عدنان رمضان يكتب لوطن .. خريجو الجامعات ومأساة البحث عن عمل

21.03.2017 09:36 PM

المجتمع الفلسطيني  كغيره من المجتمعات العربية مجتمع شاب وفتي،  بنسب تتجاوز ال 30%  في الفئة العمرية ما بين  الثامنة عشر والثلاثين ، وبمقدار ما تعتبر هذه  السمة ميزة ايجابية لدى العديد من الشعوب حيث يعتبر المجتمع شابا وغني بثروته البشرية وبالامكانيات الناتجة عن ذلك وبقدرته على العطاء وتوفير احتياجات كافة قطاعات المجتمع الاخرى  لكن هذه الميزة في بلادنا قد تحولت إلى تحدي ومعضلة كبرى ،  خصوصا ونحن نعيش في منطقة تعاني من ازمات كبرى وفشل ذريع في النهضة والتحرر و البناء والتنمية، وسياقات من العنف والقتل والتدمير الوحشي المغلف بالمقدس و وهيمنة اجندات وتيارات عديدة لا تعطي للانسان وكرامته  اية قيمة واهمية  

نحن في فلسطين ، وحتى تكتمل التراجيديا والمأساة ،فاننا زيادة على ما ذكر فان الشباب الفلسطيني  الذي عانى ويعاني  التهجير والاقتلاع والاضطهاد والاحتلال بابشع صوره الفاشية والعنصرية - يواجه تحديات اقتصادية اضافية غير تلك الناتجة عن سياسات الاحتلال المباشرة وانما ايضا مرتبطة بالسياسات والاداء العام على المستوى الذاتي الفلسطيني  مما يعمق الازمة وينذر بنتائج قد تكون وخيمة على فئة الشباب تحديدا وعلى المجتمع بشكا عام.

عندما نتحدث عن ماساة الشباب والخريجين  فاننا نتحدث عن فئة  مجتمعية على درجة قصوى من الاهمية  تشكل الذخر الاستراتيجي الاساسي لشعبنا الفلسطيني ، لكننا بشكل باخر قدناها إلى حالة مأزومة ومتردية اقل ما يقال فيها هو اننا ساهمنا وبطرق مختلفة في ان نجعلها تعيش مجموعة من الظروف والعوامل السلبية عالية التعقيد والتي بدورها انتجت خيارات محدودة وصعبة وظهرت احدى تجلياتها  في واقع التشغيل التعيس وما ينتج عنه من بطالة واسعة ومتزايدة في صفوف فئة الخريجين ونحن ننتظر ونراقب بسلبية كبيرة استمرار هذه المأساة والنتائج الوخيمة التي تعيشها النسبة الكبرى من هذه الفئة وايضا اثار ذلك على الشعب الفلسطيني وعلى قضيته .

حسب الاحصاءات الرسمية فان الاحصاءات المتفائلة لنسب البطالة في الضفة الغربية وغزة مقلقة للغاية حيث تشير الارقام إلى ان اكثر من 200 الف عاطل عن العمل كليا في غزة وما يزيد عن 170 الف في الضفة  وهذه الارقام في الحقيقة حسب  البعض هي اقل بكثير من الارقام الحقيقية التي تختفي خلف عوامل جندرية وعدم الثقة بالمؤسسة والاتحادات وما إلى ذلك ، هذه الارقام هي جزء مهم جدا في  قوة العمل التي تحتل فيها الفئة الشابة المساحة الاكبر .

عشرات الالاف  من الخريجين من جامعاتنا الفلسطينية ومن غيرها وفي مختلف التخصصات  ينضمون إلى فئة العاطلين عن العمل اكثر من اربعون الف خريج لا يجد ربعهم   فرص للعمل ( الاحصاءات تتحدث عن 16% فقط ينتقلون من الدراسة إلى سوق العمل ) اما الثلاثة ارباع  الاخرى اي ما يزيد عن 25 -30 الف خريج جامعي ينضمون سنويا إلى صفوف العاطلين عن العمل ،  وهي   حالة ممتدة لسنوات عديدة خلت  وستستمر حسب معطيات الواقع لسنوات قادمة اخرى ، انها   ازمة كبيرة تتعمق وتتعقد وتتفاقم مع مرور الوقت،  ولا تنذر المعطيات الحالية باية اشارات ايجابية للتعامل مع هذه القضية في ايامنا هذه.

المستقبل الوظيفي للخريجين والطلبة بات احد الهموم الاساسية وجزء من الحكايا اليومية للناس و للاسر الفلسطينية فلا يكفي التغلب على الصعوبات التي ترافق عملي التعليم في ظروف الاحتلال والقهر والفقر بل يضاف اليها الازمات التي ترافق حالة البطالة لهذه الفئة وما يصاحبها من مشكلات ومخاطر عديدة والمرور  الإجباري في النفق المظلم  لعمليات الاستغلال البشع من قبل راس المال الجشع .

بعض "المحظوظين " من هؤلاء الخريجين يجدون فرصة عمل غالبا ما تكون مؤقتة  في مجالات مختلفة ليس لها علاقة  بمؤهلاتهم وباجور متدنية جدا بل انهم يتنافسون وبقوة حتى تتوفر لهم فرص العمل هذه ولو بهذه الشروط المجحفة  وهم يقبلون بذلك على مضض  لكن البعض منهم يلجا  إلى العمل  في سوق العمل " الاسرائيلية "   في مجالات البناء والخدمات والصناعة  وحتى نكون اكثر صراحة يكون ذلك غالبا في المستوطنات التي بنيت على اراضيهم مما يترك جروحات نفسية عميقة وما ينتج عن ذلك من تداعيات خطيرة عليهم وعلى المحيطين بهم كذلك فانه لا  حاجة للحديث عن المعاناة التي يمر بها العامل الفلسطيني في هذه السوق  وما يتضمنها من اتهامات  حتى من قبل جهات " مسؤولة ".

  المثير في الموضوع ان الكثيرين ينظرون بعين الحسد لاولئك الذين يعملون  في السوق "الاسرائيلية " سواء بشكل " شرعي " او تهريب عند مقارنتهم  لشروط ومردود العمل في السوق الفلسطينية او عندما يرون مرارة العوز والحاجة الناتجة عن هذه البطالة .
  كيف وصلنا إلى مرحلة يكون فيها حلم وطموح الالاف من الشباب الجامعيين  هو فرصة عمل في مصانع ومزارع وابنية المستوطنات وما يرافقها من غربة وانفصام ، كيف وصلنا واوصلنا  قطاع ليس يسير من شبابنا وخريجينا إلى حالة من الضياع واللامبالاة والتوهان وزدنا عليهم من ضيق الحياة  ومن محدودية الخيارات ؟ كيف  وصلنا إلى حالة  تكون فيها مهمة الدفاع عن البقاء والصمود في هذه البلاد للساعين الكثر للمغادرة عندما تفتح لهم الطرق  إلى مهمة صعبة وشبه مستحيلة 

   كيف يتوقع  المسؤول الفلسطيني ان يفكر  الشاب او الشابة الفلسطينية بعد ان يمضي سنين طويلة  في الاجتهاد والدراسة وبعد ان يستنزف المقدرات المالية والنفسية لاسرته  ليصل إلى تلك اللحظة حيث لا يجد في جيبه  ثمن   المواصلات او القدرة على شراء ساندويشة صغيرة  او حذاء  او غيره من اساسيات الحياة ،  خاصة وهو يرى ان بعض اقرانه من  بعض الفئات  يتمتعون بالوظائف والمراكز والفرص المختلفة ودون وجه حق في حالات كثيرة وذلك نتيجة  تفشي الفساد والمحسوبية والواسطة   والمعايير غير العادلة في التشغيل والتوظيف

الشباب الفلسطيني عموما والخريجين منهم خصوصا يتاثرون بواقع مشوه تصعب فيه رؤية الحدود بين  الصح والخطأ ،والقانوني وغير القانوني و،حتى احيانا بين الخير والشر ، فالواقع ومعطياته المحبطة وما يترافق مع ذلك من فقر وبنية مجتمعية متخلفة  يتراجع فيها منسوب الامل وترتفع فيها مؤشرات الياس لا بد ان يشكل بيئة مناسبة وخصبة للمتربصين على مختلف الوانهم من اعداء ومطبعين ومجرمين وتجار مخدرات وداعشيين  وغيرهم ليسوقوا برامجهم وافكارهم الظلامية وممارساتهم التدميرية مما يعمق الازمة و يزيد الطين بلة .

كثيرا ما نسمع عن تخصيص الجهات المختلفة سواء كانت رسمية ا واهلية او مؤسسات مجتمع مدني  جزء كبير من برامجها وميزانيتها لانشطة ومشاريع وبرامج تتعامل مع قضايا تهميش الشباب وتعزيز مشاركتهم  ولكننا في النتائج نسمع جعجعة ولا نرى طحينا  والتغيرات في كل الاتجاهات الا في الاتجاه الصحيح ولا نرى سوى والارتفاع المتزايد لعوامل الطرد ومزيد من مؤشرات الاغتراب الاحباط والغضب والاغتراب بين الخريجين الشباب .

الحلول الجزئية والمؤقتة في التنمية لا تحل المشكلة ,بل قد تزيد الطين بله وفي احسن الاحوال هي مجرد تاجيل او اخفاء لحقيقة وضخامة وعمق الازمة .

نحن في امس الحاجة إلى اعادة الاعتبار للتوجهات والبرامج الوطنية التي تربط بين مسار التمية الشعبية ومسار التحرر بعيدا عن التضليل وبيع واستهلاك وهم البناء في ظل الاحتلال , مشكلتنا الاساسية تكمن عدم سيطرتنا على مقدراتنا وثرواتنا وارضنا ومائنا وهوائنا وبعد ذلك في سياسات اللبرلة التي تفرض علينا بقرار خارجي اومن فئة المتربحين بين ظهرانينا 

ما يحتاج اليه خريجونا وشبابنا هو سياسات تضمن حد ادنى من العدالة الاجتماعية ومنع الاحتكارات، سياسات تشجع االعودة للارض والعمل فيها سياسات تبنى على الاستثمار المعرفي في وعي وقدرات االشباب ولصالحهم  وليس في مصالح الاثرياء واصحاب النفوذ .

ما يحتاج اليه خريجونا وشبابنا هو ان يروا عملا جادا لاستعادة ثقة ابناء الشعب الفلسطيني  في قيادته للاستفادة  من وحدة وتنوع ظروف عيش مكونات الشعب الفلسطيني في المهجر  لتعزيز صمود الفلسطيني 

ما يحتاجه الخريجين هو مواقف صارمة وجماعية من الفساد و المحسوبية والواسطة والاستغلال الشخصي للعام وظيفة او اموال ومقدرات.

ما يحتاجة البلد والشباب هو اعادة النظر في سياسات التعليم والقيم لمرتبطة بالشغل والتشغيل والانتقال إلى تعليم يتعامل مع الاحتياجات المجتمعية ويساهم في تعزيز ثقافة الانتماء  ويمتن ويصلب النسيج المجمعي

  ما يحتاجه خريجونا هي بارقة الامل بمستقبل افضل وتضامن ومساندة مجتمعية ، دفعة صغيرة تمكنهم الانطلاق للمشاركة الفاعلة و الابداع لترميم هذا الجسد المثخن بالجراح  .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير