الاسد كسب سوريا، لكن سوريا بالكاد موجودة

12.01.2017 09:59 PM

وطن: كتب دافيد ليش

لقد استطاعت القوات المؤيدة للحكومة السورية ان تنهي عملية استعادتها لمدينة حلب بانتصار كبير،وناقشت كل من تركيا وروسيا وايران وقف اطلاق نار ضعيف، انه اكثر من احتمال قوي ان يستمر بشار الاسد ونظامه في الحكم بطريقة او بأخرى. ففي مقابلة له مع الصحافة الفرنسية نشرت الاسبوع الماضي وصف الاسد انتصار حلب بأنه نقطة تحول في مسار الحرب وان حكومته على الطريق للانتصار فيها. ولكن اذا كانت هذه هي الحال، فما الذي كسبه الاسد؟

لنلق نظرة على الارقام. ( حيث كل الاحصاءات هنا تقديرية، وربما تكون اسوأ اذا استمرت منظومة الحرب في سوريا). هناك اكثر من 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وحوالي 70% من السوريين يعيشون فقرا مدقعا بمعنى انهم لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الاساسية حسب تقرير عام 2016. وهذا الرقم ازداد منذ صدور التقرير، هناك نسبة بطالة تصل الى 58% مع وجود عدد كبير من هؤلاء العاطلين يعملون كمهربين، او محاربين او اي شيء ضمن اقتصاد الحرب. لقد هبط  متوسط العمر المتوقع عشرين عاما منذ بداية الاحداث، حوالي نصف الاطفال لا يذهبون للمدارس- ضياع جيل-  عدا عن الكارثة الصحية العامة ، الامراض السارية التي كانت تحت السيطرة مثل التفوئيد والكولير والتهاب الكبد الفيروسي والسل بدأت تعود كأمراض مزمنة، حتى شلل الاطفال الذي تم القضاء عليه في سوريا عاد اليها مع بعض القادمين من افغانستان وباكستان.

لقد مات حوالي نصف مليون نتيجة الحرب اضافة الى عدد آخر غير معروف قتلوا بشكل غير مباشر جراء الصراع ( نتيجة تدمير المستشفيات، او استهداف المراكز الصحية ، واستخدام التجويع كوسيلة حرب). وبحوالي اكثر من مليوني جريح ، يوجد حوالي 11% من عدد سكان سوريا قبل الحرب يعانون من اصابات واعاقات، عدا عن ان حوالي نصف سكان سوريا قد نزحوا اما داخليا او للخارج. في مسح جرى عام 2015 اجرتة وكالة الامم المتحدة للاجئين على لاجئي سوريا الى اليونان، وجد ان عدد كبيرا من البالغين -86%  لديهم اما شهادة ثانوية عامة او جامعية ، اغلبهم كان تحت سن 35 عاما، اذا صح ذلك فهذا يعني ان سوريا فقدت خبرات ومتعلمين هي في حاجة اليهم اذا كان هناك امل في اعادة الاعمار مستقبلا.

ستكون ارقام اعمال اعادة الاعمار فلكية . ففي دراسة اجريت عام 2016 قدر ان الخسارة الاقتصادية الكلية الناتجة عن الحرب تبلغ حوالي 275 مليار دولار،  لقد دمرت صناعة البلد، يضاف اليها تكاليف اصلاح البنية التحتية والتي قدرها صندوق النقد الدولي بين 180-200 مليار دولار، ان تمويل اعادة الاعمار يحتاج الى كرم غير مسبوق من المجتمع الدولي، لكن ليس هناك سبب للاعتقاد ان اقطارا كثيرة يمكن ان تكافيء الاسد. فحلفائه الروس والايرانيين لديهم مشاكلهم الاقتصادية ولا يحتمل ان يساعدوا الى هذه الدرجة.
وحتى يبقى يجب على النظام ان يعتمد على سوريا وايران ووكلائهم مثل حزب الله، فليس الجيش السوري وحده هو من استعاد حلب فقد تمدد الجيش السوري على خطوط وجدود طويلة كما انه انهك بحيث لم يستطع الحفاظ على تدمر التي عاد اليها داعش، لانه تم تحريك قوات الجيش الى الشمال، ورغم ان الاسد لا زال يتمتع باستقلالية، فان كلمة موسكو وطهران وحتى حزب الله ستكون مسموعة ولها تأثير في دمشق المستقبل، وسيكون الاسد عرضة لضغوط من حلفائه الذين ربما يطلبون منه التنحي بعد انتهاء فترة ولايته عام 2021.

في النهاية، فالمعركة واقعيا لم تنته بعد فلا الاسد ولا معارضيه حققوا اهدافهم . المتمردون لن يستطيعوا قلب النظام ولكن تمردا من قبل المعارضة المسلحة يمكن ان يؤثر مدعوما من دول خارجية كالسعودية التي لا تريد مطلقا ان ترى منافستها ايران تبحر نحو نصر ناجز.

التمرد لا يتطلب دعما خارجيا اكثر من معارضة تحاول ان تسيطر على الحكم وان تتمسك بمناطق، سوف يرى الاسد عيان ما حذر منه الاخضر الابراهيمي حول صوملة سوريا، وسيشرف الاسد على حكومة مثل حكومة الصومال، بمعنى انه سيملك ولكن لا يحكم على كل البلاد، بدلا من ذلك ستسيطر بعض المليشيات مثل داعش والاكراد على اجزاء من البلاد.
كيف سيحكم الاسد دولة ممزقة؟  فشبكة الحماية القائمة سلفا تهشمت وحل محلها امارات حرب شبه مستقلة، واجساما للادارة الذاتية بحماية مليشيات مختلفة ، حتى هذا موجود في مناطق تسيطر عليها الدولة ، حيث تنتظر المليشيا المؤيدة للنظام مكافأتها. بالتأكيد تستخف الحكومة السورية كليا بما حصل من مسافة بعيدة بينها وبين الناس. يقول النظام ان السوريين قادرين على البقاء بارادتهم الذاتية، هذا وهم واذا ظل النظام يعيش مثل هذا الوهم فسيستمر الوضع القائم.

ربما يكون هناك ممثل لسوريا في الامم المتحدة، وان يكون لها سفارات في بعض البلدان، تختم جوازات السفر وتطبع العملة، ولكن بصعوبة يمكن وصفها بالدولة. لقد ضعفت سيطرة الاسد وسلطته وشرعيته، سواء عرف وحلفائه ذلك ام لم يعرفوا. سوف يضطر للاعتماد على المساعدات الضخمة من الخارج اذا اراد استعادة جزء مما كانت عليه سوريا. لكن انها سوريا الجديدة، انه الرجل الذي عليه ان يعيد شحذ نظامه السياسي ليتلاءم مع الواقع الجديد، وليس هناك اي طريق اخرى.

عن نيويورك تايمز، ترجمة جبريل محمد

تصميم وتطوير