كايد ميعاري يكتب لـ"وطن": في الانتخابات : نَكبتها في نُخبتها

19.01.2017 10:12 AM

كل الفلاسفة الذين عالجوا مصطلح " النخبة" ابتداء من "ماركس" و"فيبر وانتهاء برايت ملز" اتفقوا جميعا على كونها تعبر عن طبقة ضيقة حاكمة استطاعت ريادة المجالات التي تؤثر بشكل جوهري في الأغلبية المحكومة، من خلال نظام الديمقراطية التمثيلية السائدة في غالب بقاع الأرض.

روجت اوروبا وأمريكا لهذا النظام، ورفضت نتائجه وانقلبت عليها في اكثر من مناسبة حتى وصلت الى اللحظة التي عانت هي نفسها من افرازاته التي انتجت ترامب مؤخرا رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية،في حين اعلن عددا من نواب الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه الرئيس الجديد بعدم دعمه اثناء فترة الدعاية الانتخابية وتزايدا مضطردا لصالح " اليمين الشعبي" في الغرب.

عربيا، تمثل دول ما يسمى بالربيع العربي بإسثناء التجربة التونسية لعدة إعتبارات، مثالا اخرا على فشل الديمقراطية التمثيلية في خلق نخب تعبر عن الأغلبية، بل منحت الفرصة لمراكز الثقل القديمة لإعادة إنتاج نفسها والتحكم بمصير المواطنين، تحت مظلة شرعية الانتخابات كما حصل في دول أخرى.

حال النخبة الفلسطينية ليس استثناء عن كل ما سبق، فالانتخابات التي كان من المفترض أن تنتج مجلسا تشريعيا يعبر عن المواطنين، ويعالج التحديات التي تواجهه على مختلف الأصعدة، انتج اعضاء في غالبهم يعبرون عن اجندتهم السياسية والإقتصادية، وهذا ينسحب ايضا على مستويات اقل كالإتحادات الطلابية والنقابية والثقافية، والفصائلية .

وما زاد الطين بلة فلسطينيا هو غياب الارادة لدى النخبة الفلسطينية في إجراء انتخابات جديدة يمكن فيها للمواطنين اعادة اختيار من يمثلهم في مراكز صنع القرار، وكنتيجة حتمية مارست المؤسسات العسكرية، والسياسية، والإقتصادية ما يحلو لها دون رقابة تشريعية او مجتمعية.

وشكل تفرد المؤسسات المذكورة أعلاه عاملا أساسيا في عزوف المواطن عن المشاركة السياسية عبر التنظيمات، ودفع بها إلى نماذج أخرى أخذت شكل المبادرات الفردية والمحلية، كما غيرت في إتجاهات المجتمع ومنظوره نحو القضايا ذات الأولوية، وهذا ما يفسر تراجع ثقة المواطن بما هو قائم، ولامبالاته في ما تثيره النخب من شعارات وبرامج.

وأمام مشهد عجز هذه النخب في التحلل من ارتباطاتها المصلحية مع مراكز القوى التقليدية في المجتمع، اصبحت الديمقراطية التشاركية هي السبيل لترميم الحالة الفلسطينية، ومنح المواطنين حقهم في المشاركة المباشرة والفاعلة في عملية صياغة السياسات والقرارات على الصعيدين المحلي والوطني، وإخراج المواطن من معادلة الشطب.

وتزداد أهمية إشراك المواطنين بشكل مباشر، لانها تشكل مخرجا حقيقيا من عدة مآزق تعيشها الحالة الفلسطينية وتحاول النخب تعويضها في انجازات معنوية هنا أو هناك، وحان موعد إعادة الإعتبار للمواطن.

وتبقى كل التساؤلات المشروعة حول كيفية بناء منظومة تؤمن بشراكة المواطن الفعلية، دون إلتفاف ومواربة، مرهون بمدى ارادة ورغبة المجتمع المدني الفلسطيني في تحقيقه،  وهذا يتطلب ايمانا اكبر في المواطن لانه يعد كآلة " الكلارنيت" يمثل اللحن الأساسي لأي مارشال عسكري أو سلام الوطني للدول.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير