عين الحلوة: امن بالتراضي ام تفجيرات تصدرها غرف عمليات المربعات الامنية؟

31.12.2016 12:45 PM

رام الله - وطن:  شكل العام 2016 الذي يلملم ساعاته الاخيرة، عاما دمويا على اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في مخيم عين الحلوة، جراء حصاد دموي حفل بمسلسل طويل من الاحداث الامنية وعمليات الاغتيال والاشتباكات وحرب القنابل اليدوية، وهو مسلسل حصد عشرات القتلى والجرحى.

ويطوي الفلسطينيون في المخيم عاما، ليستقبلوا عاما محملا بارث ثقيل من الدم المسفوك في شوارع المخيم.

ولعل آخر هذه الفصول كانت قبل ثلاثة ايام، بعملية اغتيال جرت في وضح النهار، سبقتها عملية اغتيال مزدوجة قبل عشرة ايام... ليبقى المخيم على موعد من جولات جديدة من الموت العبثي... ولعل اخطر ما اتسم به مخيم عين الحلوة، انه بات مهددا بحروب علنية تترجم باشتباكات تدور في احيائه، وبحروب سرية، كتلك التي يخطط لها في الغرف السرية وتترجم بعمليات اغتيال وتصفية، وبالتالي فان ابقاء «عاصمة» الشتات الفلسطسيني في لبنان، على حالة التوتير الامني الذي تحضر فيه الجماعات الاسلامية الارهابية المتناغمة مع التنظيمات الارهابية التي تقاتل في سوريا، وفي مقدمها تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة».

ساحة متفجرة... الى الاعوام المقبلة؟ 

كل المؤشرات التي تحملها الاحداث المختلفة التي تجري في مخيم عين الحلوة، وبصورة دورية، تؤكد على ان الاجندة الوافدة من الخارج، غنية بـ «بنك اهداف» من شأنه ان يزعزع الامن داخل المخيم وفي جواره، وهو ما تنبه منه مختلف الجهات الامنية اللبنانية والفلسطينية، في ضوء ما كشفت عنه التحقيقات التي جرت مع كبار الارهابيين الذين اوقفوا لدى الجيش اللبناني، ومنهم عدد كبير من الارهابيين الذين حوَّلوا المربعات الامنية التي اقاموها داخل عدد من احياء المخيم الى غرف عمليات، تتابع، تواكب، ترصد، تخطط، تفتي وتقتل، مستفيدة من عدم جهوزية الساحة الفلسطينية لخوض معركة الحسم مع هذه الجماعات، تحت شعارات «حقن الدماء» و«تفويت الفرصة على المصطادين بالماء العكر»، و«عدم الانجرار الى الفتنة» وما الى ذلك من شعارات لم تقدم خطوة واحدة باتجاه ايجاد الحل الناجح، لضمان الامن وصون حياة سكانه، ولعل الهدف الدسم الذي يسعى اليه الساعون، استدراج اكبر التنظيمات قوة داخل المخيم، حركة «فتح» و«عصبة الانصار الاسلامية»، وهذا ما برز في الحادث ما قبل الاخير الذي سجل قبل ايام، حين اغتيل فلسطينيان، قالت العصبة ان احدهما ينتمي اليها.

لكن ما لن يستطيع الجانب اللبناني تحمله، هو التفجيرات الامنية التي تنعكس مباشرة على الواقع الحياتي في صيدا وجوارها، خاصة وان هناك شعورا عاما، بان الدولة واجهزتها الامنية قد انهت ملفات امنية معقدة في مناطق لبنانية، كـ «محاور» جبل محسن ـ باب التبانة، ولاحقت شبكات ارهابية على امتداد الاراضي اللبناني، ونجحت في اجتثاث حالة الشيخ احمد الاسير، بعد معركة عسكرية حسم الجيش اللبناني الوضع وانهى المربع الامني في عبرا  واوقف العشرات من مناصري الاسير وفضل شاكر، ونفذ الجيش عمليات امنية موصوفة ومتقنة، اثمرت عن صيد ثمين تمثل بتوقيف رموز ارهابية موصوفة في تورطها في عمليات ارهابية استهدفت الجيش اللبناني ومناطق سكنية ومقرات دبلوماسية.

تسميات متعددة... في اجندة واحدة 

في كل مرة كان يقول فيها القياديون الفلسطينيون،  ان لا قدرة للمخيم ولسكانه على تحمل عبء وجود جماعات ومجموعات متورطة في احداث امنية  وملاحقة من قبل الجيش اللبناني والقضاء، كانت احياء المخيم تعج بالمجموعات الارهابية الوافدة من الخارج والمتنامية في الداخل، عبر «امراء» خرجوا من مساجد المخيم، وبقيت الفصائل الفلسطينية عاجزة عن وضع حد لها، بل اصبحت هذه الفصائل في موقع الخائف على وجودها ومصيرها، انطلاقا من شعور ساد هؤلاء، بان هذه الجماعات باتت منافسا حقيقيا لاكبر التنظيمات الفلسطينية، حيث خاضت الجماعات الاسلامية اشتباكات ومعارك مسلحة في عدد من الاحياء، انتهت بوقف للنار، وتمركز لكل طرف في معقله، ما فرض امرا واقعا على المخيم، يتمتع ضمنيا بغطاء لوجوده..حتى قطَّعت المربعات الامنية اوصال المخيم .

مع كل مرحلة امنية يعيشها المخيم، ومنذ اواسط تسعينيات القرن الماضي، يتعرف سكان المخيم وفصائله وتنظيماته، اسماء جديدة لجماعات تُغلِّف وجودها بلافتة اسلامية، فمن «مجموعات الضنية» و«مجموعة طرابلس» الوافدة من شمال لبنان، بعد معارك واستهدافات امنية نفذتها ضد مراكز الجيش اللبناني وضباطه وجنوده، الى المجموعات العسكرية التابعة للشيخ احمد الاسير.. الهاربة من معركة عبرا في حزيران الماضي 2013، الى اتباع فضل شاكر الذين لجأوا الى المخيم مع انصار الاسير، علما ان تنظيمات وجماعات كانت قائمة داخل المخيم، وتضم فلسطينيين من المخيم، وانضم اليها لبنانيون مطلوبين للقضاء على خلفية تورطهم في عمليات ارهابية، كـ «فتح الاسلام « و«جند الشام» و«الشباب المسلم»، اضافة الى تنظيم «كتائب عبد الله عزام» وهو التنظيم الذي تخصص باستهداف قوات الامم المتحدة العاملة في جنوب لبنان «أليونيفيل»، فضلا عن عمليات اطلاق صواريخ مشبوهة، اطلقت من مناطق حدودية في الجنوب نحو فلسطين المحتلة، بهدف «توريط» «حزب الله» في رد اسرائيلي على الصواريخ، وكلها تنظيمات تتغير هيكليتها وتكوينها وحتى اسمها، وفقا للتعليمات الوافدة من الخارج، وقد برزت مؤشرات عديدة عن علاقات وثيقة اقيمت بين هذه المجموعات والتنظيمات الارهابية التي تقاتل في سوريا والعراق، وبخاصة «داعش» و«جبهة النصرة».

ارهابيون متعددو الجنسية في المخيم 

لجأ الى مخيم عين الحلوة، على مدى السنوات الخمس الماضية، العشرات من الارهابيين الفارين من الملاحقات التي كان يجريها الجيش اللبناني والاجهزة الامنية اللبنانية الاخرى، على خلفية تورطهم بعمليات ارهابية، وارتباطهم بتنظيمات «القاعدة» و«فتح الاسلام» و«جبهة النصرة»، ومن هؤلاء عدد من الخليجيين والمصريين  ممن تولى مسؤوليات قيادية في هذه التنظيمات التي اعتمدت على بناء الشبكات الصغيرة المنفصلة بعضها عن بعض، لضمان نجاح عملياتها وابعادها عن عيون الاجهزة الامنية التي تلاحقها، وبالفعل، فقد تمكن الجيش اللبناني والامن العام اللبناني من القاء القبض على العديد من الشبكات الارهابية العاملة على الاراضي اللبنانية، بينت التحقيقات انها مكونة من مجموعات صغيرة تتناغم وتنسق في عملياتها، من دون ان تكون مكشوفة على بعضها، وهذا يقف حائلا دون كشف مجموع الشبكات.

وسط هذه الاجواء، تميز العام 2016، بدور رائد للجيش اللبناني الذي نجح في تسديد ضربات موجعة للتنظيمات الارهابية المنتشرة على امتداد الاراضي اللبنانية، وعمليات استباقية من جرود عرسال الى زواريب مخيم عين الحلوة، وبالفعل، قامت مخابرات الجيش اللبناني، بتوجيه ضربات نوعية ضد بعض رموز هذه التنظيمات، في عمليات امنية مركبة ومموهة، ولعل من ابرزها العملية التي استهدفت امير تنظيم «فتح الاسلام»، والارهابي نعيم عباس والعملية النوعية الجريئة التي قام بها فرقة كومندوس من مخابرات الجيش، تسللت بزيها وبسلاحها الى داخل المعقل الاساسي للتنظيمات الارهابية في ما يعرف بـ «مخيم الطوارىء»، المتاخم لمراكز الجيش اللبناني عند الطرف الشمالي للمخيم، وقد تم اقتياد امير تنظيم «داعش» عماد ياسين المطلوب بمذكرات قضائية لتورطها في عمليات الارهابية على مدى اكثر من عشر سنوات.

...مخيم عين الحلوة، وفي ضوء التراجع المريع الذي سجل في صفوف الفصائل الفلسطينية الاساسية، يدخل العام 2017، في ظل تنامي الجماعات الارهابية المتطرفة .. تحول بعض احيائه الى امارات اسلامية، يقدم سلوكها على انها صاحبة القرار في الامن... وفي التفجير.

الديار

تصميم وتطوير