لماذا تفشل المخابرات العالمية في القضايا الكبرى ؟

15.04.2017 01:05 PM

رام الله- وطن: إن ما يُفشل المعلومات الاستبخاراتية في أنحاء العالم، التنبؤ بالأحداث الهامة، مثل الثورات، وتنفيذ العمليات الكبيرة والحروب، هو ليس نقص المعلومات أبدا بل شيء هام أكثر بكثير.

قبل التطرق إلى فشل الاستخبارات، من المهم طرح السؤال، ما هي وظيفة الاستخبارات؟ الإجابة السائدة هي - جمع معلومات ذات صلة بأمن الدولة، تنظيمها وفق أهمتيها، ونقلها إلى المسؤولين عن الحفاظ عليها. بكلمات أخرى: جمع المعلومات، ونقلها.

التعبير السائد بين رجال المخابرات هو أن الجميع يعرف عن الفشل الذريع، ولكن لا أحد يعرف عن النجاحات. يبدو أن هذا صحيح، ولكنه ما زال لا يوضح سلسلة الفشل من جهة المخابرات في تنبؤ الأحداث التاريخية الكبيرة والهامة في القرن الماضي، مرة تلو الأخرى. لماذا فشل رجال المخابرات بتنبؤ الأحداث التاريخية في القرون الماضية؟ تقدم الحالات التالية شرحا لذلك.

انهيار الاتّحاد السوفيتي

كان انهيار الاتّحاد السوفيتي "مفاجئة" كبيرة إلى حد بعيد في النصف الثاني من القرن الماضي، دون شك. كيف انهارت إحدى الدول العظمى في العالم من دون أن تحذر أية جهة استخباراتية تحذيرا رسميًّا يشير إلى أن الدولة العظمى الثانية في العالم تقف على شفا الانهيار التام؟

انهار الاتّحاد السوفيتي في بداية التسعينيات، أثناء ذروة الحرب الباردة بينه وبين أمريكا. ولكن كانت الإدارة الأمريكية برئاسة رونالد ريغان مشغولة باستثمار المليارات في محاولة إطلاق صواريخ اصطناعية متطورة إلى الفضاء لهزيمة الاتحاد السوفيتي.

من بين آلاف العمال في مجال البحث لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (‏CIA‏) لم يحذر أي عامل المسؤولين عنه، أن الاتحاد السوفيتي على وشك الانهيار. وذلك رغم أن نقل تقارير حول إمكانية كهذه هي من مسؤولية وكالة الاستخبارات دون شك.

وهكذا، طُلب من رجال الاستخبارات التركيز على التفاصيل التكتيكية ذات الصلة بتسلح الاتحاد السوفيتي عسكريّا، وقد نجحوا في المهمة جيدا. ولكن لو اهتم رجال الاستخبارات الأمريكية بالمجتمَع السوفيتي، فعرفوا أنه في الوقت الذي يطمح فيه الاتحاد السوفيتي إلى الوصول إلى الفضاء، يعاني مواطنوه من بطالة وفقر محدق. لو أنهم أدركوا ما يمر به المجتمع المنهار الذي يكافح تحت وطأة التسلح باهظ الثمن، كانوا سيعرفون أن انهيار الاتحاد السوفيتي لأسباب داخلية ما هو سوى مسألة وقت فقط.

هجمات 11 سبتمبر

"عرفت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (‏CIA‏) معلومات تشير إلى أن نشطاء إرهابيين تابعين للقاعدة قد دخلوا إلى أمريكا... وعرف مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI‎) أن هناك "خطوات هامة" تسير في المدرسة للطيران في أمريكا.. وكانت لديه معلومات هامة عن نشطاء إرهابيين فرديين... ولكن لم تصل إليّ أية معلومات أو إلى البيت الأبيض"، هذا وفق أقوال ريتشارد كلارك، مسؤول بارز في الإدارة الأمريكية، في شهادته في المحكمة، بعد العملية الرهيبة التي ضربت برجي التوأم بتاريخ 11 أيلول 2001.

في تموز عام 2001، أرسل عميل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (‏CIA‏) بريدا إلكترونيا إلى مركز مكافحة الإرهاب التابع لـ CIA‏، وطلب إخبار الـ FBI أن هناك ناشطا من القاعدة في أمريكا، وناشطا آخر يحمل جنسية أمريكية. لكن المسؤولين عنه لم يردوا على رسالته.

وفق تقرير التحقيقات الأمريكية، فعندما اقتنع رجال الـ CIA‏ أن القاعدة ستنفذ عملية، افترضوا أنها ستكون في المملكة العربية السعودية أو في إسرائيل. فهم كانوا معتادين على التركيز على تنفيذ عمليات كبيرة حدثت في الشرق الأوسط بوتيرة عالية. لقد وصلت معلومات إلى وكالات الاستخبارات الأمريكية المختلفة، ولكنها لم تعمل على تشبيكها معا لمعرفة أن هذه المعلومات الصغيرة تشهد على التخطيط لتنفيذ العملية الأكبر في تاريخ الغرب.

لم تتعرض أمريكا أبدا إلى عملية كبيرة إلى هذا الحد من قبل تنظيم إرهابي جهادي في أراضيها سابقا، لذلك قد يكون هذا أحد الأسباب أن مسؤولي الاستخبارات الأمريكية الجيدة في العالم لم يستوعبوا في الوقت المناسب أن عملية فظيعة كهذه ستحدث في أمريكا تحديدًا. فهم لم يولوا اهتماما إلى الأضواء التحذيرية بسبب اللا مبالاة.

حرب تشرين عام 1973

"إن الإمكانية أن تستأنف مصر القتال منخفضة "، هذا وفق تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، قبل يوم فقط من نشوب حرب تشرين عام ‏1973‏. ولكن نشبت الحرب في اليوم التالي.

لقد كانت هناك إشارات كثيرة تشهد على أن الحرب باتت وشيكة قبل أشهر من نشوبها. أوضح مسؤولو الجيش الإسرائيلي أنهم لاحظوا استعدادات في الجانب السوري والمصري. حذر الملك الحسين بن طلال رئيسة الحكومة الإسرائيلية، غولدا مئير موضحا أن مصر وسوريا تعتزمان شن هجوم على إسرائيل، قبل أسابيع قليلة من نشوب الحرب. جاءت التحذيرات من قبل مسؤول بارز في "الموساد" في مصر. بالإضافة إلى ذلك، في اليوم الذي سبق الحرب، وصلت أنباء إلى سلاح المخابرات أن روسيا قد أعادت أفرادها من مصر وسوريا في أعقاب رسالة واضحة وصلت إليها من الدولتين حول نيتهما شن حرب ضد إسرائيل.

رغم ذلك، فضلت القيادة الإسرائيلية العمل وفق رأي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الذي قدر حتى ساعة الصفر أن احتمال حدوث حرب مع مصر منخفض جدا. لقد لاقى هذا الرأي قبولا لأنه مريح أكثر بالنسبة لصناع القرارات. بعد مرور ست سنوات من الشعور بالانتصار الإسرائيلي في حرب تشرين عام 1967، كان شعور الابتهاج ما زال ملحوظا. كان جزء من صناع القرار متأكدا أن عامل الإخافة في حرب تشرين عام 1967 سيمنح إسرائيل سنوات من الهدوء.

وكما ذُكر آنفًا، وصلت معلومات وإشارات مبكرة إلى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، ولكن الاستنتاجات كانت خاطئة بسبب شعور الابتهاج والاستعلاء الذي شعر به المسؤولون فيها. إن التقديرات التي توصل إليها رؤوساء شعبة الاستخبارات العسكرية أدت إلى التساهل في التطرق إلى الإشارات الخطيرة التي شهدت على أن الحرب وشيكة، وإلى منع إحباط هجوم مفاجئ أسفر عن ضحايا إسرائيليين كثيرين.

لو كان ضباط الاستخبارات يقرأون القصائد...

ذات مرة، اقتبس الشاعر حاييم غوري وهو شخصية بارزة في الحضارة الإسرائيلية، كلمات قالها له دكتور حسين فوزي بعد الحرب. "لقد أهنتموننا في حرب الأيام الستة، خجلت بنا نساؤنا، واحتقرنا أولادنا. لو كان رجال الاستخبارات الإسرائيلية يقرأون القصائد المصرية التي كُتبت بعد حرب تشرين عام 1967، كانوا سيعرفون أنه لم يكن بالإمكان تجنب حدوثها. على كل ضابط استخبارات جيد أن يقرأ القصائد".

ولكن لا يكرس ضباط الاستخبارات غالبا وقتا لقراءة القصائد، بل ينشغلون في متابعة الأهداف التي يضعها أمامهم المسؤولون عنهم. والمدراء الذين يترأسون الأجهزة الأمنية هم سياسيون.

صحيح أنه من المفترض أن تعمل أجهزة الاستخبارات بشكل مستقل وأن تتوصل إلى نتائج مستقلة، ولكن عندما تُقدّم إلى صناع القرارات تقديرات مستقلة تماما، ولكنها لا تنال إعجابهم، فيجد صناع القرار هؤلاء خبيرا آخر غالبا للعمل معه. هذا هو سر طريقة العمل التي تؤدي إلى مفاجئة الأجهزة الاستخباراتية، الحكيمة، والمكلفة في العالم، مرة تلو الأخرى، عندما لا تنجح في التعرف إلى الأمور الهامة حقا.

 

"المصدر"

تصميم وتطوير