الأكلات التراثية الشتوية تلعب دور الحاضر الغائب على الموائد الفلسطينية.

17.02.2017 06:45 PM

غزة-وطن-محمد أبودون:لا شيئ إلا الحنين لوطن الآباء والأجداد يتسلل لنفسك حين تسمع اسم أكلة تراثية شتوية، ذلك الوطن الجميل البسيط الأقل غموضا وتعقيدا من وطننا الحالي.

فعلى موائدها اجتمع الصغار قبل الكبار، وفي رائحتها عطر تراب الأرض ودفء للقلب، في ذاك الوقت لم يكن هناك طعام فاخر بل كانت روح الألفة والمحبة هي السائدة الحاضرة، فكان الكل يجتمع في فصل الشتاء على أكلة عدس أو مفتول أو مجدرة.

كل شيئ كان جميلاً فالفلاح يحرث أرضه ثم يزرعها فتروى بماء المطر وينتظر نضوج ثمرها ليأكله، بهذه الكلمات إفتتح الحاج "أبو محمد الشوبكي" صاحب الثمانون عاماً حديثه حين سألنه عن الأيام الخوالي وعن الأكلات التراثية الخاصة بفصل الشتاء.

يتابع الشوبكي "كان لكل أكلة طقوس خاصة تتتميز بها عن غيرها، وأجملها كانت طقوس الشتاء وأكلاته التي تبعث بالجسد الدفء، فكانت أروع الأوقات تلك التي تجتمع فيها العائلة على صوت زخات المطر".

ويبين الشوبكي الذي ينحدر من مدينة غزة أن أنواع الأكلات التراثية تتنوع بإختلاف المكان والزمان، فلكل مكان أكلاته المشهورة، فغزة كانت تشتهر بالسماقية والرمانية، ويافا  تشتهر بسمك بحرها الطازج والضفة الغربية بالمقلوبة وكذلك عموم فلسطين.
وأيضاً لكل زمان أكلاته الخاصة، ففي فصل الصيف ورق العنب، وفي رمضان شوربة الخضار والأكلات الشامية وفي الأعياد كانت تشتهر السماقية والسمك المملح "الفسيخ".

ويواصل أبو محمد حديثه "موسم الشتاء يتميز عن غيره من المواسم ، فتنمو فيه الكثير من أنواع النباتات مثل الخبيزة والحماصيص والسبانخ والتي تستخدم في صنع أطعمته وكذلك تنمو أشتال الفجل والبصل الأخضر التي تحمل مذاق رائع خاص".

ويشير إلى أن فصل المطر يختلف عن غيره من فصول العام بحلوياته الطيبة مثل العوامة والحلب والكنافة، وبمشروباته الدافئة كالسحلب والحلبة المطحونة والكاكاو.

أما السيدة أم أحمد جبر صاحبة الأربعون عاما قالت "أنها تحرص بإستمرار على طهو الأكلات التراثية في بيتها خصوصاً في فصل الشتاء، لما لها من قيمة غدائية عالية ونكهة طيبة تميزها عن باقي الأكلات والأطعمة".
وتضيف أم أحمد "هناك تقبل من جميع أفراد العائلة لهذه الأكلات، فحين أقترح على زوجي أو أبنائي الستة طهو إحداها، لا يبدون أي إعتراض يذكر عليها، وكيف يبدون إعتراضا وهم ينتظرون أكلات موسم المطر من العام للعام".

ومن جانبها أكدت الشابة "وردة الدريملي" أنها تسعد كثيراً حين تخبرها والدتها أن طعامهم اليوم هو مسخن أو مجدرة أو غيرها من الأكلات الشتوية الشعبية.
ولا تفضل وردة الأكلات العصرية الحديثة عن الأكلات التراثية، ﻷن لكل منها وقتها ومناسباتها الخاصة التي تقدم فيها على حد قولها.
وتستكمل وردة حديثها "أنا وأخوتي تربينا منذ الصغر على هذه الأكلات وهذا الموروث المهم، فكانت في البداية جدتي هي من تقوم بإعدادها، ومن تم إنتقلت مهمة إعدادها إلى والدتي والتي تطهوها بشكل جميل جداً ومذاق رائع".

وتردف الدريملي "أجمل أوقات العام بالنسبة لي هو وقت إجتماع كل العائلة حول "كانون" النار وقت طهول المطر، فنجلس نتسامر ونتبادل أطراف الحديث لساعات كثيرة "نشوي" خلالها البطاطا الحلوة والكستنة ونحتسي الشاي المصنوع على نار الحطب".

وتوضح عدد من الدراسات الحديثة إلى أن الطعام قديماً كان ذا قيمة غدائية عالية وجودة صحية أكثر مما هو عليه الأن.

ويتلخص السبب في ذلك إلى أن الطعام اليوم يحوى على كثير من المكملات الغذائية والمواد المضافة المضرة بالصحة، بينما الأكلات قديماً كانت صحية أكثر بسبب خلوها من تلك المواد.

وتؤكد الدراسات أن كثير من الخضروات والفواكه الناضجة في هذا الوقت تتعرض للمبيدات الحشرية والمواد الكيميائية الهادفة إلى تسريع عملية نموها، لكن الأمر كان مختلفاً سابقاً فكانت الفلاح يعتمد على المواد العضوية والطبيعية في نمو زرعه.

تصميم وتطوير