غزة.. ذهب الحب بزهوره، وبقيت الحرب بأسوارها

18.02.2017 12:48 PM

غزة.. عندما تذبل الزهور

رام الله- وطن- مي زيادة: تظلُ لغة الورود هي الأسمى عالميًا، وتبقى الصورة الاجمل في غزة ان التقى الحب والحرب مع بائع زهور متجول، ومع شاب يهدي خطيبته جورية حمراء في عيدها، ومع طفل يُقبّل والدته ويهديها قرنفلة زهرية اللون في صباح الواحد والعشرين من آذار.

غاب "جوري" غزة في عيد الحب هذا العام، والقرنفل توقف على الحاجز العسكري المغلق وعاد ذابلاً، ولم يَعُد يقصُد طريق المعبر منذ ثلاثة اعوام تقريبًا، رغم ان اهل القطاع لم يتوقفوا يومًا عن ابتكار طرق للترويج وبيع ازهارهم كرجل يقف في الشارع على الاشارة يمسك عشر وردات جورية بيضاء يبيعها للمارة، وطالب جامعي آخر اتّبع اسلوبًا ألمانيا جديدًا لمحاربة البطالة اطلق عليه اسم "بائع ورد جوال".

زراعة الزهور لأغراض تجارية عُرفت في قطاع غزة على وجه الخصوص في التسعينات، إذ وصلت إلى أكثر من 100 مشروع على ما مساحته نحو ألف ومئتي دونم، معظمها يتركز في بيت لاهيا في أقصى الشمال، وكذلك في رفح أقصى الجنوب.
وتراجعت مساحة زراعة الأزهار وتقلّصت نسبة المبيعات إلى حدّ اقتصرت فيه على البيع المحلي. وتعددت أسباب تراجع إنتاج الزهور، ومنها أن الاحتلال يرفض السماح للتجار بتصديرها بمعابره التي تحاصر القطاع المنكوب، كما أن عذوبة المياه لم تعُد كافية بقدر ما تحتاج إليه هذه الزراعة.

كانت تصدر غزة 50مليون زهرة سنويًا

يقول مدير وحدة الإرشاد والري والتربة في وزارة الزراعة بغزة نزار الوحيدي لـ"وطن"، "إن مساحة الارض المزروعة بالزهور في غزة كانت مئات الدنمات ،وكانت غزة تصدر قرابة 50مليون زهرة سنويا في فترة ماقبل قيام السلطة".

"وبدأت المشاكل البيئة والسياسية تظهر بعد قيام السلطة بالتحديد بعد تفاقم مشكلة المياه (من ناحية الكم والجودة)، فعندما قامت السلطة حفرنا ابارًا كثيرة وبدأنا نستنفذ المياه العذبة في منطقة شمال غزة اي منطقة زراعة الزهور الاولى، فبدأت تظهر مشكلة الملوحة وتقلصت  الاراضي المزروعة بسبب ملوحة المياه. خلال "انتفاضة الأقصى" بدأت المعيقات الاسرائيلية تظهر، وبدأت الشركات الاسرائيلية تحتكر تسويق الزهور، بعد ذلك ظهرت مشكلة حصار 2007، وتراجعت مساحة الزهور الى 38 دونم الان، بالكاد ينتج كل دونم منها حوالي 10 آلاف زهرة"، وفق الوحيدي.

وأكد المهندس الوحيدي أن التصدير مرتبط بالمعابر والنباتات الرهيفة كالفراولة والزهور، التي تحتاج الى ظروف تصدير مقاسة بشكل جيد ومحكومة لدرجة حرارة وساعات وسرعة نقل، وهذا كله غير متوفر الان، فأصبحت مشكلة نقل الزهور عبئا ً اخر فتعطلت الزراعة وخسر المزارعون كثيرا، الان الزراعة فقط للسوق المحلي.

قال الشاعر محمود درويش "إنّا نحبُّ الوردَ، لكنّا نحبُّ القمحَ أكثرْ"، وهكذا هو حال الغزيين الان، فلم تعد غزّة المعروفة بزهورها التي تجتاح أسواق أوروبا قادرةً على تصدير أطنان الورود كأحد أجود أنواع الورود المُنتجة في العالم، يقول الوحيدي: "لاتصدير اليوم الى اوروبا، فالمياه لن تستطع ان تلبي احتياجاتنا للشرب فكيف تلبيها للزراعة، فالتنافس مابين حاجتنا للشرب وحاجتنا للزراعة او الصناعة تنافس شديد جدا".

وفي اطار اخر، عزا الوحيدي التراجع في زراعة وتصدير الزهور الى اوروبا، بالثقافة واسلوب الحياة، مشيرًا إلى "أننا شعب لاعلاقة له بالزهور في حياته اليومية، نحن شعوب ليست محبة للزهرة، لا في البيت ولا في العلاقات الاجتماعية، لذلك فالسوق المحلي غير نشط، أضف الى ذلك ظروف الانتاج صعبة، وظروف التسويق شبه مستحيلة فانصرفت الناس عن هذه الزراعة".

اليوم لسنا منتجين للزهرة المقبولة أكثر عند الاوروبيين

وعن الورود التي كانت تصّدر الى اوروبا وبالاخص الى بورصة الزهور هولندا، اكد انهم يركّزون على زراعة الزهور الجنائزية: وهي القرنفل والجوري بأنواعهما، وهي اكثر الزهور طلبًا، لذلك ان الانتقال الى زراعة انواع اخرى منافسة في الاسواق الخارجية الاوروبية صعبة.

واجاب الوحيدي على سؤالنا، هل نحن منتجون لافضل أنواع الزهور؟ بالقول: "القرنفل والجوري كانت ممتازة في غزة ومنافسة في وقت من الاوقات، لكن اليوم اذواق الاوروبيين تتغير سواءً في الاكل او الانتاج او نوع المنتج، اليوم نحن غير منافسين لاننا لانمتلك الزهرة المقبولة اكثر عند الاوروبيين، يجب ان نغّير التكتيك بما يناسب الاذواق والاسواق، اليوم ان استطعنا ان نبقى منتجين للخضراروات ومسيطرين على السوق الاستهلاكي المحلي ومحققين للامن الغذائي في مجال الخضار هذا نعمة وكثير علينا".

زراعة غزة تتجه لزهور الصبار والاناناس بسبب تحملها للجفاف

وتتجه وزارة الزراعة في غزة اليوم إلى انتاج وزراعة زهور الصبار والاناناس، فهي تتحمل الحرارة وقلة المياه وملوحتها، وهي متعددة المواسم وصلبة، ويمكن ان تتحمل ظروف تخزين، اضافة الى التوجه الى زراعة المحاصيل الطبية والعطرية ونصدّر منها حوالي 15 طن.

ويضيف، الوحيدي، حوالي 12 صنف جديد ستدخل سوق الانتاج الغزاوي قريبا، لايجب ان نكون حبيسي فكرة واحدة.

الزهور المصنّعة طغت على الطبيعية

بدوره، يقول مرشد المحاصيل التصديرية في غزة المهندس عيد صيام لـ"وطن": إنه "يتم زراعة مساحة 37 دونم بالازهار و الورود المختلفة و تتركز زراعتها في جنوب القطاع و بالتحديد منطقة رفح، اما في السابق فان المتوسط حوالى 600 دونم حتى عام 2002م، منذ عام 2013 توقف الانتاج لغرض التصدير و اصبح الانتاج للاكتفاء الذاتي للسوق المحلية، لذلك خرجت الزهور من مربع المحاصيل التصديرية وباع أغلب المزارعين ممتلكاتهم الخاصة بالزهور وزراعتها لأنها اصبحت دون جدوى لهم، والبعض الاخر انتقلو الة زراعة الخضار".

ومن أصناف الزهور التي تزرع في غزة: اللواند، والجوري، والقرنفل، والخرسيوت، والألمنيوم، والجربيرا، واصناف اخرى مرفقة في الجدول، كما أن عدد مزارعي الزهور اصبح معدودصا ووفق وزراة الزراعة في غزة فإنهم عشرة مزارعين فقط في رفح الغربية وميراج وبيت لاهيا.

وأكد صيام أن إقبال الناس على الزهور اقل من السابق خصوصًا بعد انتشار المُصنّع منها بجميع اشكاله.

مزارع: الزهرة الام مريضة وتحتاج لتغيير لكنها مكلفة جدا

المزارع حسن حجازي من رفح الغربية، يقول لـ"وطن": الاحوال الجوية في هذا الشتاء أثّرت كثيرا على زراعة الورود، اضافة الى ان الشتلة الام مريضة، وتحتاج لتغيير، فهي من اربع سنين موجودة في الارض ولايستطيع استبدالها بشتلة جديدة بسبب تكلفتها العالية، فهو يضطر لشرائها من الاراضي المحتلة او من مشاتل مرخّصة وهي مكلفة فالدونم الواحد يكلّف 15 الف شيقل بالنسبة للقرنفل، والجوري 3 أضعاف، اضافة الى ان البيت الزراعي يجب ان يكون له مواصفات معينة من تكييف ومواصفات اخرى.

ويزرع حجازي قرابة 6 دونمات بالجوري والقرنفل وازهار الخارسيوت، لايصدّر من انتاجه شيئًا كله يذهب للسوق المحلي، فلا كمية تغطّي تكاليف النقل، فهو يقطف 1500زهرة في اليوم واحيانا اقل.

ويؤكد أن هذا العام هو الاسوأ الذي يمر عليه، بالعادة السوق المحلي يشتري منه في المناسبات والاعياد والافراح والمؤسسات في بعض احتفالياتها، أما باقي المواسم سيئة، حتى عيد الحب هذا العام سيء، كانت الاجواء ماطرة لم نستطع القطف والبيع ، العام الماضي أنتجت 40 الف زهرة في الموسم أما هذا الموسم لم نقطف الا 5 الاف زهرة.

تصميم وتطوير