حينما تتعامل الاصوليات المتنافسة مع المجتمع

19.02.2017 07:59 PM

وطن: كتب سينا اودوغبيمي

احد اسباب شعور العالم بانه متفكك غي هذه الفترة هو وجود ملايين من البشر تبدو ناسية للدروس المستقاة من ويلات التاريخ البشري الذي لا يتم الحديث فيه... الحروب، المذابح، نوبات الغضب. وبالنتيجة نسوا احد الانجازات الرءيسية لليبرالية الدستورية. الفكرة بسيطة لكنها صعبة على ان تكون معتادة كسلوك يومي الى ما لانهاية ، عندما نختار كشعب العيش معا في ديمقراطية ليبرالية دستورية في اي مكان في العالم فان ما لدينا هو اتفاقية رقيقة وليست سميكة، يشمل الدستور الليبرالي اطارا اجماعيا لا اكثر، نتفق فيه على القواعد الاساسية للعيش المشترك في نفس المجتمع السياسي وكيف يمكن ان تشكل الحكومات من خلال الدستور وكيف تنتهي ولايتها، كما تحدد صلاحياتها وهكذا..

بمعنى آخر فانه من اجل العيش في ديمقراطية ليبرالية دستورية، لا يجب علينا ان نعبد نفس الصنم، وليس علينا ان نتفق على ما يجب ان تكون عليه الحياة بالتفاصيل، ليس مهما ان ننتمي لنفس المجموعة الاثنية او القبيلة او الامة، مرة اخرى اتفاقيتنا بسيطة ، ليست فاخرة، ولا فخمة ، نحن نتفق على ترك كل انسان بالغ عاقل يحدد طريقته الخاصة في الحياة ان يعبد هذا الصنم او لايعبده، ان يختن ابنه او لا ... وهكذا. هذه الافكار البسيطة قوية جدا انها بعبارة اخرى : " عش ودع غيرك يعيش"، وقد ادى هذا الى عقود من السلام في كثير من التجمعات السياسية ، كما وفر متسعا للازدهار الانساني  والتنمية.

لسوء الحظ فان هذه الفكرة البسيطة ايضا هشة، حيث ان احد اسباب الصراع الاهلي الرئيسية في كثير من التجمعات السياسية في العالم اليوم هو ان ملايين المواطنين استندوا كليا الى تملق الايدولوجيات النضالية الشاملة ، هذه الايدولوجيات التي تنبع من وتعبر الطيف السياسي ويمكن ان تكون متدينة بالطبيعة. هذا اقتباس مأخوذ بنفس الوقت من اصوليين عرب ويهود.. انهم يفهمون ما يريدون، ما هو مشترك بين هذه الايدولوجيات هو مناهضة العيش المشترك، انهم يذهبون الى الانتخابات بهدف وحيد هو السيطرة على الدولة لاجل فرض رؤيتهم حول ما يجب ان تكون عليه الحياة، هنا يكون الشعار: " المؤمن الحقيقي هو شخص يمكن ان يقتلك لاجل مصلحتك". ولان هذه الايدولوجيات لا تحترم استقلالية المواطنين، فانها لا تريد ان تضيع وقتا في اقناع الاخرين في العيش على طريقتهم، انهم يركزون على استخدام القوى القهرية للدولة لفرض وجهة نظرهم على كل الافراد، انهم يسعون للسيطرة على الاجسام التشريعية ، والاجسام التنظيمية من كل الاصناف بحيث يبلغون كل المختلفين معهم  بقولهم " ان طريقنا اليوم هي قانون الارض". ان الميدان  الاساسي للمعركة هو تنظيم الحياة الخاصة من خلال القوة القهرية للدولة وهناك كثير من الامثلة على ذلك.

افرض انني اعتقد ان الحياة تبدأ من الحمل، ولهذا فان الاجهاض هو قتل للحياة، طبعا هنا سأمتنع عن الدفع مقابل الاجهاض، ولكن ربما يكون هناك شيء آخر اسعى من اجله للسلطة من اجل منع الاجهاض، ولو كنت مصرا  على ان المرأة التي تختلف معي لا حق لها في الاختيار. ان المعركة تدور حول هذا في اكثر من مكان.

المثال الثاني:  افرض انك تعيش في دولة ديمقراطية، وهناك بعض النساء من اقلية دينية ولنقل انهن مسلمات، اخترن ان يلبسن لباسا يغطىي كل الجسد بما فيه الوجه (البرقع)، او انهن يغطين اجسادهن عندما يذهبن الى الشاطيء للسباحة ويلبسن البوركيني. اذا كنت ليبراليا اجتماعيا بصبغة عميقة يمكن ان ترى ذلك مستفزا ، السؤال هو: هل ستسعى لاستخدام لسلطة الدولة لمنع هذا النوع من اللباس؟

ان النتيجة سيئة الحظ للصدام بين الاصوليات المتنافسة – المعرفة هنا بالسعي الى السلطة لاجل فرض نظرة واحدة لما يجب ان تكون عليه الحياة – ان القادة وتابعيهم يسعون الى نصر كامل، انهم لا يريدون النقاش مع من يخالفونهم الرأي كما انهم بالتأكيد لا يرغبون في التسامح مع المختلف. انهم يريدون سحق المختلفين معهم، وبالنتيجة يصبح الحيز العام مليء بالنغمات المتنافرة لمكبرات صوت كبيرة  تطلق تهجمات تقوم على المشاكسة، او مواقع التواصل الاجتماعي التي تقوم من خلالها بحصر من تتعامل معهم ممن يشاركونك الفكرة حول ما يجب ان تكون عليه الحياة، من خلال اي جسم واي احساس. خلال الانتخابات تصبح الرهانات السياسية عالية وتصبح التسويات سبه مستحيلة، يختفي الوسط المتزن. في التجمعات الهشة، تكون النهاية حربا اهلية دامية وعنفا شديدا.  

بهدف خلق تعايش سلمي مع الاخرين المختلفين في المعتقد او القيم في الفلسفة السياسية الغربية ، كان التسامح اول ما نوقش خلال الحروب بين الاديان خاصة بين الكاثوليك والبروتستانت. حيث فشلت كل محاولات فرض دين واحد، وتم احلال التسامح محل  الافتراض بان يتطلب الاستقرار السياسي دينا مشتركا، لقد امتد هذا المبدأ الى مناطق اخرى من الاختلاف الاخلاقي والقيمي  بما فيها التوجهات الجنسية والمعتقدات السياسية...

بحزن نقول: ان اولئك الذين تخلوا عن التسامح لصالح الايدولوجيات الشاملة والقتالية مدانون من قبل دروس التاريخ القاسية.

عن  موقع البنك الدولي، ترجمة جبريل محمد

تصميم وتطوير