا، لتغيير النظام في سورية).

التدخل العسكري في سورية، كما كتب هو الخطوة الاولى من نوعها لروسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، والعملية الاوسع منذ الحرب في افغانستان في الثمانينيات. هذه الخطوة التي تحمل الرمز السري "عملية القفقاز 3″ تم التدرب عليها من قبل القيادة الوسطى لجيش روسيا، خلال الاشهر التي سبقت ارسال القوات الى سورية في ايلول 2015. الدافعان الاساسيان، حسب ادامسكي، هما الرغبة في الدفاع عن نظام الاسد، وعن طريق ذلك الدفاع عن المصالح الروسية في سورية، وعلى رأسها ميناء المياه الساخنة في طرطوس، والخوف من أن نجاح منظمات الجهاد السنية في سورية سيزيد من الارهاب الداخلي في روسيا. ففي روسيا يعيش اليوم اكثر من 20 مليون مسلم معظمهم من السنة، ووصل آلاف المتطوعين من القفقاز الى سورية من اجل محاربة الاسد. لقد تخوفت موسكو من انهيار نظام الأسد ومن ان نجاح المتمردين سيسلب منها السيطرة على شاطئ البحر المتوسط وتدمير منظومات تحالفاتها في المنطقة.

دافع آخر يرتبط برغبة روسيا في كسر العزلة الدولية عليها، واضعاف العقوبات التي فرضت عليها في اعقاب الحرب في اوكرانيا. لقد حرف ارسال القوات الى سورية الاهتمام العالمي بالتورط الروسي في شرق اوكرانيا والزم الغرب على التعامل مع موسكو كلاعب اساسي في ساحة الشرق الاوسط والساحة الدولية.

لقد سعى الروس الى اعادة اعمار التواصل الاقليمي الذي يسيطر عليه الاسد، وبعد ذلك قيادة المفاوضات السياسية التي تحدد مكانة النظام وتضمن مصالحهم. نظرية الانتصار لديهم، والوسائل المتعنتة التي يستخدمونها، وآليات النهاية التي يبحثون عنها، اعتمدت على تجربتهم في حرب الشيشان الثانية في العقد الماضي، التي انتهت بانتصار ساحق وفظيع لموسكو. وحسب ادامسكي، بعد عام من التدخل في الحرب السورية يستطيع الروس السماح لأنفسهم بالتفاؤل الحذر. لكنه يلمح الى ان الأمر ليس كذلك بالنسبة لاسرائيل. لأن حزب الله يساهم اليوم في الحرب التي تقودها روسيا، وقد اطلع التنظيم خلال ذلك على طرق الحرب وطرق العمل التي بلورها الروس. ويمكن لهذه المعرفة ان تزيد من قدرة حزب الله العسكرية، خصوصا في مجال استخدام القوات الخاصة من اجل تحقيق انجازات هجومية في حال حصل صدام مستقبلي مع الجيش الاسرائيلي.

البحث الذي اعده ادامسكي هو مادة قراءة ضرورية للمستوى العسكري الرفيع. التواجد الروسي في سورية غير الواقع الاستراتيجي الذي يعمل في اطاره بشكل حاد. وباعادة للتفكير، في مكتب وزير الأمن، يجلس الآن شخص تربى على الثقافة الروسية وتعلم مفاهيم القوة السوفييتية وينظر الى العالم بمزيج من الاشتباه والشك. ربما يمكن لوثيقة ادامسكي ان تساعد جنرالات الجيش الاسرائيلي في فهم افيغدور ليبرمان ايضا بشكل افضل.

مع نظرة الى الانتخابات

النجاح الروسي في سورية ليس كاملا ولم يكن حسب الجدول الزمني الاصلي لبوتين. في خريف 2015 خططت موسكو لهجوم مداه ثلاثة اشهر، يقوم خلالها سلاح الجو الروسي بمساعدة القوات البرية للجيش السوري، وبدعم ايراني من اجل احتلال حلب وادلب وتحرير شمال شرق سورية من ايدي المتمردين حتى ضفة نهر الفرات. قائد "جيش القدس" في الحرس الثوري الايراني، الجنرال قاسم سليمان، زار موسكو ووعد بأن يرسل الى سورية اكثر من 2000 نفر من رجال الحرس الثوري الايراني. وأمل الروس أن تنتهي بذلك المرحلة الفاعلة والخطيرة للتدخل في سورية.

صحيح أن القوات الايرانية وصلت ودخلت في المعركة، لكنه سرعان ما تكشفت الصعوبات الكامنة في خطة العمل الروسية. فوحدات جيش الاسد تآكلت بسبب ضراوة الحرب على مدى سنوات، وتواجه صعوبة في العمل، وحزب الله تعرض لخسائر كبيرة، والزعيم الروحي الايراني علي خامنئي أمر بإعادة الحرس الثوري الى البيت والابقاء على عدة مئات من المستشارين. وهكذا تولدت الخطة الروسية البديلة التي وصلت ذروتها في عمليات القصف الجوي لحلب في الاشهر الاخيرة، جريمة الحرب التي تنفذها موسكو امام انظار الجميع دون ان تدفع أي ثمن. لقد وسع نظام الأسد قليلا، منطقة سيطرته في سورية وصد تقدم المتمردين، لكن التنظيمات السنة التي تحارب نظامه لن تتوقف عن القتال. الخطوة الروسية، حتى حين يتم دعمها بين الحين والآخر، بمبادرات لوقف إطلاق النار، لا تقرب في هذه الأثناء، نهاية الحرب.

في الوقت الذي يسمح فيه الامريكيون لروسيا بعمل ما تريد في سورية، فانهم يركزون على ما يحدث في العراق. هذا الاسبوع بدأ الهجوم الكبير للجيش العراقي بمساعدة مليشيات شيعية وبغطاء امريكي، من اجل طرد داعش من الموصل. توقيت الهجوم ليس مصادفا. فبالإضافة الى استغلال ظروف الطقس المريحة (نسبة الى العراق)، يهدف هذا الهجوم الى اظهار القوة العسكرية لإدارة اوباما، في الوقت الذي تبقت فيه أقل من ثلاثة اسابيع على الانتخابات الرئاسية، ومن اجل التغطية بعض الشيء، على العجز الذي تظهره الادارة امام المجزرة المتواصلة في سورية.

الهجوم على الموصل يتوقع أن ينتهي بانتصار عراقي. في هذه الأثناء قام مقاتلو داعش بزرع الألغام وحفر الانفاق بين المنازل، ويحتجزون المواطنين كرهائن، لكنهم لن يستطيعوا الصمود لفترة طويلة أمام قوة النار التي ييدرها الجيش العراقي. كما في احتلال الرمادي في بداية السنة، فان تطهير المدينة من جيوب المقاومة بعد احتلالها هو الذي سيتطلب وقتا طويلا. لكن الامريكيين لم يفكروا كثيرا بما سيحدث في المدينة في اليوم التالي. ومنذ الآن بدأت تظهر التوترات بشأن السيطرة المستقبلية في الموصل بين حكومة العراق الشيعية والاكراد الذين ينضمون الى المعركة من الشمال وتركيا التي تساعد من الجو. وستجد الولايات المتحدة صعوبة في منع المليشيات الشيعية من ارتكاب مجازر ضد المدنيين في الموصل، وغالبيتهم من السنة. ويبدو أن واشنطن تتجاهل بشكل متعمد الارباح التي ستجنيها طهران من انتصار الحكومة الشيعية في بغداد والذي سيتحقق عن طريق المساعدة الايرانية المعلنة.

كما تتجاهل  ادارة اوباما دور الايرانيين في اطلاق الصواريخ من قبل المتمردين الحوثيين في اليمن على السفن الامريكية مقابل شواطئ الدولة. طهران هي التي تسلح الحوثيين عن طريق تهريب السلاح عبر امارة عُمان وتؤثر على ما يحدث هناك. وتتجاهل واشنطن التحرشات الايرانية وتآمرها في الشرق الاوسط وتسمح بذلك بزيادة تأثيرها في المنطقة.

سبب ذلك واضح: رغبة الادارة في الدفاع عما يعتقد الرئيس أنه انجاز كبير للسياسة الخارجية في المنطقة. اتفاق فيينا لتجميد المشروع النووي الايراني. يبدو أنه من اجل تحقيق هذا الهدف فان كل الوسائل مباحة، تقريبا، من دمج ايران كشريك فعلي (في العراق، وايضا لبالغ البشاعة في سورية حيث يساعد الإيرانيون في قتل الاسد الجماعي للمدنيين) وحتى تسويق الاتفاق بشكل مبالغ فيه. وهكذا اخرج الامريكيون بعض التحليلات الاستخبارية الاسرائيلية عن سياقها، والتي تعتبر في غالبيتها، الاتفاق النووي مع ايران هو الأقل سوء. صحيح أن رجال الجيش والاستخبارات في اسرائيل ليسوا متشائمين بشكل مطلق مثل نتنياهو من الاتفاق، لكن محاولة الادارة الامريكية تصويرهم كمن يتجاهلون انجاز اوباما، بعيد عن الحقيقة ايضا.

 

تصميم وتطوير