"فارس آخر زمن" .. 38عاما على رحيل نجيب سرور

25.10.2016 03:09 PM

كتب محمود دوير:  “فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص”.. 38 عاما مرت على رحيل صاحب التراجيديا الإنسانية الشاعر والمخرج المسرحي نجيب سرور، وعلى الرغم من تلك السنوات، فإن نجيب لم يزل حاضرا، خاصة في أوقات المحن وسقوط الأقنعة، فنجد أنفسنا نستدعي هذا النموذج المتفرد سواء على المستوى الإبداعي أو حتى على مستوى سيرة حياته، فهو الفنان المتعدد، كاتب المسرح والشاعر والممثل، وهو الصعلوك البرجوازي الأنيق العشوائي، كل ذلك في آن واحد، وهو قبل ذلك وبعده كاشف العورات، والأجرأ في تاريخ الحركة الفنية والثقافية المصرية.

ولد نجيب سرور، في قرية أخطاب، التابعة لمحافظة الدقهلية عام 1932، ورحل بعد تعرضه لغيبوبة سكر خلال زيارته لمنزل شقيقه الأكبر ثروت سرور، في 24 أكتوبر 1976 عن عمر لم يتجاوز 46 عاما، قدم خلالها ما يزيد على 10 أعمال بين الشعر والمسرح، كما قام بإخراج عدد كبير من الأعمال المسرحية الهامة.

قد آن ياكيخوت للقلب الجريح

أن يستريح،

فاحفر هنا قبرا ونم

وانقش على الصخر الأصم :

” يا نابشا قبرى حنانك، ها هنا قلبٌ ينام،

لا فرق من عامٍ ينامُ وألف عام،

هذى العظام حصاد أيامي فرفقا بالعظام .

أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان

إن عد فرسان الزمان

لكن قلبي كان دوما قلب فارس

كره المنافق والجبان

مقدار ما عشق الحقيقة .

قولوا لـ”دولسين” الجميلة (1)

” أَخْطَابَ”.. قريتى الحبيبة :

” هو لم يمت بطلا ولكن مات كالفرسان بحثا عن بطولة

لم يلق في طول الطريق سوى اللصوص،

حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص.

فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص”

فى 1958 سافر نجيب ضمن بعثة حكومية إلى الاتحاد السوفييتي لدراسة الإخراج المسرحي بعد أن هجر دراسة الحقوق متجها إلى المسرح الذي افتتن به، وخلال وجوده في البعثة كان نجيب صوتا صارخا في موسكو ضد كل أشكال الاستبداد والديكتاتورية، ما عرّضه لمضايقات عديدة، ورغم ارتباطه بحركة “حدتو”، وهي أحد أهم التنظيمات الشيوعية في مصر، فإن ذلك لم يمنعه من نقد التجربة السوفيتية في عقر دارها، مما أدى إلى سحب البعثة منه، فترك موسكو إلى بودابست.

عاد سرور، إلى مصر بشكل دائم عقب مقال هام للناقد الراحل رجاء النقاش، طالب فيه بإنقاذ “نجيب” من حياة الضياع في دول أوربا الشرقية، وقد كان وجها مسرحيا معروفا، خاصة بعد إخراجه لرواية نجيب محفوظ “ميرامار” عام 1968، والتى عالجها مسرحيا وقدمت على مسرح الزمالك.

وفي عام 1965 قدم عملا مسرحيا من إخراج كرم مطاوع، بعنوان “ياسين وبهية” وهي رواية شعرية كتبها في بودابست واعتبرها الجزء الأول من ثلاثية ضمـَّت “آه يا ليل يا قمر”، المسرحية الشعرية التي كتبها عام 1966 وأخرجها جلال الشرقاوي عام 1967، و”قولوا لعين الشمس”، مسرحية نثرية في 3 فصول، كتبها عام 1972، وأخرجها توفيق علي عام 1973. ثم قدم مسرحية “يا بهية وخبريني” عام 1967 التى أخرجها كرم مطاوع، ثم “آلو يا مصر” كتبت في القاهرة عام 1968.

وكانت مسرحية ا”لذباب الأزرق” التي قدمها عام 1971، وتناولت ما وصفه بمذابح الملك حسين، ملك الأردن ضد الفلسطينين، مما دفع السلطات الأردنية إلى التدخل لوقف العرض وهذا ما حدث بالفعل.

وعن الشعر، فقد أصدر فى عام 1978 “بروتوكولات حكماء ريش” وهي عبارة عن أشعار ومشاهد مسرحية، و”رباعيات نجيب سرور” التي كان قد كتبها بين عامي 1974 و1975، وكذلك ديوان “الطوفان الكبير” وديوان “فارس آخر زمن” عام 1978 ولكنهما لم ينشرا حتى صدرت أعماله الكاملة في العام 1997.

“يا بني مصر التحيات لكم،

يابنينا..

وعليكم وعلى مر السلام

نحن موتاكم وللموتى كلام

أقسموا أن تذكروه

وأسألوا أبناءكم أن يذكروه

وانقشوه..

في ضمير الدهر من جيل لجيل

واحذروا النسيان فالنسيان موت..

كل ما يذكر يحيا

كل ما ينسى يموت

التحيات لكم

نحن جئنا من بعيد

نحن من طيبة جئنا

كيف جئنا؟ اسألوا عنا الجراح

واسألوا الأيدي التي ماتت ولم تلق السلاح

كيف خضنا الدهر هولا بعد هول

وبلونا الموت شبرا بعد شبر

وانتزعنا الخطو من قبر لقبر

من شهيد لشهيد

تحول نجيب سرور، إلى أيقونة للسخرية والتمرد على الواقع القبيح أينما كان وتحت أى ظرف، هذا الفنان الذي ناضل خلال عمره بالكلمة واشتبك وخاض معارك على كل الأصعدة، لم يهدأ أبدا رغم التشرد والفقر والضياع في أوقات كثيرة من عمره، إلا أنه ظل عنيدا إلى حد الجنون، صلبا إلى حد التهور.

ورغم قسوته على نفسه وعلى من حوله، وهي القسوة التي عبر عنها بعمله الأكثر انتشارا “ميات نجيب سرور”، ورغم رفض الوسط الثقافي لهذا العمل حينذاك فإنه يبقى تعبيرا عن حالة الانكسار والرفض التي سيطرت على الشاعر بسبب القمع الذي تعرض له بكل السبل وعلى أيدي الجميع.

البديل

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير