نادية حرحش تكتب لوطن "مهاترات وطن" .. ازرع شجرة زيتون من فلسطين

26.03.2017 05:45 PM

وطن: قبل عام، داعبتني فكرة زراعة شجرة زيتون فلسطينية في انحاء العالم، عندما طرحها امامي صديقي الفنان جهاد سعد.

في جلسات متلاحقة مع اصدقاء سوريين اخرين ، استمرت الفكرة بالتبلور ، وقد اقول ان جهاد اقرب الى الجنون عندما يبدأ خياله بالشطح . راقت له الفكرة، التي هي بالاصل فكرته ، وقد اقول انني كنت من اخرجها من رأسه عندما جئته بشجرة زيتون من القدس عابرة بها الحدود، ولكن في لحظات صار يرى وكأن شجرات الزيتون الفلسطينية موجودة في كل العالم . في كل مكان يستطيع ان يصل اليه فلسطيني. في كل مناسبة . ان نحمل معنا شجرة ونغرسها في انحاء العالم .

بقدر ما يمكن ان تكون لهذه الفكرة رمزيتها . بقدر ما يمكن ان تجسد وجود يخلعه الاسرائيليون بمثابرة منذ مجيئهم الى ارض فلسطين. يخلعون الزيتون من مكانه ويبيعونه في احسن احواله بالسوق السوداء ليكون تراثا يتمسك من خلاله اليهود بتواجدهم ، بعدما فشلوا من خلعه وتصفيته كما حاولوا ولا يزالوا مع ابناء هذه الارض.

وكأفكار جميلة كثيرة ، تضيع مع قلة الامكانيات وتغرق في بحر اليأس الذي نعيشه ، تاهت هذه الفكرة . حتى شجرة الزيتون التي جلبتها لجهاد من القدس لم تنج ، وهو لا يزال ينتظر عودته الى سورية. فكان مصرا منذ اللحظة الاولى انه لن يزرعها الا في حديقة بيته في سورية . ولم يقبل ان يعطيها لاحد ان يزرعها مؤقتا ، وخاف من ان يرسلها مع احد الى سورية ولا تجد طريقها الى ارض يستطيع ان يراها فيها من جديد.

ولم تكن مفاجأة كبيرة عندما سمعته يروج للفكرة في برنامج كان هو احد المحكمين فيه (الملكة) قبل عدة شهور . وكأنه كان يبحث عن منبر او اي فرصة ليدعو العالم بأن تكون الزيتونة من فلسطين متواجدة في شتى بقاع العالم .
ولا اعرف كيف تلعب المصادفات دورها هنا ، ولكن عندما ارسلت لي صديقة بالمشاركة بالحملة التي يطلقونها من مؤسسة التعاون ، شعرت لوهلة : " لقد سرقوا فكرتنا " . وسعدت جدا بأن هكذا فكرة قد خرجت ، وطبعا ، لا بد ان هناك من فكر بها وامن بها وعليه خرجت للنور.

وقد تكون مؤسسة التعاون من المؤسسات القليلة الرائدة في العمل بداخل فلسطين ، من خلال مشاريع تؤثر ولا تزال كل يوم في المجتمع الفلسطيني . وقد يكون عمل التعاون في القدس من الاكثر تأثيرا وفاعلية في القدس تحديدا ، في ظل الخناق المحكم على القدس .

حملة ازرع زيتونة في فلسطين او خارجها ، قد تكون في فكرتها الاولى لا تزال بعيدة عن تلك التي استمتعت بالتفكير بها مع جهاد والاصدقاء . ولكن ، بكل الاحوال زراعة الزيتون في فلسطين يبدو وكأنه ذلك الجذر المتأصل في وجودنا. نحن شعب اشبه بهذه الشجرة. لا ريب تكرهها اسرائيل الى هذا الحد . وفي كل محاولاتها لخلعها ، استسلمت بالنهاية وعملتها كجزء من الفكر الصهيوني المبني على فرض وجود على اخر ، وصارت تزرعها في اراضي المستعمرات وعلى مداخل المدن ، لتزيف التاريخ والتراث وتقرب الاسرائيلي اكثر من هذه الارض.

فصرنا نرى شجر الزيتون المخلوع من جنين وطولكرم ونابلس على مداخل مستعمرات كريات اربع ومعاليه ادوميم ومدن اسرائيلية مختلفة، وكأنهم يريدون ان يقولوا ان هذه المدن والمستعمرات كانت مع هذه الزيتونة التي يفوق عمرها مئات السنوات ، ليخلقوا حقيقة جديدة في هذا الواقع الذي شوهوه ولا يزالوا.

الا ان الزيتونة تبقى فلسطينية ... جذورها لا يمكن ان تتغير حتى ولو خلعتها وزرعتها في تربة اخرى . تكبر دائما وتنمو . تتأقلم وتعيش. كالفلسطيني المتشبث بأرضه . يعرف قيمتها و يتغذى ويعتاش ويتظلل منها .

ولم تفارقني فكرة الزيتونة . منذ صغري وانا اتمثل وهذه الشجرة . في كل مرة افكر في جدتي اتذكر الزيتونة في قوتها . وجدتي التي شارفت على الخروج من عقدها الثامن ، لا تزال تشرب فنجان زيت الزيتون صباحا ، تؤكد ان في الزيتون حياة اكبر من تلك التي يقررها لنا الاخرون . بالزيتون وجود يتعدى ما نراه فوق ساق وتحمله الفروع . بالزيتون جذور تمتد الى عمق الوجود في هذه الارض. يشبهنا ويمثلنا ويعكس هويتنا .

لا اعرف ايضا كم كانت مصادفة ان تكون فقرة الزيتون هي الفقرة التي اخترتها لتكون على غلاف كتابي : " أشبه شجرة الزيتون في بلادي. تخلعها من أرضها وتستمر بالنمو. تتركها بلا ماء ولا يؤرقها العطش. وتمر عنها الأزمنة والحضارات والتاريخ وتبقى مثمرة صامدة بها زهو غريب على الرغم من كثرتها ، وعلى الرغم من أنها ليست أجمل الشجرات ولا أبهاها. فلا زهر يثمر بين أوراقها  يلاحظ وجوده أحد . فما تلبث الزيتونة تزهر حتى تتلاشى الزهرة في عمق حبة تتلهف للثمار ..ولا جمال يميز شكلها يلفت الأنظار. إلا أنها باقية موجودة ترى قوتها في ساقها الذي لا يتعبه الكبر ولا الاجتثاث من الأرض ولا الخلع ولا الهز مهما حصل. إلا أنني كنت كما لم أر من شجرة الزيتون العابرة من خلالي والأرض الدائمة بهذا الوطن. هناك حياة ما تختلف عن تلك التي نعيشها بأرض ليست أرضنا وبتربة ليست تربتنا. كشجرة الزيتون المخلوعة من أراضي من يفلحها المزروعة في أرض يرعاها المستوطن ولا يفهم منها وعنها أكثر من جمالية منظرها القديم . كنت أراني بعيون الرجال كتلك الشجرة. جميلة ممشوقة القوام بهية المظهر ،وما يلبث الإقتراب مني حتى يرى في عيوني أسى زمن مرت عنه مصائب الحضارات . فلا يكاد يتظلل تحت أغصاني حتى يظن أن حبات الزيتون المتدلية من بين الاوراق جاهزة للأكل بعد القطاف السهل. فأنا تلك الشجرة وأنا نفسها الثمرة. ولم يكن بمقدور المار مني أن يميز الفرق أو ينتبه . أراد الظل والإستمتاع والأكل. كل في قطفة واحدة . فما يلبث قضم الزيتونة حتى تعتصره مرارتها وتحز قسوة طعمها معدته الهائجة. فيبصقها مستنفرا ويظن أن الزيتون اختلف عليه وأنه لا بد ان يكون هو الزقوم ."

اتمنى ان تلقى حملة التعاون نجاحا باهرا... فنحن بحاجة لتعزيز جذورنا بزيتوننا ... كما هي الحاجة لأن نبقى في هذه الارض صامدين كشجر الزيتون .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير