نادية حرحش تكتب لوطن: مؤتمر باريس للسلام ... فرش بيت غير مسقوف

18.01.2017 07:35 PM

وطن: مر مؤتمر باريس للسلام مرور الكرام ، كما الاعلان عنه والترتيب له . وحال القائمون عليه كمن يقررون فرش منزل لم يسقف بعد . في وقت وصل فيه انهيار المفهوم الاساسي لعملية السلام بتجنح علني وواضح من قبل احد اقطاب هذا السلام الاساسيين . مؤشر يؤكد على اننا وصلنا الى مكان بكل المقاييس مغلق ولا مجال فيه لعبور.

وكعادة نتانياهو ، يقدم خدمات جلية للقضية الفلسطينية في كل وقت يقوم بها بالتجنح والرفض والاعتراض . لأنه في كل مرة ينجح في حجب او تعطيل خطوة الى الامام من مشروع السلام المزعوم فإنه يخدم هذه القضية ان تبقى فيها شيء يمكن التفاوض عليه .
في لعب المؤتمرات السابقة ، كان هناك قواعد اساسية لعقد المؤتمر ، هناك اجندة ابعد من حلحلة الوضع وشد الانظار اليه كما كان في مخطط هولاند المعلن . ولكن هنا ، بغض النظر عن ضرورة الحلحلة والخلخلة لهذا الموضوع ، الا ان محاولة فرنسا ان تبقي على حل الدولتين اشبه بمن يحاول ضخ الحياة في ميت عن طريق ابقاء الجسد موصول باجهزة التنفس.

كان غريبا كذلك ان يهرول الرئيس الفلسطيني للمؤتمر بلا سقف لهذا المؤتمر الذي يزعم في حجمه انقاذ جل الدولتين .

اتساءل وبجد ، كيف تبدو الدولتين بالنسبة للرئيس الفلسطيني ؟

افهم ان المشاركين من الدول السبعين قد بنوا تصورهم على معطيات تاريخية ، واتفاقات وتفاهمات الى ما يمكن من مراجعات لفهم فحوى هذه المسألة . الا انهم لا يمكن ان يفهموا تماما مدى حقيقة انعدام حل الدولتين منذ انهيار تفاهمات اوسلو التي كانت بدورها اصلا محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بشبه دولة . اما اليوم فحتى مفهوم شبه الدولة لا ينطبق على الوضع الفلسطيني .
السيناريو القادم ، سواء اراده عباس او رفضه نتانياهو والعكس ، لا يمكن الا بحل الدولة . وهنا يكون على عباس سؤال نفسه ، ما هو دوره في حل الدولة الواحدة ؟

حل الدولة بلا شك حل ، يتفق نتانياهو و عباس على عدم الذهاب اليه او الانتهاء به . وقد يكون عباس متفق مع نتانياهو ان الوضع الحالي هو الوضع النهائي .

فلو أمعنا النظر ، لرأينا ان مشروع السلام قد توقف بالمطلق يالسنوات الاخيرة ، وتفرغ عباس الى سيادته المطلقة على المقاطعة ومحيطها . ونتانياهو يعيش افضل ايامه تحت سلطة تعفيه من التزامات الاحتلال ، تتفاقم عليها الفواتير وتحفظ امن اسرائيل ، ويستخدمنا على حسب مبدأ الغيار مسخرين لخدمته ، اما عن طريق استخدام الايدي العاملة او تنفيذ مطالب دولته العتيدة .

في وقت يبدو الافق فيه اضيق مما كان عليه دوما ، لا يوجد مكان للامل في حل افضل او امكانية قريبة لحل عادل ، في غياب صارخ للقرار الفلسطيني. فمشروع السلطة قراره بيد اسرائيل ، حله او ابقاءه ، ولن نعرف ابدا متى تنتهي مصلحة اسرائيل من هذه السلطة لحلها او استبدالها . كل ما نعرفه ان هذا اليوم قادم لا محال . خصوصا ، ان الشعب كذلك في حال من السبات بأمره لم يعد له كلمة ولا هناك ما يشكل ثقلا لترجيح كفة الشعب من خلاله.
ما جري من عرض خاوي لعملية السلام في باريس ، من بحث امكانيات وطرح افكار او شكوى او بكاء ، لم يثر حتي الرأي العام في محاولة تتبعه . لم يكن الا مضيعة للوقت وهدر للاموال . وقد يكون نتانياهو بتبجحه اكد على انه صاحب الكلمة الفصل . فلا الفرنسيين ولا الاوروبيين ولا كيري الراحل بعد اسابيع لهم ثقل في التأثير على مجريات الامور.

وترامب القادم مع سيف نصرة نتانياهو ، سيزيد من تدهور الاوضاع ، وسيصبح ما كان مرفوضا لغاية اللحظة حلما يطمح له مفاوضونا .

بكل ما يحمله عهد ترامب من ريبة ، يبقى وضوحه في تحيزه الى اسرائيل هو افضل ما سنشهده . لان ترامب بالنهاية لن يكون مختلفا عن سابقيه بالشأن الاسرائيلي ، فامريكا تعمل على خدمة مصالح اسرائيل وبقائها بغض النظر عن من يعتلي الكرسي في البيت الابيض. الفرق ان ترامب شخصية مباشرة ، مواجهة ، فظة ، تتحمل الانتقادات ولا يفرق معه احد . فكراهية العالم العربي والاسلامي له لا تعنيه ، بل يحبذ لو يزيد من استفزازهم .

وقضية القدس التي تخيفنا اليوم في فكرة نقل سفارة امريكا اليه وما تحمله من تغيير في الوضع القائم ، ليس بالامر المريب . فما يجري بالقدس منذ اوسلو ، ولربما منذ وفاة فيصل الحسيني ، لا يزال يشكل الريبة الاكبر في مآل هذه المدينة .

ان عملية الاسرلة لم تتوقف للحظة منذ اعلان ضم القدس من قبل اسرائيل في السبعينات ، وتفاقمت منذ اوسلو ، لدرجة تبدو قضية القدس محسومة فيها لاسرائيل . والموضوع ليس الا موضوع شكلي ، وجود جدلية ترامب ستسرع في الاعلان عنه .

لا يوجد افاق لحل دولتين ...الا ما يريد منه نتانياهو لشكل هذه الدولة الفلسطينية . والقيادة الفلسطينية بشكلها الحالي لا تأبه الا لبقائها ومصالحها .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير