عدنان رمضان يكتب لوطن: الانسان العربي تعبان وحيران

25.10.2016 07:35 AM

المواطن العربي مسكون  بمئات من القضايا الحياتية والبسيطة التي لا تنتهي تشغل تفكيره وحياته صباه وشبابه وكهولته  فالمواطن مسكون بهموم عادية جدا مثل هل سيكون قادرا على ان يوفر لقمة العيش والملبس والمسكن، من اين سيأتي بقسط التعليم للاولاد؟ وكيف يعالج الأمراض ويجد الدواء دون ان يموت من شدة الألم ؟  كيف سيزرع الارض دون خسارة أو خوف من تقلبات الحال ؟ وكيف سيتحرك دون حواجزعسكرية  اوكيف سيعيش آمنا من بطش المحتل الفاشي في فلسطين .. هل سيكون آمناً في شوارع المدن العربية بعيداً عن عسس الأمن وعن تعقيدات السياسة وهو الهارب من لظاها.. المواطن العربي يبحث عن حي آمن في سوريا وعن سوق بلا تفجيرات في العراق وعن مأوى اليمن وعن شوارع دمرتها حرب بلا معنى في ليبيا ، وهو كذلك في مصر والسودان والمغرب أو الاردن أو لبنان  وكل بقعة من بقاع العرب تائه ومحتار ومشغول في الف هم وهم بين لقمة العيش وحرب الدبابات، وحرب على العقل تاه فيها بين الايمان والكفر،  بين الخير والشر ، بين الحرب والسلم ،الدولة والقبيلة ،بين الطائفة و المذهب الذي عرف انه ينتمي اليه مؤخرا..   محاصر بكتل وكتل كبرى من الاسئلة والهموم  لكن ذلك لا يمنعه ان  يتخيل ويحلم.

المواطن العربي يحلم بالديمقراطية وبدولة الرفاه الدولة التي  تبعد عنه كابوس القيادات الابدية  وتسبدلها بتداول للسلطة  وتعطيه مساحة من الحرية  لينتظم في حزب أوموسسة مدنية  فيقدر ان يشارك ويساهم في  الحياة العامة ،يحلم ان يكون جزء من القرار لا غريبا أومغتربا في بلده  يحلم بدولة ديمقراطية  ليحقق حدا معقولا من الحريات الفردية والسياسية،  دولة تخلصه من ملاحقة اجهزة الامن وتغول السلطات وهيمنة الطائفة و القبيلة ، دولة يسود فيها القانون  ويحاسب فيها الفاسدون، دولة ونظام يوفر العلاج والدواء للمرضى والتعليم للجميع وفرص عمل لدخل معقول وحياة كريمة وفرصة للمساهمة في عملية الانتاج .... بلد تحتضن الجميع رغم الاختلافات في اللون والعرق والدين والجنس وما إلى ذلك.

وفي نفس الوقت المواطن العربي يريد دولة تشعره بالعزة والكرامة ، دولة لها مكانة وقوة  وجيش وطني يستند عليه وقت الازمات، دولة تتحدى الظلم الذي عانى منه وتواجه طغيان القوى الاستعمارية،  دولة حرة مستقلة تخلصه من التبعية وتمكنه من بلاده وثرواته، دولة تجعله يأكل مما يزرع  ويلبس مما يصنع ويركب في سيارة من صنع بلاده، يسافر فيها دون حدود مصطنعة وحواجز وجدران، دولة تسخر فيها امكانات العلماء لبناء قدرات الامة ، بلد لا تتحكم فيه الشركات العالمية والقوى العظمى ، بلد قادرة وقوية لها مكانتها تحت الشمس ويفاخر بها بين الامم.

للاسف لم تكن التجربة العربية في العقود الاخيرة قادرة على توفير حد ادنى من هذه الشروط في البلدان العربية ، وظهر المساران وكأنهما يتعارضان  فالديمقراطية لا تتماشى مع الدولة القومية  والديمقراطية لا يمكن ان تتأتى عن منظومات الحكم المرتبطة والمرتهنة لإرادة الاستعمار متمثلا في امريكا والصهيونية وظهر هذا بشكل واضح  خصوصا في ظل وجود مصالح دولية عالمية واقليمية تتربص بدولنا العربية ،وهذا الامر ليس تسويقا لنظرية المؤامرة بمقدار ما هو التعامل مع ابجديات التاريخ والسياسة  التي تؤكد لنا في كل ساعة  ان مصالح العديد من القوى وعلى رأسهم الكيان الصهيوني تساهم وبقوة بافشال اي تجربة نجاح حقيقي في العالم العربي .

لقد احب العرب جمال عبد الناصر وحولوه  إلى رمز ...  رمز الاستقلال والوحدة والبناء ومواجهة المعتدين ، رغم انهم اخذوا عليه قضايا الحريات والديمقراطية  كذلك في  نظرتهم الى صدام حسين  والقذافي وساندوهم  واعتبروهم ابطالا  خاصة حين  تآمرعليهم وهاجمهم الغرب وكثير من انظمة الخيانة العربية وتعلق بهم الكثيرون لانهم اظهروا  التحدي والعناد وقالوا نفط العرب للعرب  وربط الكثيرين بين هذه النماذج  والاحلام المرتبطة بالعزة والكرامة والقوة والتحدي فدافع الكثيرين عن صدام وعن القذافي رغم اقرارهم بانهم  حكموا البلاد والعباد بحد السيف  وبالحديد والنار، وهناك الكثيرون الذين  يرفضون حتى الآن ان يروا في نماذج بلدان الخليج مسارا حقيقيا للتنمية والبناء لانه لا يقوم على اي من الاسس السابقة ولا يعبر عن فرص التحول إلى مشروع نهضوي عربي حقيقي رغم الامكانات المالية الهائلة   والبنايات الشاهقة .

المواطنون العرب يرون في الديمقراطيات الغربية صورة الشيء ونقيضه، هم يريدون ما توفره هذه الانظمة من حريات ورفاه ولكنهم لا يقبلون هيمنتها ويرفضونهم كمستعمرين وقوى هيمنة .. يحلمون ويرغبون بالحصول على نتاجها المادي ويرفضون ثقافتها .. يدفعون الغالي والنفيس ليكونوا مواطنين أوحتى للاجئين فيها ويحاربون بكل ما اوتوا من قوة سياساتها في المنطقة.

فهل يمكن لنا نحن العرب ان نحلم بدول ديمقراطية توفر الاستقلال والحريات والعيش الكريم في آن واحد  ؟ وهل يحق لنا ان نسأل  حول امكانية ان تكون هناك ديمقراطية دون قوة حقيقية للدولة ؟  قد ننحاز  بتسرع وبعاطفية للاجابة بنعم  فهذا ما نريده وما نسعى اليه لكن هل ذلك ممكن من ناحية واقعية  خصوصا  في هذا السياق التاريخي الذي نعيش فيه ؟ من حيث المبدا نتمنى لو ان بلادنا تتحول  برمشة عين إلى جنة الله على الارض  لكن الواقع عنيد ومسارات التغيير لا يمكن ان تتم دون ان ترتب الامم اولوياتها  وان تصنع المقدمات لترى النتائج.

نحن نعلم ان الغرب الاوروبي "نموذج الديمقراطية " لم يبني نظامه السياسي وثروة أممه وتحديدا ثروة طبقاته البرجوازية بمعزل عن مسيرة الدم والقهر والاستغلال الابشع لعشرات الملايين بل مئات الملايين من المقهورين والمسحوقين اولا في بلاده ولاحقا في بقاع العالم وقاراته المختلفة تحت مسميات التبشير والتحديث والعمران .

هل كانت ستتمكن المملكة المتحدة  من ان تكون دولة ثرية و ديمقراطية لولا تراثها الاستعماري وحملاتها التي بدات في القرن الخامس ونهبها المستمر لثروات القارات المختلفة   ، هل كانت هولندا  لتكون من اوائل الدول التي بنت البرلمانات وتشكل عاصمة حقوق الانسان لولا حروبها ومستعمراتها التجارية في امريكا وافريقيا وتحالفاتها مع الانجليز، كيف كانت ستكون فرنسا دون لويس الرابع عشر والحروب الاهلية المتتالية ونابليون وحملته الاستعمارية والثورات الدموية والجمهوريات المتعاقبة .

من جهة اخرى هل كانت المانيا في زمن بسمارك ديمقراطية وهل توحدت ايطاليا بقرار ديمقراطي ام بالنضال وبالقتال العنيد لغاريبالدي هل كانت روسيا دون ستالين ستحقق نفس الانتصار على النازية و تتحول إلى دولة عظمى هل كانت الصين دون ماوتسي تونغ ستكون ما عليه الآن  هذا ليس دعوة للعنف أودفاعا عن الدكتاتورية ولكنه اثارة لأسئلة يجب ان لا يغيبها الحدث اليومي والهم العادي  فنحن شئنا ام ابينا جزء من اللحظة الحاضرة  هذه اللحظة التي هي ايضا تصنع مستقبلنا ومستقبل ابنائنا .

المعارك في كثير من الدول العربية محتدمة دموية ورغم ان اطرافها عديدة  فان اكثر شيء قاتل في هذه الحروب  هو ان الدم الذي ينزف هو الدم العربي   وهنا لا اعني ان الدم غير العربي  رخيص  لكن المعركة والضحايا  من بلادنا  ،فرغم وجود العديد من المشاريع والخطط والاجندات  العالمية والاقليمية  لكن  بالتاكيد هناك غياب للمشروع العربي فالدماء العربية تسيل وتدمر مدن ومقدرات الامة في سبيل مشاريع  لا تتضح فيها اية معالم لهوية المستقبل العربي ، قد تكون تونس البلد العربي الوحيد الذي يشق طريقا واعدا يحتاج   إلى دعمنا جميعا  لكن في الحقيقة فان هذه المعارك الكبرى  التي تتم على اراضينا  قد تكون معارك الاخرين بدمائنا وقد  لا يكون لنامن نصيب في هذا  سوى  الدماء والعذابات و الدمار بينما يعمل  الاخرون ويديرون الامور لصالح مشاريعهم   التوسعية .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير