عدنان رمضان يكتب لوطن .. انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني سيناريوهات متعددة

07.01.2017 03:39 PM

 رام الله : تسير التحضيرات لعقد الدورة الثانية والعشرون للمجلس الوطني الفلسطيني  على قدم وساق حيث استجابت معظم القوى الفلسطينية للدعوة التي وجهها  رئيس المجلس السيد سليم الزعنون  للاجتماعات التحضيرية المنوي عقدها  يومي الثلاثاء والاربعاء القادمين في  السفارة الفلسطينية في بيروت  كجزء من المشاورات التي تجريها اللجنة التحضيرية  استنادا إلى قرار اصدرته مؤخرا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية  في نهاية  العام  المنصرم

المجلس الوطني الفلسطيني هو نظريا اعلى سلطة تمثيلية وتشريعية للشعب الفلسطيني  والمرجعية العليا  لمنظمة التحرير الفلسطينية  وهيئاتها القيادية وبرنامجها السياسي ، هذا على المستوى النظري ، اما من ناحية عملية  فالامر يحتمل العديد من التساؤلات االكثيرة والمشروعة   شيخوخة  وهزال هذه البنية  وحول مدى شمولية تمثيل المجلس  الوطني  بصيغه الحالية  للشعب الفلسطيني ، وكذلك تركيبته وكونه مرجعية الهيئات والسياسة الفلسطينية ، بالاضافة إلى الكثير من الامور المتعلقة بسباته العميق  وتهميش دوره وتحوله إلى اداة  لخدمة سياسات السلطة الفلسطينية والى دائرة  تعتمد على تمويل  هذه السلطة .

كان من الواضح  بعد الانتهاء من اعمال مؤتمر فتح السابع  ان الرئاسة  الفلسطينة  و التي  عقدت  هذا المؤتمر  الخاص بحركة فتح  ان تعمل  إلى اعادة بناء منظمة التحرير  الفلسطينية  في اطار  نفس التوجهات  ومن اجل  ترسيخ  الحالة الراهنة    ايضا  بصيغ  وبرداء وطني يتجاوز  الفصيل إلى تعددية وطنية  وفصائلية   لا تتعامل مع  هذه  المؤتمرات   كمحطات  للمراجعة  بمقدار  ما  هي  اليات  تكريس منظومة السلطة  ، ومن الواضح ايضا ان هذا الجهد لا ينفصل عن  المسلسل  المستمر  في جهود المصالحة التي  التي تنتقل  من عاصمة إلى اخرى ومن راعي  إلى راعي جديد  وهي جهود اقل ما يقال فيها انها " خض الميه تبقى ميه ".

مع ذلك فانه وبالاستناد إلى الاستجابة شبه الكاملة  للدعوة  لهذا الاجتماع  والنابعة من ممارسة المناورات السياسية المعتادة ومحاولات  الاطراف السياسية الفلسطينية تسويق نفسها على انها تتحمس لاية جهود وطنية لاعادة الاعتبار للقضية وللممارسات الديمقراطية وانها ن تكون باي شكل من الاشكال عائق امام جهود المصالحة والتوحد .

امام هذه الدعوة وهذه الاجتماعات المقترحة والمخطط لها نجد انفسنا امام مجموعة تحديات على اصحاب هذه الدعوة التعامل معها وامام سيناريوهات مختلفة ومتوقعة لهذه الجهود .

بعض التحديات يمكن التغلب عليها  مثل مكان انعقاد المجلس  حيث ان الدعوة لعقد المجلس في رام الله  قوبلت برفض وتحفظ العديد من القوى  لاسباب  عديدة  ،الا ان هذه الاشكالية   من السهل التغلب عليها وتجاوزها من خلال التوصل إلى عقده  في رام الله  واعطاء الفرصة لمن يريد المشاركة من غزة او الشتات من خلال تقنيات  الفيديو كونفرنس  ،  والتحدي الكبير الاخر هو التحدي المرتبط بالتركيبة وعضوية المجلس وهي قضية كانت مثار خلاف حتى في ظل التوافقات الوطنية السابقة وبقيت  طريقة تقسيم المقاعد بين الفصائل وخاصة الكبرى محل  خلاف  ومن الصعب الاعتقاد انه سيتم تجاوز هذها التحدي  بسهولة  خصوصا انه وبالاستناد إلى طبيعة التركيبة ستكون المخرجات السياسية  وهي التحدي الاخير  حيث ان الذهاب إلى عقد  مجلس وطني بعد اكثر من عشرين عاما على اخر انعقاد له خصوصا في ظل حالة الانقسام الفلسطيني  والظروف والتحولات العربية والعالمية لن  يكون  امرا سهلا  وهينا .

فما هي السيناريوهات المتوقعة  لهذه الجهود والتي تاتي في ظل انحسار للفعل الشعبي  الفلسطيني الجماعي  وتراجع الحراك السياسي  الحقيقي القادر على تشكيل حالة فارقة تفرض نفسها  وتمنع تجاوزها من متخذي القرار الفلسطيني

السيناريو الاول هو سيناريو ا  عقد المجلس في ظل توافق وطني عام مستند إلى اتفاق القاهرة الذي وقعت عليه غالبية القوى الفلسطينية ومشروع الهيئة القيادية الجماعية للشعب الفلسطيني  والبرنامج السياسي الذي يشكل الحد الادنى المجمع عليه فلسطينيا  والذي يحتاج  للمجلس الوطني الفلسطيني  كمدخل لاعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية  حركة تحرر وللمشروع الفلسطيني الكفاحي  واعادة بناء الهياكل الفلسطينية  السياسية الممثلة لاوسع  قطاعات من شعبنا وايضا كمدخل لترميم  علاقات الثقة بين الشعب وقواه السياسية التي تعرضت لهزات وزلازل  كبرى في العقدين الاخيرين.

هذا السيناريو من الصعب تحقيقه وتحول  دونه  اتفاقات اوسلو وما تمخض عنها وكذلك العديد من العوامل الداخلية مثل حالة الاستقطاب الثنائي و تنامي المصالح المرتبطة بالانقسام والتجزئة التي  يعيشها شعبنا والناتجة عن طريقة عمل  البنية السياسية القيادية لهذا الشعب واضعاف دور الجمهور الفلسطيني  وغياب الضغط الشعبي  الفعال وغيره العديد من العوامل الذاتية وتلاقيها مع اجندات وعوامل اقليمية وعالمية تملك تاثيرا  كبيرا ولا يستهان به بالرغم من كل تصريحات "القرار السياسي المستقل" على الحالة الفلسطينية  وهذه القوى معنية اكثر باستمرا ر حالة الانقسام لمصالحها ولاجنداتها المتعارضة التي لا تتصل بحقوق وقضايا الشعب الفلسطيني بصلة .

السيناريو الثاني هو سيناريو عقد المجلس في ظل توافق فتحاوي حمساوي او سيناريو " الاقتسام " وهو السيناريو الذي  حذرت منه العديد من القوى الفلسطينية التى عبرت عن تخوفاتها من تحويل الجلسات التحضيرية  للمجلس إلى ترتيبات  تنظم عملية  الانقسام وتقاسم السلطة  والمصادر وخاصة المالية بين الضفة وغزة ومنبع هذا التصور  ياتي من تاريخ طويل من جلسات حوار  متواصلة  بين طرفي الانقسام  كانت  في كثير من جوانبها تركز على  المحاصصة وتحويل الحوار الوطني إلى مفاوضات ثنائية مرتكزة  على تعظيم مكاسب  كل طرف بمعزل عن الاثار السلبية على القضية الفلسطينية،  وفي ظل هذا السيناريو فانه من الطبيعي  ان تتراجع  القضايا الجوهرية والصميمية للقضية الفلسطينية  وفيه سيعمل  فريق  الرئاسة  على  محاولة تقريب  حماس من البرنامج السياسي التقليدي  للمنظمة الا  انه  ايضا من  المرجح  ان يتم  وفقا  لهذا  السيناريو  وان لا يشكل  البرنامج السياسي قضية اساسية في هذا المؤتمر بل  ان يتم تغليب  الصيغ فضفاضة  وحمالة الاوجه    لتكمن  كل  طرف من  الاستمرار   بنفس الاداء السياسي الحالي  لكن تحت مظلة  شكلية  من  التوحد ،    وهذا السيناريو  يستمد قوته من  الحالة الموجودة على ارض الواقع ومن وجود مصالح  مشتركة للطرفين  في ايجاد حالة شكلية وغير حقيقية من التوحد الفلسطيني على شاكلة " الفدرالية "  ولكنه لا يلغي اي من المشروعين الفئويين لصالح مشروع وطني جامع

السيناريو الثالث وهو  السيناريو  المرجح  حسبما  اعتقد  وهو ان  يتم  عقد المجلس الوطني بمن يحضر وبالتركيبة شبه التقليدية لمنظمة التحرير الفلسطينية  في مدينة رام الله  مع  اتاحة الفرصة لمشاركات   شكلية   من الخارج   وان يتم  اعتماد  نفس المنهج و نفس الطريقة التي تمت بها  التحضيرات لمؤتمر فتح   من حيث العمل  المسبق  على تحديد مخرجات  هذا  المؤتمر عبر تحديد المشاركين وانتماءاتهم ومرجعياتهم ومحاولة اظهار التمثيل الشمولي للقطاعات والفئات والفصائل الفلسطينية مع ضمان الا يكونوا  باي شكل من الاشكال عائق جدي امام  تمرير ما تم اخراجه في مؤتمر فتح السابع والمتمثل   بالحفاظ على منجز الدولة  والكفاح الدبلوماسي  والمفاوضات  كخيار استراتيجي  و  المقاومة الشعبية ومقاطعة المستوطنات كاساليب كفاحية بطريقة   لا تهدد مشروع السلطة ومنظوماتها  بل تضمن استمرارها في المدى المنظور   وتعززها بمرجعية  وطنية، وفي  هذا  السيناريو  يتم التاكيد على حقيقة تحول منظمة التحرير الفلسطينية إلى اداة ودائرة  من دوائر سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني،  ويتضمن هذا السيناريو تحدي جدي لقوى اليسار الفلسطيني  حيث سيكون  لحظة فارقة في علاقة هذه الفصائل ببنية ومنظومة اوسلو  ، فاما الافتراق والبحث  عن  صيغ معارضة جديدة   او الاندماج النهائي  في هذه المنظومة  .

ان الحديث الدبلوماسي عن اهمية هذه الاجتماعات التشاورية واهمية  عقد المجلس الوطني الفلسطيني  قد يناسب بعض القوى الفلسطينية  لكنه ولبعض القطاعات  الفلسطينية  اصبح حديثا ممجوجا  ولا يعلق عليه الفلسطينيون  امال جدية،  خاصة في ظل هذه التغيرات الكبرى   على المستوى  العالمي  والتي  تعصف ايضا بالمنطقة  على كافة المستويات  وكذلك  التحديات الهائلة التي تعصف بالقضية الفلسطينية  وتهدد الحقوق والوجود الفلسطيني وتنامي فاشية وعنصرية وتغول "اسرائيل" غير المسبوق على شعبنا ،  الا ان الفلسطينيون وخاصة القيادة السياسية تستمر في تزيين الحالة والوضع العام و المبالغة والتغني بانجازات محدودة  قد تكون تحققت بفعل محاولة بعض الفاعلين الدوليين اعادة بناء علاقات التحالف مع الكيان الصهيوني بطريقة تضمن استمراره لفترة اطول واستمرار قدرتها على المناورة  لمزيد من النفوذ في المنطقة  ولا تؤشر بشكل جدي إلى تحولات  حقيقية في موقف هذه الدول الاستعمارية من حقوق وقضايا شعبنا  .

ان بناء برلمان فلسطيني ممثل لكافة ابناء شعبنا في فلسطين وخارجها عبر الانتخاب المباشر او عبر المؤتمرات الشعبية و الوطنية  المختلفة  او بصيغ اخرى في المواقع التي يتعذر فيها هذا الامر تحت اشراف هيئات فلسطينية جامعة و موثوق بها   بهدف اعادة بث روح الحياة وتاكيد اوسع مشاركة ممكنة في بناء المشروع الوطني الفلسطيني من جديد والذي بات ضرورة ملحة وشكلا من اشكال الخلاص وطريقا للخروج من هذه المآزق التي تعصف بنا وبقضيتنا ، ان اية جهود لتزييف هذا المقصد  وتبهيته  لن تساهم الا في مزيد من الوهن والضعف والتشتت واتساع الهوة بين الشعب الفلسطيني و قياداته  السياسية على مختلف الوانها .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير