طائرة حسن سلامة التي كانت تحمل بذرة الثورة وهبطت في وادي القلط

23.10.2016 12:46 PM

رام الله - وطن: ربما لو قدر لك ان تسير انت والتاريخ في هذه البلاد، لادركت انه في كل شبر منها سقط شهيد، او مر فدائي، او اختبأ ثائرا، او نفذت عملية عسكرية، حتى تظن ان هذه البلاد لم تكن يوما سوى ساحة معركة لم تنته فصولها بعد.

 في 15 نيسان عام 1936، انطلقت شرارة ثورة فلسطينية ضد الانتداب البريطاني في فلسطين،  والذي كان يمهد الطريق امام تنفيذ وعد بلفور باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ويمكنهم من الاستيلاء على بلاد اللبن والعسل، هذه الثورة عرفت فيما بعد بثورة 36.

الشيخ فرحان السعدي احد قادة الثورة وثلاثة اخرون، كمنوا على طريق نابلس وطولكرم لمجموعة عسكرية بريطانية، وخاضوا معها اشتباكا مسلحا، لتندلع الثورة في كل فلسطين، لثلاث سنوات، كان ابرز ما انجبته الاضراب الشهير الذي عم البلاد، واستمر لمدة 6 شهور.

ولم يكن غريبا ان تندلع شرارة ثورة 36 وتتركز في مثلث شمال الضفة الغربية ( نابلس، جنين، طولكرم، قلقيلية)، كون ذاكرتها لا تزال تردد عصابة ابو كباري التي نشطت في المنطقة بين عامي 1921-27، والذي تبعها بعد ذلك عصابة ابو جلدة بين عامي 1930 – 1934، والذين شكلوا تمهيدا لثورة 36، التي قدر لها ان تنتهي باغتيال قائدها العام عبد الرحيم الحج محمد في صانور برصاص المستعمر البريطاني ، فيما استشهد بقية القادة او اعتقلوا، او هربوا الى العراق، حيث شاركوا في ثورة رشيد علي الكيلاني التي فشلت، ما اضطرهم الى الهرب الى اوروبا، ومن هناك خططوا لعملية انزال مجموعة من الفدائيين عبر طائرة في فلسطين، لتأسيس ثورة جديدة، من بينهم القائد حسن سلامة وذو الكفل عبد اللطيف.

وكانت الخطة تقتضي، ان يتوجه سلامة وذو الكفل  وثلاثة فلسطينيين يعيشون في اوروبا بطائرة  حملت اسم حنبعل، الى فلسطين وتحديدا الى وادي القلط في اريحا من اجل انزالهم هناك.

وادي القلط القريب من نهر الاردن، والذي زرناه في الخامس عشر من تشرين اول الماضي في تجوال #باص_سوشيال_ميديا، كان يجب ان يكون نقطة انطلاق الثوار الخمسة في التاسيس لثورة جديدة في فلسطين، من خلال الانطلاق الى قرى رام الله ومن ثم جبل نابلس واشعال ثورة هناك.

وتمتاز الطبيعة في وادي القلط بالمناخ الصحراوي، والجبال الصخرية، لكنه كان النقطة المتفق عليها، لانزال الثوار الخمس واسقاطهم من الطائرة مع عتادهم واسلحتهم، لكن لسوء تقدير الطيار تم اسقاط الثوار من ارتفاع 800 متر، بدلا من ارتفاع 300 متر، وهو ما ادى الى سقوط المقاتلين وعتادهم متفرقين كل في مكان، اذ تمكن حسن سلامة من الفرار كونه كان يعلم جغرافية المنطقة، بينما اعتقل ذو الكفل واثنين اخرين، فيما اصيب الثالث بلوثة عقلية جراء سقوطه .

 ورغم فشل العملية التي روى تفاصيلها الحكواتي حمزة العقرباوي خلال تجوالنا واستحضار تاريخ وادي القلط، الا انها شكلت  فصلا من المقاومة الفلسطينية، والسعي لادامة عمر الثورة .

 ولم تكن عملية الطائرة الوحيدة التي تحفظها ذاكرة وادي القلط، الذي شهد في عام 1969 معركة قوية، بين قوات الاحتلال ومجموعة مسلحة لحركة فتح ، تمكنت من عبور نهر الاردن، وانتقلت عبر حقل الالغام وتجاوزته، ومهمتها التوجه، عبر وادي القلط نحو القدس ، لتنفيذ عملية  في المدينة.

ويقول العقرباوي لوطن، ان الخلية العسكرية كانت بقيادة نادر التايه من بلدة بيتا، ومعه علي الجعفري وجميل ابو صقر من قرية عقربا وعبد الناصر من القدس وعدد اخر وتمكنت من تجاوز الكثير من النقاط، شعرت حين وصلت شمال وادي القلط انها اكتشفت، وانها ملاحقة من قبل سرية عسكرية احتلالية يقودها ضابط عرف في ذلك الوقت بلقب رجل المهمات الصعبة، واسمه تسيفي عوفر.

قوات الاحتلال التي لاحقت المجموعة الفدائية، وجدت صعوبة في الدخول بعتادها والياتها الى وادي القلط، بسبب  صعوبة تضاريسه، ما دفع المحتلين  الى محاصرته من اجل دخوله، ما ادى الى مقتل قائد السرية عوفر برصاص نادر التايه وعبد الناصر، لتندلع اشتباكات استمرت لساعات .

ويروي جميل ابو صقر، احد اعضاء الخلية في مذكراته، انه حين قطع النهر برفقة رفاقه، كان صائما، وقد اذن المغرب اثناء احتدام الاشتباك المسلح، ما اضطره للافطار بالشرب من  ماء النهر. واسفرت المعركة عن اعتقال الاحتلال ستة من  افراد الخلية حكم عليهم بالسجن المؤبد، فيما استشهد نادر التايه وعبد الناصر .

لم تنته حكاية الخلية الفدائية بانتهاء الاشتباك المسلح، اذ خاض علي الجعفري احد عناصر المجموعة في عام 1980 معركة من نوع اخر داخل سجون الاحتلال، حين اعلن الاضراب المفتوح عن الطعام، وتعرض للتغذية القسرية بالحليب ما ادى الى استشهاده.

ورغم الجمال المجهول لوادي القلط، والذاكرة الوطنية المنسية، فهو يبقى شاهدا على من مروا به ذات يوم  وارواحهم على اكفهم في سبيل الحرية من الاحتلال .

تصميم وتطوير