نادية حرحش تكتب لوطن "مهاترات وطن" .. هل هناك مسؤول في هذا الوطن عن أزمات الشعب المتلاحقة ؟

05.04.2017 06:57 PM

وطن للانباء: اذا ما فكرت بمواضيع تجوب في رأسي منذ مدة ولا يسعني الخوض فيها لأسباب عدة ، منها حالة اليأس الحقيقية التي تملأ فراغات حياتنا في هذا البلد ، والتي تنبع من غياب الامل في اي حل لأي مسألة حقيقية او غير حقيقية عالقة .

هناك حالة من غياب الشرعية بالمطلق، فنحن شعب اقصى ما نستطيع القيام به هو التكلم عن انتخابات لن تأتي ، وحال قائم بسلطة بانتظار امر الله . من المؤسف ان نيأس من ان يكون هناك انتخابات تتعدى السيطرة المطلقة على مجرياتها من الحزب الحاكم ، وان ننتظر فعلا ان يأتي يوم ، تتدخل القدرة الالهية فيه ، وذلك لأن الرئيس بالنهاية لا بد ان يموت ( اطال الله في عمره طبعا) .

وبالتالي فإن محصلة كل شيء مبنية على مجهول قاتم ، لا يوجد ثقة ولا مرجعية بأي امر . مما يجعلنا نبقى كشعب على حافة التوقعات التي لا يترتب عليها شيء دائما .

وعليه، فانه ليس من المصادفة ان الوضع الحالي كارثي ، فلا تبعيات حقيقية لسلطة في مكانها ، وسلطة فعلية تتجه الى الاستبداد مدركة انها تلتقط اخر انفاسها . فنرى دائما قرارات متخبطة يمكن فقط وصفها بعيدا عن اي حكمة .

وبينما تتراكم الامور المهمة ، ولا يمكن التفكير في حل لها ، تبدأ اهميتها بالتلاشي ، فهناك مفاوضات معطلة ، ولكن لايزال هناك جهاز كامل للمفاوضات . هناك مجلس تشريعي معطل ، ولكن هناك نواب مفعلين   هناك لجنة مكافحة فساد والفساد يخر في المنظومة السيادية من اولها الى اخرها . . هناك قرارات اممية نعلن عن انتصاراتنا بها ، ولا يوجد خطوة عملية واحدة تتعدى بعض اصوات الاستنكار لايقافها ، والاستيطان ابرزها . تحولت حياتنا بالفعل الى احياء مهمشة داخل مستوطنات ولا يزال المسؤولين يشجبون على استحياء .

تنتهك الحريات، ونصمت جميعا ، او نصرخ على منابر الفيسبوك ونكتفي بالصياح والذم والتهديد الفارغ . لا نفهم من صاحب الصلاحية بماذا ؟

الشهداء يسقطون يوميا وكأن الامر عاديا . اغتيالات من المستعربين او وحدات خاصة او غيرها تستبيح اراضي السلطة السيادية في شقي الوطن المتشرذم .

الملايين من اللاجئين لفلسطينيين ، والمخيمات اللبنانية تحترق بداخلها والفلسطيني اللاجيء لا يجرؤ الا على حلم عودة او زيارة ، والرسلطة الفلسطينية تصدر جوازات سفر فلسطينية للمطربين والفنانين وكأن هذا الوطن مفتوح لأبنائه ليستقبل غيرهم.
اسئلة مباشرة تثير فضولي ، لا اعرف ان كنت اجرؤ على البوح بها ، ولكني اعتبر الخوض في احدها اولوية، من سيكون وزير التعليم ( المؤقت طبعا ) القادم ؟ ام هل سيبقى الوزير الحالي حاملا للوزارة الى جانب موقعه بالمركزية . من المؤكد ان هناك تخريجة لهذا الامر ، ففي وطن اقصى حدوده مصالح الفرد الشخصية.

الحقيقة انني لم اذكر وزير التعليم على سبيل طرح الامثلة فقط ، ولم استرسل في هذه المقدمة من التهاتر عنوة او حبا في الكلام ، ولكن تحسبا لما سيأتي .

وقد يكون تدخل وزير التعليم مؤخرا في بعض مراكز جامعة القدس واشكالية الاعتراف بهم (دورا والزبابدة) هو ما ذكرني بمسؤوليات وزير التربية والتعليم.

اعتقد ان ابشع انواع القمع هو ذلك الذي نمارسه على انفسنا . وهذا ما احاول التخلص منه بهذه اللحظات .
كنت قد كتبت عن مدرسة الجيروزاليم قبل عدة اشهر ، وكان الموضوع قد اثار الرأي العام . وعلي الاعتراف هنا ، ان هناك شق ايجابي بهذا مهم ، فلقد تبين انه لا يزال في هذا الوطن المتجمد اناس لا يزال الدم يجري في عروقهم . وتبين كذلك ان هناك اناس لا يوجد دم بعروقهم فلا سبيل لضخه او محاولة اطرائه ليتحرك ، وهؤلاء مع الاسف الاشد كثر .

احيانا ، تثير الحقيقة كراهية غير متوقعة ويكثر الاعداء غير المعلومين ، ومع هذا ، كنت افكر ولا ازال ، ان الانتماء للوطن لا يبنى بنفاق ولا يمكن ان يكون هناك وطن اصلا يخاف اهله البوح والتطرق الى مشاكله الحقيقية. او الاسوأ كما حدث في هذا المثال ، ان ينتهي الوطن عند الفرد بانتهاء مصلحته الشخصية . طبعا لا استطيع ان اتوقع من المواطن ان ينتمي عندما يكون في سلطة ترى مصلحة افرادها هو انتهاء الوطن كذلك. ولكن بالنهاية لمن لا خيار له الا البقاء ، مفكرا ان الوطن هذا ابعد من بيتي وشارعي واولادي ، فانه لا مفر من المواجهة.

موضوع المدرسة لا يمكن الا ان يكون شخصيا ، اذا ما فكرنا بالمجتمع ككتلة واحدة . الموضوع ليس موضوع عائلة وفرد ، فالمردود بخيره وشره ينعكس على المجتمع بأكمله .    ويبقى سؤالي العالق ، ما الذي جرى في موضوع المدرسة؟
وخروجا عن موضوع التعليم ووصولا الى موضوع التربية ... وهنا ، لا بد من التساؤل عن موضوع اخر اثار الرأي العام مؤخرا عندما تناولت وسائل التواصل صورة لطفلين لم يتجاوز اكبرهما الخمسة اعوام ربما جالسين او واقفين على احد شبابك العمارات في حي ما (ربما) برام الله او محيطها من طابق خامس او سادس ربما.

هنا تتقاطع فكرة التربية والامان . ولا بد ان اتساءل ، اين قوانين السلامة العامة في البنايات والشوارع والمرافق المختلفة ؟ قبل ان اسأل بالطبع اين ام اولئك الاطفال في تلك اللحظة ، التي كان ستر الله هو القاضي الاخير بها . ولكن الى اي مدى سيتستر الله على اخفاقنا وازهاقنا لارواحنا وعدم احترامنا لهبة الحياة . كل يوم نفج باسم يستشهد ابنها ، يخطف عنوة منها على يد الاحتلال . ما ذا نسمي هكذا "جرائم" يتسبب بها الاهمال والمرافق والقوانين المغيبة.
طبعا ، لا يجب ان اشير باصابع الاتهام فقط الى السبطة ، وقد يسأل سائل ، المسؤولية هي مسؤولية اصحاب العقارات والاهل بالدرجة الاولى . وهنا سأعترض لأن السلامة والامان العام في المرافق المختلفة هو وظيفة الدولة ان تتأكد من ان تكون ضمن المعايير .

فالمشهد الذي رأيناه للاطفال علي الشباك من تلك العمارة لا يشبه ما نراه بالشوارع اذا ما مررنا من قلنديا الى رام الله . الاطفال في الشوارع ، السرعة المرعبة للسيارات ، انعدام الارصفة وعمل دواوير تتحول الى ما هو اشبه بالحديقة العامة ، وسيارات تتجاوز وتسير في عكس السير ، كلها مشاهد لا تختلف بالحقيقة عن ذلك المشهد لبيت يتدلى اطفاله من شباك بلا مراقبة ولا حماية ولا تواجد ربما اصلا كبير حولهم.
ولكن بالنهاية يبدو اننا تعودنا . وتستحضرني عبارة لممدوح عدوان قال فيها : " نحن لا نتعود يا ابي الا اذا مات فينا شيء".
وختم قائلا: " تصور حجم ما مات فينا حتى تعودنا على كل ما يجري حولنا ".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير