وطن ع وتر ، أم وطن ع وتدبقلم : أيمن النمر

09.08.2011 12:40 PM

معذرة لكل القراء الكرام ، فالأمر لا يحتمل المجاملة ، وإنما يجب تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية.

نعم ، هناك من يضع الوطن على وتد ، دون أدنى وازع أو رادع وعلى رؤوس الأشهاد. لن أوجه كلمة الى القائمين على انتاج ما يسمى " مسلسل وطن ع وتر " الذي يبث على شاشة فضائية فلسطين. فأنا ادعي أنه من حق الجميع أن يجتهد في "الفن" على قاعدة  الفكر المنفتح ، بدون حجر على الرأي ، وللجمهور أن يحكم في النهاية.

لكن أوجه كلامي الى القائمين على شاشة فضائية فلسطين ، وليكن صدرهم رحباً لما سأقول.

أنا كفلسطيني معتز بهويته وثقافته وتاريخه ، من المتابعين للإعلام الفلسطيني ككل ، ومن الساعين – وبتواضع -  الى تطوره، وأعتبر أن فضائية فلسطين هي صوتي الإعلامي الذي يمثلني أمام العالم الخارجي ، شئت أم أبيت .

هناك عدة تساؤلات أضعها بين يدي القائمين على شاشة فضائية فلسطين ، برسم التوضيح والإجابة:

-        هل تطلع جهة تحريرية ما في الفضائية على محتوى الحلقات "للمسلسل" المذكور قبل البث ؟ أم أن البث يتم على مسؤولية كاتب المسلسل – إن كانت هناك كتابة أصلاً - ، فمن الواضح أن الحوار يتم بشكل ارتجالي ، ويفتقر لأدنى أساسيات ومقومات العمل الدرامي ، وهو أقرب الى الهلوسة من الكلام الواعي ، حتى لو تعاملنا مع الأمر على أنه سكتشات وقفشات خفيفة ، وأستطيع أن أدعي أننا لو صورنا أي حوار ارتجالي يدور بين شخصين على أي مقهى في الشارع فإننا سنحصل بالضبط على نفس النتيجة ، وربما أفضل منها . فإن كان هناك من يطلع على الحلقات قبل البث ويقبل بها ، فتلك مصيبة .. وإن كان لا يطلع عليها ، وتذهب الحلقات الى البث مباشرة ، فالمصيبة أعظم.

-        هل هناك معايير لدى فضائية فلسطين ، تستطيع من خلالها أن تصنف الأعمال الفنية مسبقاً ، على أنها لائقة أم لا ؟ وما هي تلك المعايير ؟ و أود أن أشير الى أن بعض الحلقات الأوائل قد احتوت على الفاظ وإيحاءات مبتذلة ولا تليق بالمشاهد العربي ، وتحرج الأسرة أثناء مشاهدتها ، ناهيك عن أننا في شهر فضيل.

-        هناك من سيقول وما الضير في عرض تلك الألفاظ والإيحاءات ، فالناس تتداولها ... وهنا أقول هل على الإعلام – وخصوصاً الرسمي منه - أن يكون ناقلاً لكل لفظ أو سلوك هابط في الشارع على انه سلوك طبيعي ، وتسويقه على أنه ثقافة سائدة ، أم أن على الإعلام أن يمارس مسؤولية إجتماعية وتربوية بحيث يعزز قيم الأخلاق ، وينهض بالثقافة ، ويمارس دوراً تنموياً ، لا أن يكون مروجاً  للهبوط والإبتذال. كما أورد أنه في محطات التلفزة العالمية هناك عرف ونهج ، يقضي بأن يتم بث بعض المواد التي يشك بعدم ملاءمتها لجميع أفراد الأسرة وذلك في وقت متأخر من الليل ، مع وضع إشارة تحذيرية واضحة على الشاشة. هذا إذا كنا مضطرين لبث تلك المواد أصلاًّ.

-        تعلم فضائية فلسطين أن هناك فقراً في الإنتاج الدرامي الفلسطيني لأسباب متعددة ، ولا مجال لسردها في هذا المقام. وبالتالي فإن كل عمل درامي محلي يتم بثه على فضائية فلسطين سيحظى باهتمام في الداخل والخارج ، من باب نظرية العرض والطلب ، وكونه يقع ضمن باب الندرة ، بالتالي فإن العمل الفني الهابط سيشكل ضربة قاصمة لهذا القطاع ، كما سيعكس صورة للمشاهد العربي خارج فلسطين ، بأن هذا الشعب الفلسطيني، الذي خرج من الشعراء والأدباء والمثقفين والعلماء والقادة العظام ، هو شعب ضحل ، يقبل بأي شيء وبكل شيء ، فاقد القدرة على التمييز بين الصالح والطالح ، إمعة ينقاد دون اعتراض. وإلا فكيف يمر عمل كهذا بهذه السطحية وهذا الهذيان ، على القناة التي تمثل صوت الفلسطينيين وصورتهم في الخارج. ولكي لا أفهم بشكل متجن ، فإنني أشير الى أن المسلسل المذكور كان قد حمل مضامين ايجابية وجريئة في بداياته قبل عدة سنوات ، وكان لافتاً للإنتباه بشكل ايجابي .. ولكن بالتدريج بدأت البوصلة بالإنحراف ، وأشهرت إفلاسها في العناوين والمضمون و المعالجة.

-        هناك من سيقول : "إذا مش عاجبك .. غير القناة" . وهنا أقول لا ، مش عاجبني ولن أغير القناة ... لماذا .. لأنني ببساطة لست نعامة ولا أدفن رأسي في الرمل .. ويجب أن يكون هناك من يصرخ ويقول لا عندما يتطلب الأمر!! كما أنني واحد من دافعي الضرائب الملتزمين ، وهذه الضرائب هي التي تشغل مؤسسات القطاع العام التي منها فضائية فلسطين .. شاؤا أم أبوا .. وبالتالي لي كامل الحق في الإعتراض. يستطيع من يشاء انتاج "مسلسل" بأموال من يشاء من الممولين ، هو حر ... لكن أن يبث "المسلسل" على هوائي وهواء كل فلسطيني كما يشاء .. فبالطبع لا .. ليس حراً.

-        هنا سأوجه كلامي الى شركة "جوال" التي ترعى بث المسلسل .. أنا اتفهم أن جوال تسعى بشكل أساسي الى الوصول الى كافة شرائح الشعب الفلسطيني من خلال رعاية الكثير من النشاطات الثقافية والفنية ، وهو أمر مشروع . وأعرف أن جوال لديها "مسؤولية اجتماعية" كما تعلن دائماً .. وهنا من باب العتب على جوال .. ألا يجدر بكم أن تدققوا ، أين يجوز أن تنفقوا ، وأين لا يجوز .. يجب أن تكون هناك وقفة مراجعة وتأمل.

إذا كان هناك بعض المصفقين "للمسلسل" من باب مساندة حرية التعبير المطلوبة ، فلا اسمح لنفسي بوصفهم بصفات تسلبهم أيضاً حقهم في التعبير ، ولكنني أهمس في أذنهم ، وأذن كل صانع قرار .. أرحمونا ، وأرحموا ثقافتنا ، وارحموا صورتنا أمام العالم ، وارحموا أجيالنا وشبابنا ، وأوقفوا السير في هذا التيه ، ولا تجعلوا من حرية التعبير مطية تركبون صهوتها لتدوسوا على الفن النقي والنظيف ، وتضعوا الوطن على وتد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير