صعود ترامب والذين يخاطبون المشاعر في الغرب يشجع الارهاب .. مقابلة مع نوعام تشومسكي

01.02.2017 03:13 PM

ترجمة خاصة لوطن:  برأيك ما هو اصل صحوة  المشاعر الشعبوية التي ظهرت من خلال الاستفتاءات في بريطانيا وكولومبيا وصعود ترامب في الولايات المتحدة ؟ هل ترى خيطا مشتركا بين هذه التطورات؟

كولومبيا امر مختلف، ولكن ما يحدث في اوروبا والولايات المتحدة لديه تماثلات معينة. انها تعود اساسا الى البرامج النيوليبرالية للجيل الماضي والتي دفعت عددا هائلا من الناس الى الهامش. لقد حسنت البرامج ارباح الشركات، حافظت على الاجور راكدة، وركزت الثروة والسلطة بشكل عال، لقد قوضوا الديمقراطية، فقد الشعب ايمانه وثقته بالمؤسسات في اوروبا- ( وبشكل اسوأ فعليا في الولايات المتحدة). القرارات كانت تصنع اساسا في بروكسل، الشعب كان ينتخب من يريد، لكن  (الانتخابات للاتحاد الاوروبي) لم يكن لها تبعات تقريبا على السياسات، وكـ (اقتصادي واستاذ في جامعة كولومبيا) يرى جوستيجليتز انها كانت اساسا ، دولار واحد، صوت واحد، ورد فعل واحد وهو الغضب على كل شيء.

لذا مثلا فان الخروج البريطاني من الاتحاد الاوروبي يتفاعل مع برامج تاتشر بتفكيك التصنيع في بريطانيا. اغنى التلاعب المالي جنوب شرق بريطانيا وتركت الآخرين الى في الذيل. لقد غضب الشعب من ذلك لكنهم من وجهة نظري قدموا اجابة غير عقلانية، حيث ان مغادرة اوروبا لن تساعد – اوروبا لم تنتخب تاتشير ، ميجر،  بلير او كاميرون-  تقديري ان الخروج سيجعل الامر اكثر سوءا، لكنك تستطيع ان ترى ما هو مصدر الغضب، في القارة الامور متشابهة: برامج التقشف اضرت كثيرا بالاقتصاد، كما انها اساسا قوضت الاداء الديمقراطي : لقد انهارت الاحزاب الوسطية ولا توجد ثقة بالمؤسسة. يمكن ان نراها ايضا في ظاهرة كل من ترامب وساندرز- طريقتان مختلفتان في الرد على انهيار السياسات الذي وجدت لفائدة الشعب.

ليس بلضرورة ان كون انصار ترامب فقراء جدا- بعضهم متوسطي الحال لديهم وظائفهم،، لكن الصورة التي استغلت، وهي ليست سيئة حسب رأيي هي انهم اناس يرون انفسهم يقفون في خط واحد يحاولون التقدم للامام، لقد جدوا ، لقد حفروا مكانتهم وبقوا فيها، الناس الذين يقفون قبالتهم صعدوا الى طبقات عليا، والذين خلفهم في رأيهم قد دفعوا من قبل الحكومة نحوهم، هذا مافعلته الحكومة الفيدرالية بهم حسب رأيهم، لقد اخذت من خلفهم ومن لم يعمل بجد مثلهم ودفعتهم للامام عبر برامج الدعم، انهم يستمعون الى برامج الراديو التي ترثي مثلا اللاجئين السوريين ومعاملتهم كملوك "فيما لا ستطيع ان ارسل ابنائي للجامعة".  

اوضح الاقتصاديان آن كيس وانغوس ديتون ان هناك تناقصا ملحوظا في توقعات الحياة او تزايدا في نسبة وفيات البيض- واغلبها بين متوسطي الاعمار وذلك يعود بشكل كبير الى تعاطي المخدرات او الانتحار. ما الذي تقوله في هذا التغير وانعكاساته على الثقافة الامريكية او المجتمع الامريكي؟

بالعكس، فان التغير في الثقافة الامريكية والمجتمع الامريكي اديا الى هذا التناقص او التزايد في النسب، هذا قطاع من الناس ماكنت اقوم بوصفه قبل قليل، اغلبهم بيض واغلبهم رجال، وفي افضل فترة عمرية للعمل في الحياة، انهم يعانون الاحباط، فقدان ماء الوجه، الافتقاد الى الشعور بالجدارة ، وبالتالي يتحولون للمخدرات والكحول، حدث شيء مشابه في روسياخلال عملية اصلاح السوق في التسعينات، كانت هناك نسبة زيادة هائلة في الوفيات، ربما بلغ عددهم ملايين، وكثيرا منهم ممن عانوا نفس الاعراض" كل شيء يتهاوى، ليس لدينا شيء ، لذا سأسكر حتى الموت".

هل تعتقد ان زيادة نسبة الوفيات تعود الى التغيرات في السياسة ؟
اعتقد ان هذا انعكاس لذلك، وهو يشبهه كثيرا، على سبيل المثال فان التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي كان شعاره" لا خيار امامي ولذلك سأصرخ". ربما يكون الامر مختلفا لو كان هناك حركة عمالية منظمة ، يمكن ان تعبيء الناس. في الثلاثينات كان الموضوع اسوأ من ذلك بكثير ، ولكن كان هناك شعور بالامل، انا الان كبير بما فيه الكفاية لاتذكر – كان هناك فعل عمالي نضالي ، منظمات نقابية، احزاب يسارية ، وادرات رحيمة نوعا ما ، ولذا فكر الجميع انهم سيخرجون من هذا الواقع، اليوم لا يملك الناس هذا ، انه فرق صادم.

لقد تكلمت كثيرا منتقدا استخدام الطائرات المسيرة، خاصة في فترة اوباما، هل تعتقد ان هناك شروطا ما لاستخدامها؟ مالذي يجب فعله لمواجهة التشوه الاخلاقي؟

على سبيل المثال، مؤخرا تم اعتراض داعش وضربها عبر طائرة مسيرة محملة بالمتفجرات، هل هذا شرعي؟ انه زمن الحرب، فمطلقوا الطائرة المسيرة كانوا تحت هجوم، لقد استخدموا سلاحا للدفاع عن النفس، انا لا اوافق على ذلك لانني لا اوافق على ما تفعله داعش، ولكن في مثل هذا النوع من الاوضاع اعتقد انك يمكن ان تقول انها مثل اي سلاح آخر. من جهة اخرى حينما تكون تقنية لاغتيال مشبوهين، فانها قصة اخرى، بمعنى انها ليست مسألة طائرات مسيرة. تصور اننا ارسلنا قتلة لاغتيال اناس نعتقد انهم سيهاجموننا، هل سيكون ذلك شرعيا؟ لقد نشرت وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز والواشنطن بوست وصحف رئيسية اخرى عناوين تحمل " يجب ان نضرب ايران الان ودون انتظار، لذا هل يبرر ذلك لايران ارسال شخص ما لاغتيال المحررين الصحفيين؟ كيف يجب ان نرد؟

هل تعتقد ان السياسة الامريكية قد غيرت موقفها تجاه القضايا الانسانية، او تجاه استخدام الطائرات المسيرة بشكل افضل؟
انظر الى تاريخ الولايات المتحدة، لقد كنا في حرب منذ خمسمائة عام دون توقف ، الناس الذين يعيشون هنا ماتوا او سحقوا ، وظلت الامور حتى بداية القرن العشرين لتتضح الحدود الجغرافية للولايات المتحدة، بالحرب المستمرة  والخبيثة والشرسة. انها خمسمائة عام من الحرب دون توقف، والسياسات لم تتغير كثيرا.

هل ترى امكانية لتغيير اكبر، وبأية وسائل؟ وكيف تفكر بتغير المواقف تجاه القضايا الانسانية؟
في بعض المجالات نعم، خذ مثلا التعذيب، كان رد الفعل السلبي للجمهور كافيا، لذا فانه لا يستخدم حاليا كما كان سابقافي حكم بوش. من جهة اخرى يجب ان لا نغالي ، خذ السجون السياسية الكبر في الولايات المتحدة، هناك غرف تعذيب، اعني ان السجناء يخضعون للحبس الانفرادي، والذي هو تعذيب لوقت طويل وربما يمتد الى فترة اطول من حياتهم، لذا فالتعذيب حاضر دائما.

يقول عالم النفس ستيفن بنكر انه مع الوقت اصبحنا نستطيع استخدام الاسباب، و " الزوايا الافضل للطبيعة" وذلك لاجراء تحسينات في تقليص العنف. هل توافق على هذا التحليل؟
هناك شيء مثل هذا، لكن النظرية التي يعرضها مهزوزة، اعني ان 95% من تاريخ البشرية هو تاريخ مجتمعات الجمع والصيد، انه يدعي انهم كانوا عنيفين وقساة، لكن المتخصص في الموضوع لا يتفق معه، هناك عمل من قبل رواد حول المجتمعات الاصلانية – بريان فيرجسون، دوغلاس فراي، ستيفن كوري- انهم يرون ان مفهوم بنكر حول مجتمعات الجمع والصيد خاطيء تماما.  ان القتل باعداد كبيرة يرتبط بالاساس مع اصل المدن ونظام الدولة، احدى مقولات بنكر القوية هي ما سماه "السلام الديمقراطي، بمعنى ان الديمقراطيات لا تحارب بعضها. ان اغلب الادلة التي قدمها عن ذلك جاءت من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن في هذه الفترة لم تحارب الدول اللاديمقراطية بعضها، فالصين وروسيا كانتا افتراضيا في حالة حرب ولكنهما لم تتقاتلا، انهما ليستا ديمقراطيتان، ولكن ايضا الولايات المتحدة لم تدخل في حرب مع روسيا مع ان روسيا ليست ديمقراطية. ما حدث عام 1945 هو ان القوى العظمى اعترفوا انه لا يمكن الدخول في حروب بعد الان. واذا قامت حرب فان كل شيء سيدمر. لقد مرت اوروبا بقرون من الحروب الخارجية والداخلية ولكن ليس بعد 1945، لان اي حرب قادمة تعني النهاية لاوروبا واعتقد ان هذا لا علاقة له بالزوايا المفضلة للطبيعة، في الحقيقة تم تصدير معظم الحروب منذ 1945، واذا نظرت الى كيفية تعامل بنكر مع هذه الامور فهو غالبا ما يلوم الضحية انه يرى الحروب في جنوب شرق آسيا والمناطق المسلمة هل هذه الحروب جرت بسبب العراقيين والفيتناميين؟

ما هي اكثر القضايا اهمية في السياسة الدولية والتي لم تعالج بشكل ملائم؟
هناك قضيتان كبيرتان، لم تتم مناقشتهما بشكل ملائم.  الاولى هي التهديد الجدي والمتزايد بنشوب حرب نووية، خاصة على الحدود الروسية، والثانية هي الكارثة البيئية القادمة الينا بسرعة ، ولم يبذل اي جهد لاجلها، انها قضايا تتعلق بحفظ النوع البشري والحيوي وحقيقة اكثر مما كتب عبر التاريخ حولها، خذ مثلا الحملة الرئاسية الامريكية الاخيرة ، نادرا ماذكرت هاتان القضيتين وهذا مذهل، اننا امام انتخابات لاكبر قوة في التاريخ البشري والتي تملك قوة في تحديد ملامح مستقبل البشرية  وامام حاسمة اكثر قضايا لم تكن لتبزغ في التاريخ البشري وهي الان دون نقاش، ما نناقشه هنا هو تغريدات ترامب عند الثالثة فجرا او هل كذبنت هيلاري في رسائل بريدها الالكتروني؟

لماذا لا تناقش هذه القضايا بتوسع؟
اظنان هناك نوع من الاعتراف الضمني بان يبقى الناس خارج النظام الديمقراطي. هذا ليس مجالهم، لذا اشغلهم بأشياء اخرى. هذا يمكن ان يكون استهلاكية ، الغبن الفاحش للنساء او اي شيء ولكن ليس القضايا الرئيسية، لا اظن ان ذلك اختيار واع، ولكنه امر ضمني في حالة ما قبل الوعي،في اعتراف النخبة حول ما يجب ان يكون عليه العالم.

هل ينطبق ذلك على القضيتين المذكورتين؟
اذا نظرت الى التهديد النووي، يجب ان تسأل نفسك كثيرا من الاسئلة التي لا زالت مغطاة مثل لماذا تمدد الناتو نحو الشرق؟ او في الحقيقة لماذا يوجد الناتو؟ لقد وجد الناتو كحلف دفاعي في مواجهة روسيا، لا توجد روسيا بعد 1991، اذن لماذا الناتو؟  كثير من الاسئلة المشابهة يمكن ان تبرز بجدية ، وطبعا لا يعني هذا انها لم تناقش مطلقا، هناك منح دراسية لذلك ولكن ليست ضمن التيار العام. ان كلامنا عن هذه المواضيع هو لشيطنة روسيا، وهناك كثير من الخمج ، وهناك اسئلة اخرى كثيرة.
عن هارفارد انترناشيونال ريفيو/ ترجمة جبريل محمد

تصميم وتطوير