أموال اهدرتموها ستحاسبون عليها .. فماذا عن الدماء

06.01.2017 05:31 PM

كتب سامر عنبتاوي: في الصراعات الاقليمية و السياسات الدولية، اما ان تلعب دورا رئيسيا او ثانويا ، او مجرد بديل (كومبارس) تجيد لعب الدور دون ان تفهم الحبكة في الرواية او دون الدراية بالخاتمة او نهاية الرواية ، و ينطبق هذا الامر على ما عصف بالمنطقة و ذروتها سوريا فهناك لاعبان اساسيان اجتازا المراحل نحو الاهداف و ازاحا لاعبين اساسيين ، اما الممثلين الثانويين و البدائل فبذلوا كل الجهد و حملوا سلاحا اكبر منهم و استنزفوا المال و العتاد ,,, دون ان يحققوا اي نتائج او تأثير في خاتمة الاحداث و نهاية الطريق .

بلغة ابسط و كلمات ادق فان الموت و الدمار و التخريب في سوريا قد مول باموال عربية خليجية و على رأسها السعودية و قطر فشاركوا بلعب الادوار و تخيلوا لوهلة انهم الممثلين الاساسيين في الاحداث و النتائج فبنوا سياساتهم على اساس فوز جماعاتهم الممولة و المسلحة و كسب الحرب و القضاء على النظام السوري و استعانوا بتوافق المصالح مع تركيا و حاولوا تجميع حلف في مواجهة النظام السوري و حلفائه، و تناغم هذا التوجه مع توجهات اخرى في القوى و الجماعات و على رأسها حركة الاخوان المسلمين التي استذكرت تاريخا دمويا مع النظام السوري باحداث حماة و العداء التاريخي فوجدوها فرصة لتصفية الحسابات ,, و حتى ان بعض القوى اليسارية ايضا و تحت شعارات الديمقراطية و حرية الشعوب ايضا تساوقت مع الطرح، و لكن نسي الجميع انهم يمثلون دورا ثانويا في المعادلة في مقابل قوة رئيسية دولية و هي روسيا و دولة اقليمية قوية ايضا هي ايران، و هذا الحلف ترك الخصم الاكبر ( الامريكي ) يحاول اللعب المستمر حتى اثبت فشلا استراتيجيا فاضحا فدخلت روسيا و ايران بقوة و استطاعتا بحنكة كبيرة و ربما ساعدت الاحداث بما فيها الانقلاب الفاشل و التورط الفعلي لتركيا، كل ذلك مهد لانسلاخ تدريجي لتركيا عن اطروحات بداية المواجهات في سوريا .

لا يستطيع احد ان يقول ان توجهات هذه الدول و اهتمامها الشديد بقلب الاوضاع في سوريا دافعه الحرص على الديمقراطية و حرية الشعب السوري و ان رفعت هذه الشعارات _ ففاقد الشيء لا يعطيه - اين مدارس الديمقراطية و الحريات في هذه الدول او الحركات حتى يصدروها للشعب السوري ؟؟

ان الحروب الطاحنة التي دمرت عدة بلدان عربية كانت حروبا عبثية و ليست بحثا عن الديموفراطية و لا بناء حريات و حياة افضل، صحيح ان شعوبنا تواقة للحرية و العدالة و الحق في التعبير و الديموقراطية ،، و صحيح ان غالبية الانظمة العربية تنتهج الدكتاتورية و الانظمة الشمولية و البوليسية احيانا و لكن لم تكن ظروف و لا ادوات التغيير ناضجة و لم تكن الحراكات قد اعدت القواعد المجتمعية و لا القدرات التنظيمية القادرة على التغيير ،  وبصراحة اكثر لم تكن مباديء الديموقراطية و الحرية راسخة في المفاهيم الشعبية و الحزبية و المؤسساتية، لذلك فقد دخل على الحراكات الشعبية و بداياتها المغرضون و المستفيدون و تنامت التوجهات الانتقامية و تصفيات الحسابات على حساب الشعوب و مصالحهم و مقدراتهم، ولذلك انفقت الاموال و بسخاء منقطع النظير و دعمت المجموعات المسلحة بالمال و العتاد و سهلت طرق العبور للافراد من شتى انحاء العالم، و استغلت العاطفة الدينية و استدعي امهر العازفين على اوتار الطائفية، فتحولت البلاد الى ساحة من الفوضى العارمة تضم عشرات الحركات و المنظمات باسماء مختلفة و لكن التحريك و التوجيه بقي بايدي من بدا بعملية العبث الاقليمي حماية لمصالحه و نزواته .

اطيح ببعض الانظمة و تركت البلاد في حالات من الفوضى و الدمار، فوضى السلاح و التنظيم ففقدت الدول مكوناتها و لعل ابرز الامثلة ما يحصل في ليبيا و اليمن، اما التركيز الاكبر فقد توجه الى الساحة الاكثر استعصاءا و تعقيدا سوريا فاسرف بالضخ المالي و البشري و السلاح و التغطية الاعلامية المسعورة و على كافة الجبهات، و الهدف المعلن اسقاط النظام و تحرير الشعب من الظلم و انعتاقه نحو الحرية ،،، فسقط اكثر من نصف مليون ضحية و هجر الملايين و دمرت المدن و الممتلكات و الاماكن التاريخية ،، و تراجع الاقتصاد و بدات البلاد في التحول نحو الفشل، و انغمس بهذه المجازر دول اقليمية تورطت حتى الاذنين،فاستنزفت اموالها و جهودها السياسية في استثمار فاشل اضاع ثرواتهم و اضاع البلاد ، و لو استعملت هذه الاموال في بناء المجتمعات العربية او وجهت لدعم فلسطين و صمود القدس لكانت علامة فارقة في التاريخ ، و لكن اموالا هم مؤتمنين عليها تم اهدارها لتحطيم دول و شعوب المنطقة ، نعم لقد قتلنا انفسنا و دمرنا بلادنا باموالنا ،، لقد اهدرت الاموال و في النهاية و على اهميتها فهي اموال فماذا عن ارواح و دماء الملايين ؟؟! انها دماء مرهونة برقاب من خاض المغامرات على حساب الشعوب، ان دماء الاطفال و النساء و الابرياء ما بعد (الربيع العربي ) يحملها من خطط و دعم و مول و حرك ، و في النهاية يجتمع اللاعبون الاساسيون و يقررون المصير فتتراجع تركيا عن مخططاتها و احلامها و تقبل ايران بواقعية الحلول و يقود الروس الاوركسترا في لحن النهاية، اما (البدائل او الكومبارس)فيفقدون اموال و مقدرات شعوبهم بل يجازفون بمراكزهم ،،، و يتاجرون بدماء شعوب المنطقة .

ان ارتدادات الإرهاب و التكوين الطائفي و الدموي لا تعرف الحدود فتتخطاها و ترتد و تعود ان تركيا اليوم تعاني هذه الارتدادات العنيفة  و قد قلتها مرارا  - لا يمكن ان تحرق نصف الغابة و تأمر النار بالبقاء عند حدودك فستشتد و تندلع بين ظهرانيك - و لذلك فان انتشار الإرهاب في تركيا - الامر الذي لا نتمناه - لو استفحل فسيعود بالدمار الأكبر على كل المنطقة ,, لذلك فهناك قرار تاريخي يتبلور بل يجب ان يتبلور و يعترف من احضر الدب الى الكرم بالمسؤولية و يبدأ بتعديل المسار ,,, و ما دفع في المنطقة من دمار و أموال و أرواح يتحمل مسؤوليتها الكثير ,, و يتحمل الجميع عبء انهائها .

ستنتهي يوما ما فصول المسرحية الميلودرامية ،، و ستحاسب شعوب المنطقة من اهدر المال و الدماء ،، و ستعيش الشعوب لحظات الحرية الحقيقية و ستعود الامة الى رشدها و تعيد توجيه البوصلة الى العدو المشترك ،، و سيكتب التاريخ ان هناك حكاما غامروا بمصير شعوبهم فلفظوهم .
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير