كطعمِ الشوك والحنظل

01.01.2017 10:44 PM

كتب:وائل محيي الدين

على رصيف الوعد ، بانتظار عامٍ نأمل ألا يكون مخضّبا بالحزن والمآسي والدماء ، فهل ثمّة محبّةٌ في أيامك القابلة ، وسعادةٌ وحريةٌ تزاحمان الموت وتنتصران للعدالة والإنسان ؟!

خمسون عاماً والأسئلةُ على شفاهنا ، وفي عيوننا تختبئ الأماني ، نتعاطاها خلسةً كي لا ترصدنا يدُ النظام القاسية فتتلقفنا السجون والمنافي ، أو تُشرع لنا المقابر أبوابها

حتى جاء الربيع فأزهرت من جديد أحلامنا ، وملأنا المدى صراخا في وجوه الطغاة ليرحلوا ... بكينا من شدة الفرح ، وعادت لأرواحنا الحياة بعدما تركتها بلا معنى

 رسمنا (محمد بوعزيزة ) وشماً لا يزول ،  وحفظناه عن ظَهْر ثورة ، وطُفنا الشوارع مهللين وفاتحين ... يا إلهي كم كنا فرحين ونحن نذرعُ الطرقات هاتفين : فليرحل الطغاة ... فليرحل المجرمون.

ألقينا في رحل الربيع أحلامنا ... آلامنا ...أوجاعنا... ووصايا الراحلين بلا وداع ! فأرخى لنا الربيعُ المطايا وسرنا لحتفنا باسمين !

لكن الأماني تداخلت مع المطامع ، وعبثت بها يدُ الغزاة ، فتحايلوا علينا لنستبدل طاغية بآخر ، ونستبدل نظامًا مجرمًا بأمراء حروبٍ تتقاذفهم مصالح الكبار ومشاريعهم ، وصارت بيوتنا وأشلاؤنا وقودا للمعارك ، وصار التيه قِبلتنا والضياع !

أي ربيع هذا الذي يهلك الحرث والنسل ويتركنا على قارعة الخريف عراة بلا أغطية؟

في خريف الأمة كانت تحكمنا عصابةٌ حزبية أو عائليةٌ ، وفي الربيع تسلطت على رقابنا عصاباتٌ تقتلنا باسم الدين تارة وبسيف الولاءات  تاراتٍ أُخَر!

قبل الربيع كنا نعرف لماذا نُقتل أو تُصادر حرياتنا... كنا نعرف خصمنا فنجابهه أو نحاذره ،بعد الربيع لم نعد نعرف صديقاً من عدو ، ولا ثائراً من مرتزق ، ولا مأجورًا من طالب حق،لم نعد على يقين متى ستجزُّ السيوف أعناقنا ، ولا متى ستسحقنا يد النظام أو بدائله من العصابات.

خمسون عاما ونحن نمضي حفاةً على الصفيح ... نطوي على الآمال قلوبا مكلومةً ونواصل ، ونعضّ على الجراح ونمضي... نفتش عن ربيع العمر عسانا نلقاه ويلقانا
لكننا بعد خمسين عاما ها نحن إلى المجهول تسير مراكبنا ونغرق في الضياع !

موقنون بأنا إلى الموت نمضي ،  لكننا نجهل القاتل والأداة ، ففي زمن الربيع العربي يزهر الموت في دمنا ،  وتمطرنا السماء بالقذائف ، ويمطرنا المموّلون بالفناء !

 ها نحن نصرخ في كل عاصمة قَذَفَنا البحرُ إلى شواطئها : أدركنا أيها الموت ، فلا مُتّسع لنا في هذا الكون ، ولا مكان لنا في زحمة الكون الملبّد بالوحوش .

 أيتها الحياة ، اشتقنا للموت بلا تنكيل... اشتقنا لمِيتةٍ طبيعيةٍ لا تتوزع فيها أشلاؤنا على فم الشظايا ، ولا تتداولنا الفضائيات قصصاً وحكايا .

أيتها الحياة ، اشتقنا للموت فاعتقينا لوجه الله لنستريح

 لم يعد ثمة آمالٌ كبرى ، فلقد كنا في السابق جوعى للحرية ، أما اليوم فقد صرنا جوعى لكل شيء... للحرية ...للخبز...للمسكن ... لكيس دقيق لا ندفع لأجله أرواحنا !
صرنا جوعى لكل شيء حتى لو كان الشيء موتاً نظيفا من غير رزايا وصارت بناتنا جلّ همهنّ ألا يقعن ضحايا اغتصابٍ أو سبي ، وطفولتنا صارت مفخخةً ، وحياتنا قنابل .

يا إلهي كم هي موجعةٌ تلك السنوات الماضية ، وكم عادت بنا المآسي ألف عامٍ للحضيض ، فلا نحن بقينا أخوةً معذبين ، ولا نحن صرنا أحراراً متقاتلين ، لا الدمُ معصوماً ، ولا أعراضنا مصانة ، ولا الطغاة رحلوا ، ولا ظللنا في بيوتنا قانعين

خسرنا كل شيء ولم نكسب غير الضياع ، وفضائياتٍ ظلّت تتاجر بأوجاعنا ، ونمدها بالجراح عن طيب جهلٍ ونواصل !

أيها العام القادم ، ألقِ عصاك لعلها تلقفُ ما يأفكُ الطغاةُ والمجرمون .

ومهّد لنا أيامك كتفاً لنستريح من زمنٍ أرهقنا وأذاقنا السوء والعلقم .

تصميم وتطوير