خالد بطراوي يكتب لـ"وطن": دبور ما في ..... عسل

20.02.2017 07:44 AM

ذات يوم، قال لي والدي – رحمه الله – أن "حزيرة" كتبت على جدار قرب باب العامود في البلدة القديمة بالقدس تقول " دبور ما في ...... عسل " وكانت الاجابات متنوعة أيضا مكتوبة على ذات الجدار .. الى أن كتب أحدهم " الأمريكان" ويبدو أن من كتب الحزيرة قد عاد ووضع اشارة (صح) عند الاجابة.

اذا جواب الحزيرة التي كتبت ذات يوم على جدار قرب باب العامود " دبور ما في ..... عسل " هو " الأمريكان" وليعذرني القارىء الكريم لاضطراري حذف الكلمة الناقصة في المثل الشعبي خوفا من أن يتم توجيه تهمة لي بأنني ان نشرت الكلمة فأكون بذلك قد خدشت " الحياء العام"، أو هددت السلم الأهلي.

ما الذي نتوقعه من الادارات الأمريكية المتعاقبة؟ هل نتوقع أن تصفق لنا؟ هل نتوقع أن تنقلب مائة وثمانين درجة وتقول أنها مع حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وغيره من شعوب العالم؟ هل نتوقع أن تعلن بملء الفم أن اسرائيل دولة محتلة أقيمت على أنقاض عملية تهجير وتشريد للشعب الفلسطيني؟

هل تعتقدون أن الرئيس الأمريكي أيا كان، وعلى امتداد قافلة الرؤساء الأمريكان، هو صانع قرار بشكل منفرد، أم أنه حجر شطرنج تحركه مجموعات متجانسة من كبار مصدري الأسلحة في العالم والمخدرات والعقاقير والأدوية وكذلك اللوبيهات السياسية المختلفة وبضمنها المحافظون الجدد واللوبي الصهيوني.

ذات يوم، مطلع الانتفاضة الفلسطينية الاولى المباركة، التقى مجموعة من الفلسطينيين كنت من بينهم، الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في الفندق الوطني بالقدس، وقد طلب مني أن اقدم شرحا حول الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية المحتلة، واستمع الرئيس الأمريكي بشكل جيد، وربما كاد أن يبكي وشد بحرارة على أيدينا، لكنه لم يدل للصحافة بأي تصريح على الأقل يبدي فيه " قلقه" ( كما يفعل دوما الأمين العام للامم المتحدة) ازاء تردي أوضاع حقوق الانسان في الارض المحتلة، بل على العكس عندما التقى بعض المسؤولين الاسرائيليين بعد اللقاء بنا، أعرب عن تأييده لحق الكيان الاستعماري الاحتلالي في الدفاع عن نفسه أمام انتفاضة الحجارة التي وصفها بـ " العنف الفلسطيني".

لاحقا، بعد أن انهى جيمي كارتر فترة رئاسته، أسس مؤسسة " كاتر – مينيل لحقوق الانسان" وانبرى (عجبتني انبرى هاي) يدافع عن المضطهدين في الأرض، مرتديا بذلته الأنيقة وربطة عنقه، وملمعا حذاءه.

هذه هي المعادلة أيها الأحبة، أي رئيس أمريكي ينتخب للولاية الرئاسية الأولى، سيسعى جاهدا كي يتم التجديد له لولاية ثانية، ولذلك ثمن، تقبيل أحذية والانصياع لاوامر الاحتكارات العالمية واللوبيهات المختلفة ومنها اللوبي الصهيوني. وفي فترة الولاية الثانية يحاول أن " يعنفص" قليلا، وعند انتهاء ولايته يكتب مذكراته ويصبح مناصرا للشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال أو الصراعات الداخلية، وقد يمنح جائزة سلام دولية.

قرأت بتعمق أكثر من مرة كتاب الرئيس الأمريكي جيمي كارتر " لماذا لا ننشد الأفضل" وضحكت سرا وعلانية، فالكاتب أفضل نظريا من " مارتن لوثر كيننغ، وأبراهم لينكولن، والمهاتما غاندي، بل وتشي جيفارا".

اذا، لا تستغربوا أبدا من تصريحات الرئيس الامريكي الجديد "ترامب" فهو يريد ارضاء أولياء نعمته، يعد بنقل السفارة الامريكية الى القدس، ويصرح أن حل الدولتين لم يعد منظورا في الأفق، وتوقعوا أعزائي المزيد من التصريحات النارية، التي تهدف الى خلق حالة من ردود الفعل الكلامية ليس أكثر للحياد عن الفعل الحقيقي على أرض الواقع من الساسة العرب والفلسطينيين.

أتذكر هنا على وجه التحديد، مقولة الطاهر وطار في روايته " اللاز" اذ يقول " ما ببقى في الوادي الا حجاره"، وتحضرني هنا مقولة لا أعرف حقا كاتبها تقول بأن " للشعب الفلسطيني خاصية المسمار، كلما طرقت على رأسه ازداد ثباتا".

لا تأبهوا كثيرا لتصريحات ترامب أو غيره، ولا تسعوا الى نيل العسل من الدبور الأمريكي، فالدبابير لا تنتج عسلا، ويكفيكم أن ترصدوا كل جمعة، وفي المناسبات الدينية الاسلامية والمسيحية هذا الزحف الفلسطيني البشري الى القدس.

دبور ما في ....... عسل ... حزيرة جوابها الأمريكان، وما ببقى في الوادي الا حجاره، وكما يقول تميم البرغوثي " في القدس .. من في القدس ... لكن لا أرى في القدس ... الا أنت.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير