الاحتجاجات في "اسرائيل" ليست ازمة مساكن...بقلم: عوني صادق

10.08.2011 07:30 AM

تجتاح الكيان الصهيوني منذ أسابيع موجة من الاحتجاجات عنوانها “أزمة المساكن” . وبينما يحاول بعض المحللين السياسيين في الكيان إبقاء المسألة في هذا النطاق المحدود، هناك من يرى الأمر أبعد وأعمق، بل وأخطر من ذلك بكثير . ويكاد يكون هناك شبه إجماع بين المحللين “الموضوعيين” بأنه صحيح أن المطالب اجتماعية إلا أن جوهرها سياسي، وإن لم يرفع أحد بعد شعار إسقاط النظام .

وتعتقد الكاتبة “الإسرائيلية” سيما كدمون أن الاحتجاجات لا تهدف لخفض كلفة السكن، بل يتطلع أصحابها إلى تغيير النظام الاقتصادي- الاجتماعي السائد في الكيان . ويؤيد هذا الرأي المحلل السياسي “الإسرائيلي” يوسي فيرتر، ويؤكد أن حكومة نتنياهو تواجه أخطر أزمة داخلية منذ تشكيلها، وإن الاحتجاجات الحالية هي نتيجة تحالف الطبقات الدنيا مع الطبقة الوسطى .

على أن بعض المحللين يرون أن جذر الأزمة الراهنة التي تجتاح الكيان يكمن في الأموال التي تصرف في عمليات الاستيطان وعلى بناء المستوطنات . مع ذلك، فعمليات الاستيطان لا تتوقف وصرف الأموال على المستوطنات، مستمر، وحالياً بحجة “أزمة المساكن” . وقبل أيام (الخميس 4/8/2011)، صدقت وزارة الداخلية وبشكل نهائي على بناء 930 شقة جديدة في مستوطنة (هارحوما) في جبل أبو غنيم، جنوبي القدس الشرقية المحتلة . وفي المناسبة قال وزير الداخلية إيلي يشاي (زعيم حزب شاس الديني): “إننا مستمرون بالبناء في القدس مثلما هي الحال في جميع أنحاء البلاد، وضائقة العقارات شديدة ولن نوقف مشاريع البناء” .

ولعل السؤال الذي يرد على الذهن، الآن، هو: ما هي العلاقة المفترضة بين الاحتلال والاستيطان من جهة، وبين “أزمة المساكن” والاحتجاجات الجارية من جهة أخرى؟ قد يتصور المرء للحظة أن المستوطنات وبناءها وتوسيعها يفترض أن يسهم في حل الأزمة، إن لم يقدم لها الحل، وهو ما اعتبره يشاي مبررا لمواصلة بناء المستوطنات، لكن هناك من يعيد الأزمة إلى ما يصرف على المستوطنات، فكيف ذلك؟

هنا لا بد من التوقف قليلا للتذكير بمفهوم بنيامين نتنياهو الاقتصادي، للمساعدة على الفهم . قبل إعلان قيام (دولة “إسرائيل”) قاد حزب (مباي) جهود الحركة الصهيونية، (والذي أصبح اسمه بعد تغيرات طرأت عليه حركة العمل)، وكان يدعي الاشتراكية وأقام مستوطناته الأولى (اليشوف) على أساس هذا الزعم . لكن بعد إقامة الدولة بدأت الأمور تسير شيئا فشيئا في اتجاه آخر، إلى أن وصل حزب (الليكود) بزعامة ميناحيم بيغن إلى السلطة عام ،1977 فاتضح التوجه إلى اقتصاد السوق، وعرف أن بنيامين نتنياهو هو أحد أشد أنصار الحرية الاقتصادية . ويرى شلومو أفنيري (هآرتس- 4/8/2011)، أن (الليكود) تبنى نموذج رونالد ريغان ومارغريت تاتشر المنفلت وبلا ضوابط، وأن “الاحتجاج الجماهيري المتدحرج الآن هو تحصيل حاصل التشويهات التي خلقها اقتصاد سوق غير مكبوح الجماح” . ويضيف أفنيري: “رافقت ذلك لاعتبارات سياسية وائتلافية منظومة شاملة من الدعم الحكومي للسكن، العمل في القطاع العام، والتنزيلات المبالغ فيها في الضرائب للقطاع الاستيطاني والديني الأصولي . هذان القطاعان مدعومان حملا على أكتاف الضرائب والخدمة العسكرية والإنجازات الاقتصادية لأولئك الشبان والشابات الذين يتظاهرون” .

وفي صحيفة (هآرتس- 5/8/2011)، تساءل آري شافيت عما يؤمن به نتنياهو، ورأى أنه (نتنياهو) لم يعد يؤمن ب”أرض “إسرائيل” الكاملة”، ولا بالسلام، ولا بالمستوطنات، ولا بتقاسم البلاد، لكنه “يؤمن بزيادة القوة . وهو يعتقد أن دولة الحصار “الإسرائيلية” لا تستطيع البقاء إلا إذا أصبحت قوة اقتصادية . وهو على ثقة بأن الخصخصة هي الطريق إلى جعل “إسرائيل” قوة اقتصادية” . ما يقوله شافيت يطرح التساؤل التالي: إذا قبلنا بما يقوله عن نتنياهو، لماذا إذن يرفض نتنياهو السلام، ويواصل مصادرة الأرض، وبناء المستوطنات؟ الحقيقة أن نتنياهو لا يؤمن بالسلام، ولذلك هو يتمسك بالاستيطان، وعدم إيمانه بالسلام وتمسكه بالاستيطان نابعان من تمسكه ب”أرض “إسرائيل” الكاملة”، على عكس ما يقول شافيت .

يقول أمير أورن في صحيفة (هآرتس- 13/7/2011): “اثنتان فقط من دول العالم لم تسلما حتى الآن بوجود (“إسرائيل” في حدود 1967 مع تعديلات طفيفة متفق عليها)، إيران و”إسرائيل” نفسها” . ويضيف: ““إسرائيل” الكبرى المشتملة على (المناطق) والمستوطنات تعوق “إسرائيل” الصغرى عن بذل أكبر الجهد لإحراز السلام والأمن” . ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أن التمسك بالاحتلال والأراضي المحتلة يجعل كل مبادرات السلام تفشل في الوقت الذي تزداد فيه المخاطر الأمنية على “إسرائيل” نتيجة لذلك . إزدياد المخاطر الأمنية التي يواجهها الكيان يفرض زيادة الإجراءات الأمنية، وكذلك زيادة مخصصات التسلح باستمرار على حساب تحسين ظروف حياة الناس

إنها ليست أزمة مساكن، إنها أمراض “دولة إسرائيل” بدأت تخرج إلى العلن . وكما كتب أحدهم “هناك طوفان غضب وخيبة أمل وإذلال وعجز، قرر حاملوه في لحظة واحدة أن يقلبوا الأمور رأساً على عقب، ومن الصعب إعادة هذا الغليان إلى الزجاجة بالسبل المعروفة” .

                                                                                    عن جريدة الخليج

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير