حرائق فلسطين المحتلة تكشف المستور

03.12.2016 10:07 PM

 كتبت: منار راسم يونس: هي ليست مجرد حرائق التهمت الأخضر واليابس، وعرّت الأرض والشجر وكشفت مساحات من الأرض كانت قبل الحرائق غابات خضراء متراصة ، بل كشفت أيضاً حجم المأساة على المستويين الفلسطيني والإسرائيلي.

فما إن اندلعت الحرائق وانتشرت انتشاراً مهولاً بات من الصعب السيطرة عليه، الأمر الذي دفع الجانب الإسرائيلي إلى مناشدة دول تركيا وقبرص وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية للتدخل على أمل السيطرة واحتواء الموقف، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو إلى التصريح بأنه لا يستبعد أن تكون الدوافع إرهابية وراء الحريق، وأنه سيتخذ اجراءات عقابية في حق المتورطين إذا ثبت أنّ الأمر كذلك، فيما عبر نفتالي بينت وزير التعليم الإسرائيلي المحسوب على اليمين المتطرف في تغريدة له على حسابه على موقع تويتر " أنه لا يستبعد أن يكون العرب أو الفلسطنيون وراء الحريق، وهو لا يستغرب ذلك فمن لا ينتمي لهذا البلد ويقصد بها اسرائيل يستطيعون حرقها".

تصريحات أقل ما توصف بالهزلية، وفي محاولة لإبعاد النظر عن ضعف اسرائيل في مواجهة الكوارث الطبيعية وقلة جهوزيتها، وهو ليس الحريق الأول بالمناسبة فقد سبق وأن شب حريق هائل في العام 2010 وهو ما عرف حينها " بحريق الكرمل" ظهر فيه وبشكل جليّ عجز دولة الاحتلال وعدم قدرتها على مواجهة الموقف. وعليه وفي ظل الصراع المحتدم وعلى مبدأ "نظرية المؤامرة" بدأت التحريضات من قبل المسؤولين وتوجيه الاتهام للفلسطسنين وتهييج الرأي العام الإسرائيلي، دون أن يكلف هذا الأخير نفسه عناء مواجهة الحقيقة في: أولاً احتمالية حدوث الكوراث الطبيعة خصوصاً أن البيئة مهيأة لذلك في ظل حالة الجفاف المسيطرة على المنطقة برمتها نتيجة انحباس الأمطار، وثانياً في مدى اهتمام الدولة وإنفاقها على أمور السلامة العامة وحشد الإمكانيات المادية والبشرية وتنفيذ تدريبات المحاكاة لأمور مشابهة تماماً كإنفاقها وحشدها على أمور التسليح وتنفيذها تدريبات المحاكاة لحماية الحدود والتصدي بل والاعتداء على المواطنين الفلسطنيين أينما حلّوا ووجدوا.

فلسطينياً تبدو المأساة أعمق وأكبر، فقد كشفت الحرائق عن مدى ضعف النظام التعليمي إذ كان واضحاً أن هناك نسبة لا يستهان بها تعتبر أنّ مدينة حيفا عروس الشمال هي مدينة اسرائيلية، وابتهج البعض بالحرائق واحتفل بها تحت عنوان" اسرائيل تحترق"، وفي محاولة البعض توضيح وتأكيد أنّ حيفا كانت  و مازالت مدينة فلسطينية محتلة تقع ضمن مناطق العام 1948 ذهب البعض للتأكيد حتى لو أنها كذلك فهي الآن مدينة اسرائيلية وعلينا أن نبتهج لاحتراقها، بل ولامتداد الحريق لمناطق أخرى، نعم إنها الطامة الكبرى، فما الذي فعلته المناهج الفلسطينية في حصص التربية الوطنية سابقاً، عن أي فلسطين كانت تتحدث، وما كان تعريفها وتعدادها للمدن الفلسطينية، هل اقتصر التعريف في حينها على مدن الضفة الغربية فقط؟!!!!، وما عداها ذهب أدراج الرياح. من الواضح أنّ المناهج لم تكلّف نفسها عناء الإشارة حتى إلى كون هذه المدن احتلت في العام 1948 وأجبر سكانها على الرحيل باستخدام أساليب الترويع والقتل، واستبدل سكانها الفلسطنيون بالمستوطنين القادمين من مختلف أصقاع الأرض.

أما عن الأحزاب السياسية ذات التوجهات والإيدولوجيات المختلفة فمن الواضح أيضاَ أنها لم تكن هي الأخرى ببعيدة عن هذه الطامة، فقد طرح التساؤل عن برامج التعبئة والتنظيم وما قدمته لأعضائها من توعية وتثقيف في الحقول السياسية والأهم التاريخية، فأين هي حقوقنا في الأرض التي نتحدث عنها، وأين هي فلسطين التاريخية التي نطالب باستعادتها؟ كيف لم تتناول هذه البرامج ولم تؤكد على أنّ فلسطين وحدة واحدة لا تقبل التجزئة وأننا مطالبون جميعاً بالحفاظ على كافة مكوناتها من شجر وطبيعة وآثار وسكان ووجود وتاريخ ... الخ؟.

الإشكالية الأخرى والتي جاءت على النقيض تماماً مما سبق، هي في اعتبار بعض المراقبين من العامة والنخب أنّ مشاركة الدفاع المدني الفلسطيني في إطفاء الحرائق هي  جزء من العمل النضالي للدفاع عن أراضينا المحتلة عام 1948، وفي ذلك تضليل واضح، فدخول عناصر الدفاع المدني لم يكن متاحاً إلا في ظلّ أوسلو وما أفرزته من اعتراف فلسطيني بأنّ حيفا وبقية المدن المحتلة هي جزء من دولة إسرائيل، وعليه لم تأت هذه المشاركة  إلا بعد أن عرضت السلطة الوطنية الفلسطينية استعدادها لذلك ووافقت عليه اسرائيل ولم تكلف هذه الأخيرة نفسها بعد ذلك توجيه الشكر كما فعلت مع بقية الدول التي تدخلت لإطفاء الحرائق.

دينياً لم تكن التفسيرات بأحسن حال، إذ تداول الكثيرون " نصر الله" لنا خصوصاً أن الحرائق جاءت في أعقاب قرار طرح في الكنسيت لمنع الآذان، وأنّ الله جلّ وعلا لم يهملهم وقتاً طويلاً، وأن مشيئته التي هي فوق كل شيء تحققت وعلت. لم يكلف الكثيرون أنفسهم عناء حتى التدقيق في تناقل هذه الأخبار دون إعادة قرائتها، نعم إنّ الله على كل شيء قدير، ولكن  الآيات القرآنية والقصص الدينية لم تتناول نصراً لم يكلف فيه المظلومين أنفسهم عناء الدفاع عن حقوقهم، لأن الله جلّ وعلا جعل الجزاء من جنس العمل، فهو الذي نصر المؤمنين والمظلومين على مر التاريخ بعد أن أخذوا بالأسباب وبعد أن قاموا بمواجهة الظالم، لم يمنح في يوم من الأيام نصراً مجانياً لمجرد الدعاء، بل منح مكانةً أفضل لكل الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة ومع ذلك قاموا بمواجهة الظلاّم ووقفوا في طريقهم واستمروا في نضالهم إلى أن نالوا حقوقهم وعن جدارة.  إنها طامة التفسير الديني للأمور القائم على الضعف والعجز البشريين، وليس الضعف والعجز أمام قدرة الله، إنها ثقافة التواكل لا الاتكال، ثقافة الدعاء بدون الأخذ بالأسباب.

نعم لقد كشفت هذه الحرائق المستور، وبات من الصعب أن نتغاضى عن الحقائق التي أفرزتها ألسنة اللهب المتطايرة، فإن لم نتعامل معها بجدية واهتمام وإن لم نعالج الخلل الحاصل  فلا شك أنّ حرائق من نوع آخر ستلتهمنا وستكون حينها أشدّ فتكاً من حرائق الطبيعة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير