مساواة مدنية، ولكن ليس في كل الحالات

26.03.2017 09:17 AM

رام الله- وطن: يكتب د. شوكي فريدمان، من المعهد الاسرائيلي للديموقراطية، في "هآرتس" ان شرعية اسرائيل كدولة قومية يهودية تتعرض للهجوم من الداخل والخارج. من الخارج يأتي الهجوم من اليسار الراديكالي في اوروبا والولايات المتحدة وانصار حركة المقاطعة BDS. ومن الداخل، من قبل قادة الأقلية العربية في اسرائيل. فالوثيقة التي تحمل عنوان "الرؤية المستقبلية للعرب الفلسطينيين في اسرائيل" والحوار القومي الحالي لقيادة الاقلية العربية الذي يعتمد على هذا النص، يرفضان قيام اسرائيل كدولة يهودية.

بسبب الفجوات، التي تبدو وكأنه لا يمكن جسرها، بين مفهوم الغالبية اليهودية ومفهوم الاقلية العربية حول طابع الدولة، هناك ميل الى تجنب الانشغال في مسائل الهوية الكبيرة لصالح المسائل اليومية. تجنب الانشغال في قضايا الهوية، والتخلي عن محاولة التوصل الى تفاهمات في القضايا الجوهرية يعتبر خطأ سيدفع الجانبان ثمنه. الى جانب ذلك، يجب على اسرائيل الدفاع عن نفسها في مواجهة هذه التوجهات، ولكن من خلال منح المساواة المدنية الكاملة للأقلية العربية التي تعيش فيها.

الأقلية العربية تطالب الغالبية اليهودية والدولة بالمساواة الكاملة. الدولة وغالبية مواطنيها اليهود على استعداد لمنح المساواة للأقلية العربية في اسرائيل، ولكن – وهذه لكن كبيرة – هناك فارق عميق بين معنى المساواة في نظر الغالبية اليهودية ومعناها في نظر الأقلية العربية. فبينما تتحدث الدولة والغالبية اليهودية عن المساواة المدنية في الميزانيات وحقوق الفرد وما اشبه، يطالب قادة الأقلية العربية بالمساواة القومية بين الاقلية العربية والغالبية اليهودية، ما يعني اجراء تغيير جوهري في طابع الدولة كدولة يهودية.

خارطة طرق الرؤية القومية للأقلية العربية، هي تلك الوثيقة التي نشرتها لجنة المتابعة العليا لعرب اسرائيل في 2006. منذ ذلك الوقت تعتبر الافكار الواردة في تلك الوثيقة، قاعدة للتفكير القومي لعرب اسرائيل الذين يبلورون استراتيجية عملية لتنفيذها. وثيقة الرؤية لا تعترف بإسرائيل كدولة يهودية. والنص يصرح بأن اسرائيل ليست ديموقراطية وانما نظام عرقي (سلطة المجموعة الواحدة)، وهي نتاج الاستعمار الغربي.

وتسعى الرؤية التي تطرحها الوثيقة لتحويل دولة اسرائيل الى ديموقراطية نظامية – يكون فيها لليهود والعرب الحق المتساوي في آليات صنع القرار القومي ومنح الحقوق والموارد المالية. كما تطالب الوثيقة بالاعتراف بالحقوق القومية لعرب اسرائيل كمواليد البلاد واصحابها الأصليين، واعترافها بالنكبة، وتعويضهم واعادتهم الى أراضيهم. وتطالب الوثيقة بوزن مماثل في رموز الدولة وقوانينها للهوية القومية العربية الفلسطينية والهوية اليهودية القومية. وهو مطلب يعني الغاء هجرة اليهود لإسرائيل.

خلال العقد الماضي منذ نشر الوثيقة، ازداد الحوار حول الحقوق الجماعية والقومية للأقلية العربية في اسرائيل. قادة الجمهور العربي في اسرائيل يرون في هذه المطالب عاملا مشتركا اساسيا لنشاطهم. وينعكس هذا الأمر بشكل بارز في برنامج القائمة المشتركة، الذي يصرح بأن جوهره هو دفع الاعتراف بعرب اسرائيل كأقلية تملك حقوق السكان الأصليين، وفي عمل لجنة المتابعة العليا لعرب اسرائيل. صحيح ان البرنامج لا يرفض بشكل واضح الطابع اليهودي لإسرائيل، لأن مثل هذا الرفض كان يمكن ان يشكل سببا لرفض القائمة، الا ان قراءة البرنامج تقود الى هذا الاستنتاج.

هناك مركب جديد نسبيا في الحوار لدى عرب اسرائيل حول حقوقهم كأقلية أصلية، وهو استخدام القانون الدولي. من اجل ترسيخ الحقوق الجماعية – القومية امام حكومة اسرائيل، يستخدم قادة العرب والمفكرين معاهدات وقرارات الامم المتحدة، التي تمنحهم، حسب رأيهم، حقوق مشابهة لحقوق الغالبية اليهودية في اسرائيل. هذا الحوار هو قاعدة لمحاولات عرب اسرائيل، بقيادة لجنة المتابعة العليا، "تدويل" الصراع بين الدولة ومواطنيها العرب، وزيادة التدخل الدولي ليس في قضايا المناطق فقط وانما في مسائل تم التعامل معها من قبل كمسائل داخلية بين اسرائيل ومواطنيها. هكذا على سبيل المثال، اعلنت لجنة المتابعة العليا عن يوم دولي لحقوق الاقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل.

ابعاد اعتبار العرب لأنفسهم كأصحاب حقوق جماعية اصلية، هي ابعاد دراماتيكية وتشذ بكثير عن الحوار حول الرؤية الطوباوية. تغيير التفكير والحوار ينطوي على محفزات ستؤثر ليس فقط على النقاشات الجوهرية حول طابع الدولة، وانما على حياتنا اليومية كلنا. في نظر الكثير من عرب اسرائيل، فان الخلاف حول الحقوق على الأرض والموارد الاخرى، ليس مسألة مساواة مدنية مستحقة لكل مواطن حسب القانون، وانما مسألة قومية وحجر اساس على طريق بناء الحقوق الجماعية – القومية للأقلية العربية في اسرائيل.  في هذا السياق، يعمل ساسة ومفكري العرب على صياغة الوعي القومي لعرب اسرائيل بهدف خلق وعي جماعي لا يكتفي بأقل من المساواة القومية الكاملة.

المعطيات الرسمية تشير الى ان مواطني اسرائيل العرب يتعرضون للتمييز السلبي ولا يتمتعون بالمساواة المدنية الكاملة. لقد تم القيام بخطوات، ويجب القيام بخطوات كثيرة اخرى، كي يستمتعوا بالمساواة المدنية الكاملة. ولكن هناك مسائل يجب فحصها في سياق اوسع. هناك حالات تملك فيها اسرائيل الحق والواجب في الدفاع عن هويتها كدولة قومية يهودية وديمقراطية.

تصميم وتطوير