هندسة الزيتون: 5 استخدامات مُدهشة لـلجفت!

25.10.2016 09:34 AM

وطن- تقرير: عمر عاصي

بفطرته، أدركَ الفلاحُ الفلسطيني منذ أن عرف الزيتون وزيته، أن للجفت بركاتٌ جليلةٌ كما الزيت، حتى قال فيه مادحاً: «حرصي على الجفت، حرصي على الزيت»، ولسان حال العلماء اليوم لا يختلف كثيراً عن لسان حال أجدادنا فهم يتسارعون إلى إنتاج الغاز الحيوي من الجفت، كما أقاموا محطات لتوليد الكهرباء تعتمد الجفت وقوداً، وبه صنعوا الأعلاف للماشية هذا غير استخراجهم منه مُبيدات لمقاومة الفطريات الضارة أو حتى استخراج السيليلوز النقي الذي يُفيد في صناعات كثيرة تبدأ بصناعة الورق والنسيج وتنتهي بصناعة المتفجرات!

بيوغاز .. من شجرة الزيتون

في مدينة شتوتغارت الألمانية، قام مجموعة من العلماء في معهد فراون هوفر Fraunhofer Institut ببحث نجاعة إنتاج الغاز الحيوي من مُخلفات الزيتون، بالأخص كون أوروبا تنتج سنوياً أكثر من 2 مليون طن من زيت الزيتون، وينتج عن ذلك كميّات ضخمة من المخلفات التي يُمكن أن تكون مصدراً للغاز الحيوي بدلاً من أن تكون عبئاً على البيئة.

بالفعل فقد قام العلماء بعدة مُحاولات من خلال عمليّات تخمّر متخصصة وكانت النتيجة أنهم توصلوا إلى انتاج 720 لتراً من الغاز الحيوي من كل كغم من المادة العضوية الجافة من الجفت (مخلفات الزيتون الصلبة)، وهي أكثر من كميّة الغاز الذي يُمكن إنتاجه من تخمير الذرة. في حين أنهم استطاعوا إنتاج 980 لتر من الغاز بعد مُعالجة الزيبار (مخلفات الزيتون السائلة)، وهو ما كان يعني تقليل كميّة النفايات الناجمة عن عصر الزيتون حتى 90%، وفوق هذا إنتاج 3600 kWh من الجفت و5400 kWh من الزيبار.

كُل هذا كان يعني أن إعادة مُعالجة كل مخلفات عصر زيت الزيتون في اوروبا تُساوي تقريباً زراعة 2800 كم مربع من الذرة بهدف إنتاج الطاقة منها، وهي أكبر من مساحة محافظة الخليل بثلاثة أضعاف تقريباً.

من البولي فينول ... مُبيد للفطريات

دراسات كثيرة نُشرت في الوطن العربي والدول الغربية حول نجاعة جفت الزيتون في مكافحة الفطريّات والبكتريا التي تهاجم الأشجار والمزروعات، فما السر في ذلك؟

في الواقع فإن الجفت يحتوي على مادة هي « بولي فينول Polyphenol » وهي قادرة على مُكافحة أنواع عديدة من الفطريّات الضارة، وفي دراسة للباحث جونتر لاوفينبرغ وجد أنه بتسخين أو حتى تجميد هذه المادة، يُمكن الحصول على مواد فعالة أخرى أقوى من المادة الأم نفسها، وبالتالي فإن هناك أبحاث كثيرة تجري في محاولة الحصول على أفضل مبيد للفطريات يمكن استخلاصه من الجفت.

وقد توصّل الباحث في دراسته أن للمبيد المستخلص من جفت الزيتون فعالية ممتازة في مكافحة الفطريات المُسماة Botrytis cinerea وهي التي نراها على التوت المتعفن مثلاً.

علف للحيوانات

مع أن جفت الزيتون ليس غنياً بالطاقة والبروتين الخام إلا أنه يحتوي على الألياف بصورة جيدة جداً، وقد نُشِرت دراسات تشير إلى جدوى استخدام الجفت في صناعة أعلاف الحيوانات، والمجترّة منها بشكل خاص.

في الأردن على سبيل المثال، أشارت دراسة إلى أن إدخال جفت الزيتون بنسبة 10% على أعلاف الحيوانات المجترة يؤدي إلى توفير 30% في الكلفة العلفية هذا غير التخلص من الجفت بصورة صديقة للبيئة، كما تشير دراسات أخرى إلى أن إدخال الجفت في خلطات التسمين حتى نسبة 15% لا يؤدي إلى أي آثار سلبية في سرعة نمو الحملان. 

وأما في فلسطين فقد نُشرت دراسة في جامعة النجاح في نابلس بعنوان " استخدام جفت الزيتون في صناعة العلائق العلفية للدجاج اللاحم" وكانت تهدف لفحص أثر خلط الجفت بالأعلاف الخاصة بالدجاج على النمو، وخلصت إلى إمكانية استخدام الجفت المنزوع النوى في تغذية الدجاج اللاحم واعتبارها كمصدر غذائي رخيص.

السليلوز .. من الورق حتى المتفجرات!

كما الخشب، ينتمي الجفت إلى المواد المُصنفة علمياً بـ «ليجنو سيلولوزية»، فهو يحتوي على اللجنين والسليلوز وشبه السليلوز والتي بمُعالجتهم يُمكن أن نحصل على الورق، ولكن عجينة الورق المثالية تتكون بشكل أساسي من السليلوز.

وللحصول على السليلوز النقي، قامت الطالبة يُسرى سلامة من جامعة النجاح بإجراء بحث يفحص امكانيات الاستخلاص وتوصلت إلى استخلاص حتى 30% من السيليلوز النقي باستخدام حمض الكبريتيك أو هيدروكسيد الصوديوم تحت ضغط 5 psi  لتجهيز الجفت للمعالجة بالمواد الكيميائية المُستخدمة في ما يُسمى بالـ Pulping والتبييض.

أما أهميّة انتاج السليلوز فهي لا تكمن فيها فقط، فمنه يُمكن إنتاج الفسكوز وهو مهم جداً في الصناعات النسيجية، كما يمكن إنتاج خلات السيليلوز وهي مادة بلاستيكية تصنع منها أفلام التصوير وعوازل الكهرباء، هذا غير مادة نترات السليلوز التي يُمكن أن يُصنع منها ما يُسمى القطن المتفجر وهي مادة مُتفجرة!

من الفحم المنزلي حتى تشغيل محطة توليد كهرباء 

ليس استخدام الجفت كوقودٍ أمراً جديداً أبداً، بل هو قديمٌ قديم.. ويكفينا أن نصغي للفلاح الفلسطيني وهو يقول: « حرصي على الجفت حرصي على الزيت» كي نستوعب مدى حرصه على الجفت الذي كان يستعين به على برد الشتاء و"المربعنية" للتدفئة أو حتى للطهي فيستخدمه كالفحمِ بعد تجفيفه، وهو أفضل عنده من الفحم التقليدي لأنه يبقى مشتعلاً لفترة أطول، وهو ما شاع في أوروبا وتحوّل إلى صناعة، حيث تصنع شركة OlioBric اليونانية الفحم من الجفت وتباع كل 3 كغم منه بحوالي 10 يورو في ألمانيا! 

وفي الضفة الغربية وقطاع غزة حيث معدل الانتاج السنوي من زيت الزيتون (خلال العقود الثلاثة الأخيرة) 16-18 ألف طن، ينتج عن عملية إنتاجه من الزيتون الخام نحو 80 ألف طن من الجفت والزيبار، فإن استخدام الجفت لا زال لم يصل إلى ما وصلته اوروبا مع أن هناك دراسات فلسطينية كثيرة حول الموضوع كدراسة د.مازن ابو عمرو حول آفاق استخدام الجفت كمصدر للطاقة يؤكد فيها أنه من الممكن انتاج حتى 1kWh من الطاقة الحرارية من كل 0.23 كغم من الجفت المجفف، وهذه يُمكن استخدامها في إنتاج البُخار الذي من شأنه أن يشغل التوربينة والتي بدورها يُمكن أن تشغل المولد الكهربائي.

وبعيداً عن الأبحاث النظريّة، توجد في مدينة جيان في إقليم أندلوسيا جنوب الاندلس محطة للطاقة تعمل بشكل أساسي بواسطة جفت الزيتون حيث يتم مُعالجة 100 الف طن من الجفت سنوياً، يُنتج عنها 126.144.000 kWh.

وخلاصة الكلام أنه بقدر ما لدينا من العُلماء والأبحاث في فلسطين اليوم، إلا اننا بحاجة إلى تحويل هذه الأفكار إلى مشاريع ذات جدوى اقتصادية وبيئية، كما لاحظنا في صناعة الفحم في اليونان ومحطات توليد الكهرباء بالجفت في اسبانيا، وإلا فلا فائدة حقيقية من كُل هذه المقالات والأبحاث، إن لم يتم دعمها وتنفيذها على أرض الواقع!

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير