نادية حرحش تكتب لوطن: الاثار وجبهة سيطرة أخرى .. هل تعلم ان هناك مدينة بيزنطية على سفوح دير دبوان ؟

11.01.2017 11:32 PM

وطن:  لا يخفى على احد ان معركة الاثار في المسألة الفلسطينية الإسرائيلية، هي معركة مصيرية بالنسبة الى إسرائيل في محاولات غير منتهية في اثبات حقها التاريخي في المكان .

وقد نكون نحن ، أصحاب هذا المكان لا نعبأ كثيرا بمخلفات ماضي كان امامنا دائما ولم ندرك بالضرورة قيمته او أهميته.

اذكر مثلا رحلاتي الخاصة في طفولتي البعيدة الى اريحا القديمة وقصر هشام، لم افهم ابدا تعلقي بتلك المساحة الشاسعة من ازمنة الحضارات، تلك المساحة التي لا تتعدى بعض كيلو مترات ما بين اقدم مدينة حضرية عرفها التاريخ الإنساني (حتى تفوقت عليها حلب وتم ادراجها قبل نحو عقد من الزمن كالاقدم في التاريخ)، وبين قصر هشام بن عبد الملك الخليفة الاموي قبل الف وخمسمائة عام ، وبين هذا الوقت من الزمن الذي نعاصره .

أي حظ ممكن ان يكون لشعب يحيا على امتداد صناعة التاريخ الحضاري مما كان، قبل ما يمكن تعريفه بمعايير اليوم بالاف السنين (فيقدر عمر اريحا بنحو 7-الى-8 الاف سنة قبل الميلاد) وبين تراتيل خطواتنا كبشر معاصرين على هكذا ارض.

واذا ما ذهبنا اكثر نحو الشمال ، وتوقفنا في سبسطية ، لا يمكن الا ان نخشع امام حضارة لا تزال اعمدتها شامخة امامنا، شاهدة على امتدادها الذي تفوق فيه على مدى معرفتنا لوجودنا على هذه الارض، لتحكي تلك المدينة قصة تاريخ كنعاني، روماني، يوناني . بني وتدمر وبني وتدمر وبقي فيما انتهى الغزاة .

ومن شمال الى جنوب . من شرق الى غرب الى وسط ، تتعدد الاساطير التي تساعد في حبكها الحجارة والاثار المتروكة . سباق محتدم وصراع حضاري ازلي كان ويظل مع وجود الانسان ... ولكن في حالنا الفلسطيني كعادته مختلف.

فاسرائيل تريد ان تشهد الحجارة على اصالة دمها السامي في هذه الارض رغم اصول شعبها الاوروبي في معظمه. فلا تكف ولا تهدأ ولا تمل، وتسمتر في حفر تحت حفر تحت حفر ،حتى تثبت ولو حفنة من دليل يثبت فيها وجود هيكل ومملكة كانت ذات زمن ليهود.

ونحن الفلسطينيون ننظر وننتظر، باقون، صامدون بقوة الجذر الذي نمتد فيه بهذه الارض، ولكن ....

اين نحن من حرب الاثار هذه ؟ لا تلك المعلنة امام اليونسكو ، ولا تلك التي ينتبه اليها الاعلام عل حين غرة فندركها ؟

كيف نعي ان وجودنا على ارض كهذه يحتدم فيها صراع الحضارات في اصولها، يضعنا امام مسؤولية مضاعفة . افهم ان الوعي لاهمية الاثار يأتي في مرحلة متقدمة من رفاهية الشعوب ، وهذا امر نفتقد اليه . فكيف لي ان اهتم بآثار قبل الاف السنين واحافظ عليها ولا ادرك كانسان امني الخاص في هذه اللحظة ؟

ما تفعله اسرائيل من سرقة فاضحة للاثار ، يواجهه اهمال مفرط من قبل السلطة الفلسطينية في هذا الشأن ، يجعل الموضوع اكثر تعقيدا ، خصوصصا في وضع الارتباط ببنود اوسلو ، التي لو نظرنا بها جيدا لرأينا ان هناك امكانية حقيقية للعمل على الحفاظ على الاثار المختلفة .

هناك العديد من الامثلة الذي يجب البحث فيها والتوقف عندها، وسأقوم بهذا تباعا لاحقا . ولكن ما المطلوب فعله الان من اجل العمل بمسؤولية تجعل الانسان الفلسطيني العادي واعيا لما يترتب عليه فعله عند التعرض لسرقة اثار او اعتداء استيطاني او مصادرة اراضيه امام حجة الاثار .

تمثل امامي قبل ايام موقف، عرفت من خلاله ان صديق اسرائيلي يعمل في مكافحة الاستيلاء الاسرائيلي على الاثار ( من جمعية عمق شبيه) قد انتبه بينما كان يراجع بعض المواقع الدولية الخاصة بالاثار عن وجود معروضات في احدى الجامعات الامريكية  (مركز لاهوتي تابع لجامعة تكساس ) لاثار تم التنقيب عنها بالضفة الغربية، وبعد بحث صغير ، تبين ان هذا الموقع موجود في دير دبوان (قضاء رام الله ) .

دير دبوان طبعا تقع في منطقة ب ، ويقع الموقع المذكور في منطقة ج، وتبين بعد بعض الاستفسارات ، التي كان اهل البلدة متعاونيين جدا وواعين لوجود هؤلاء ولكن بلا حول لهم ولا قوة. المصيبة ان هذه المجموعة الامريكية تعمل منذ عشرين عام في "خربة المقاطر" ، حيث تأتي مجموعات كل ستة اشهر ،تقضي نحو الشهر ، تكون تحت حراسة مسلحة وتذهب.

هذه المجموعة بطبيعة الحال اخذت الموافقة على التنقيب من الادارة المدنية صاحبة السيادة على المنطقة ، ولكنها طبعا ، ليست صاحبة الارض. من الممكن ان يكون الحدث عاديا لو كان اصحاب الارض على دراية ، او كان قد تم اعلامهم . فمن الانتهاك الصارخ هو استعمال الارض لكل هذه السنوات بلا موافقة من اهلها . وقد يكون موضوع دير دبوان واهلها المغتربين قد شكل ضبابية في هذا الشأن، فموقع الخربة بعيد عن العمار الممتد في البلدة ، وقد تبدو البعثة القادمة المؤججة بالحراسة مدعومة من الجيش الاسرائيلي ، فيظن الانسان العادي ان ما يجري طبيعا.

المهم، ان هذه التنقيبات كشفت مدينة بيزانطية كاملة ، مع كنيسة ومنازل وكم كبير من الفخار وغيرها طبعا ( يجب مراجعة موقع الجامعة-ـ المركز اللاهوتي المنفذ) ، اذ تبين ان هذا المركز قد قام بالتعاون مع الجامعة باقامة عدة معارض بالسنوات الماضية احتفاءا بالاكتشافات التنقيبية المهمة. وهنا اتساءل : اين ذهبت الاثار التي تم التنقيب عنها ؟ لمن يجب ان تذهب ، ومن يجب ان ينتفع بها ؟ الم يكن من الاجدى تحويل هذا الموقع لمتحف اثري بدل ان يتم سرقته بوضح النهار هكذا وعلى مدار عشرين سنة ؟

هل عدم وجود صلاحيات مباشرة للسلطة يبرر ما جرى ؟

الجواب التقليدي بعدم وجود صلاحيات لا يعفي من المسؤولية والمساءلة . لماذا اذن يوجد سلطة او وزارة اثار فلسطينية ؟ ما هو دورها اذا ما كان اضعف الايمان في هكذا حال لا يقدم ؟

اليس من العار ان تكون اثار بلداتنا الفلسطينية معروضة في متاحف ومعارض العالم ونحن لا نعرف اصلا عنها .... كنا بانتظار ناشط اسرائيلي ، ليرى صدفة مقال ما في مجلة ما ؟ اليس من الاجدر ان يكون هذا دور السلطة بوزارتها وغيرها من اصحاب الامر الكثر بهذا الدور؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير