بعض من معاني معارك الحريه

18.04.2017 11:13 AM

كتب: عوض عبد الفتاح

عموما لا ينتبه الناس العاديون  الى اثر  معارك اسرى الحريه في اعادة ايقاظ مشاعر الانتماء  للمجموع ، وفِي اعادة شحذ ألهمه وروح التمرد على واقع يسعى المستعمر، بصوره مستمره ومنهجيه  ، الى ترسيخه وجعله واقعا عاديا ، والى تجريد  الناس من صفات  إنسانيتهم ، واولها صفة  التضامن والتكافل. وفِي الحديث العادي مع الكثير من الناس ، يتذرع بعضهم بانه دائما مشغول مما يحول دون قيامه بادنى الواجب تجاه الاخرين من أبناء شعبهم . وبطبيعة الحال لكل معركه ضد نظام الاضطهاد اثر تراكمي في بلورة صفات انسانيه للفرد الواقع تحت الاستعمار، وفِي إيقاظه من غفوة التكيف السلبي مع الواقع . ومن الصفات  الانسانيه هو عدم سكوت الانسان  على الظلم واستعداده للتضحيه والعطاء والتضامن.

 وأكثر ما يقلق المستعمر عند نجاح اسرى الحريه في التوافق على  اطلاق إضراب جماعي عن الطعام هو  التفاعل الذي يمكن ان يحدثه هذا الإضراب، خارج أسوار السجن ،  في الشارع الفلسطيني . وعلى الرغم من ان تجارب الإضراب السابقه التي جرت في العشر سنوات الماضيه ، لم تحظ بتضامن شعبي واسع ، الا ان هذا الخوف الذي يثيره الإضراب في المستعمر   يحضر  عند كل معركة إضراب جديده . وقد تمكن مؤخرا  عدد قليل من الأسرى في ظل غياب التوافق على إضراب جماعي  من تحقيق تحررهم بعد خوض نضالات فردية قاسيه وصعبه . ويعود هذا الإنجاز الى تضحياتهم وحدهم. ونذكر من نشط في التضامن كم كان الشعور بالخيبة من عدم تفاعل الناس عامة ، ناهيك عن موقف ودور السلطه الفلسطينيه . وجاء هذا الإضراب العام للأسرى عن الطعام كانتقال ضروري من النضالات الفرديه  الى النضالات الجماعيه لما تتيحه من إمكانية تفاعل جماهيري أوسع    . طبعا لا يمكن التقليل من أهمية النشاطات التضامنية ، مع اسرى الإضرابات الفرديه ، التي نظمتها مجموعات قليله ، من نشطاء فصائل ، وبعض الناس ، ونشطاء احزاب فلسطينيه داخل الخط الأخضر ، وكذلك الحراك الشبابي الذي خاض مواجهات جريئه مع  قوات القمع الاسرائيليه في حيفا واشكلون ويافا وغيرها .  هذه المواجهات ، فضلا عن دورها ودور  كل النشاطات الاخرى في تعزيز صمود الأسرى المضربين ، ساهمت في تعزيز روح الانتماء لدى هؤلاء الشباب ،ابناء وبنات الجيل الذي يجدد التحدي ، وفِي تعميق روح العطاء والتحدي والتهيئ لمواجهة ما يمكن ان يأتي من نظام الابارتهايد الكولونيالي في قادم الأيام .

طبعا لا يمكن لوم الناس وحدهم على عدم تفاعلهم الواسع مع المعارك السابقه ، فالمسئوليه يتحملها من يدعي قيادة الشعب الفلسطيني ، المسئوليه عن الامتناع عن اعتماد خطة مواجهه شعبيه مع الاحتلال ، وعن تحييد الناس عن المساهمه في دعم أسراهم وفِي إشراكهم في صياغة القرارات و السياسه آلتي تخص حياتهم ومشروعهم الوطني   . طبعا جميعنا ينتظر من هذه القيادات ان تراجع التجربه السابقه ، وان تحدث نقلة شامله في الذهنيه الراهنه وفِي النهج المعتمد حتى الان دون نتائج ، سوى نتائج اطالة الاحتلال ومنحه الراحه والاطمئنان على مستقبله .

ان من شان هذا الإضراب الجماعي ، الذي اطلق شرارته أسرى الحريه من أبناء وبنات شعبنا ، ان يشكل لحظة فارقه في مسيرة  نضالنا التحرري ، وبالتحديد في العقد الأخير . هذا في حالة تضافر الجهود وتوفر الاراده لجعل هذه المعركه معركة كل الناس.  وهذا يحتاج اولا الى لغة وطنيه كفاحية حقيقيه ، ونفس مختلف ، اي نفس تحدي  واستعداد للتحلل من الذهنيه القديمة  . لغة تصف المستعمر وتحدده كما هو، نظريا وواقعيا . لغة تعيد ترميم المصطلحات السياسيه التي تم نزع السياسه عنها ، ونزع مضمونها التحرري ، وباتت لغة مفاوضات عبثثيه لا تقوم على شرط تغيير ميزان القوى ، او لغة نزاع على حدود دوله افتراضيه ، مع مستعمر كاد ان يذوت في نفوسنا نفس الاستجداء وكاننا نشحذ  منه قطعة ارض من ملكه الخاص . أني افهم إضراب اسرى الحري ، وافهم مضمون رسالة الاسير المناضل مروان البرغوثي ، على هذا النحو . رساله فيها تمرد ورفض للواقع القائم والعقلية السائدة في الدوائر الرسمية ،  وفيها دعوه للتجديد واعادة  البناء ، بناء المفاهيم والقيم ، قيم التحرر وبناءالانسان ، وهي الرساله المكملة لمقال سابق دعا فيها الى استيلاد قيادة جديده .

 نعم مطالب الأسرى  المباشره هي حياتيه وانسانيه أساسيه ، ومن المفترض ان تكون متوفره دون اللجوء الى سلاح الأمعاء القاسيه ، وما ينطوي عليها من معاناة كبيره  وأوجاع شديده ، ولكن اسرانا، و بوعي كامل يخوضون معركه وطنيه كبيره  اذ يعرفون ان إضرابهم يذكر العالم بخذلانه وبتواطؤه مع المستعمر ، ويعرفون ان هذه المعركه تجدد  ذاكرة شعبنا باننا ما زلنا شعبا بدون حريه وتحرر وبدون وطن مستقل . وبان  هناك أبناء وبنات لنا داخل أسوار السجن يذوقون كل ألوان العذاب الجسدي والنفسي على مدار الساعه ، وأنهم موجودون هناك، في الأسر ،  فقط من اجل حرية الجميع ، من اجل حريتنا ومن اجل مستقبلنا في وطننا ، فلسطين . 

ليست هذه المقاله عن استراتيجيات النضال وكيفية تطويره ، فهذه مسأله يجري متابعتها وبحثها والتداول فيها بين العديد من أبناء وبنات شعبنا ، من خارج أسوار بنية أوسلو ، ولا بد في نهاية المطاف ان تثمر عن رؤية جديده ومنهج جديد ، واصيل . ولكنها ترمي في الأساس الى تسليط الضوء على بعض الجوانب الاخلاقيه لدورنا ، ودور كل الناس في التفاعل مع هذا هذه المعركه القاسيه والهامه. وهذا الكلام موجه لنا جميعا ، في كافة أماكن تجمعات شعبنا ، في قرى ومدن الجليل والمثلث والنقب والساحل ، وفِي مدن وقرى ومخيمات الضفه والقطاع ، وفِي مخيمات اللجوء ، وفِي الشتات عامة . وأريد ان اخص أبناء شعبنا داخل منطقة ال ٤٨ : انها معركة وطنيه واخلاقيه وانخراطنا فيها لا يساعد الأسرى فحسب ، بل يساعدنا نحن ، يساعدنا في تقوية مشاعر  الانتماء ، يساعدنا في لملمة نسيجنا الاجتماعي وفِي الإدراك ان هناك قضايا كبرى فضلا عن الهموم  الخاصة والعائلية ، وهي هامه بنفس القدر ،  التي تستنزف كل حياتنا دون ان ننتبه ، ولا نترك وقتا للاهتمام بهموم غيرنا ( الأسرى وغيرهم )  .علينا ان نكسر ولو قليلا حالة الروتين التي نعيشها ، وحالة الغرق الكلي  في همومنا الخاصة، والتي تقضم تمسكنا بقيم التضامن والتكافل مع بَعضُنَا ، كمجتمع وكشعب يتعرض لمخططات تهدف الى تفكيكها ، ليس فقط الى طوائف ، والى احزاب معتدله ومتطرفة بال الى فردتنتا  ، اي جعل كل فرد مشغول بحاله . وهذا هو اخطر  أشكال الانانيه لما لها من دور سلبي في أضعاف المجموع  . كل ما هو مطلوب ، هو المشاركه في النشاطات الجماهيريه ، كالتظاهرات والمظاهرات ، والاعتصامات ، والاجتماعات الشعبيه ، وتمرير الرسائل الوطنيه والاجتماعيه والاخلاقيه بصوره منهجيه داخل الاسره ، وداخل المدرسه ، وفِي كل منبر ومؤسسه . هكذا نطور معركة الأسرى من معركة مطالب انسانيه شرعيه ضرورية ، الى معركة وعي متجدد ، معركة شعب يدرك ان الأفق يحمل مخاطر جمه ،  مخاطر تاجيل الحلول العادله الى سنين طويله ، قد يصبح فيها المشروع الاستعماري الاستيطاني اكثر تجذرا وعدوانية ، وقد تنشأ خلالها مظاهر وعي اكثر تشوها ، ومظاهر تشظ أكثر اتساعا . وفِي هذه الحاله العربيه الكارثية ، والحالة الفلسطينيه المنقسمة والمشوهه ، وانتشار الترهل السياسي والوطني والاخلاقي  داخل دوائر صنع القرار الفلسطيني ، تصبح استعادة الوعي التحرري الوطني ، ولملمة اللوحه الفلسطينيه المتشظيه ، وتهيئة الاجيال الفلسطينيه وطلائعها الواعيه ، مهمة وجوديه بكل معنى الكلمه . وفِي رأيي، فان  للمواطن الفرد، في غياب الوحده الرسمية ، وترهل الفصائل ، دور هام ومطلوب الان بالذات اكثر من اي وقت مضى  . كما بات  للنخب ، الوطنيه والاكاديمية ، والشبابية ، وللجان المقاومه الشعبيه في الارض المحتله عام ٦٧ ، وللجان الشعبيه ، ولجان  أولياء الأمور ،والمعلمون الوطنيون ، والاسر الوطنيه ، ومدراء المدارس الوطنيون ، ورجال الدين المسلمين والمسيحيين ، داخل منطقة ال ٤٨ ، دور خاص  في تحويل موضوع إضراب الأسرى الى موضوع متداول  ، وان يكون هذا الإضراب الوطني نافذة لرواية قصة هذا الشعب بكل مآسيه وكل بطولاته ، وسعيه الى الحريه ، وشغفه بالحياه الحره الكريمه . هكذا نضاعف دور هذه المؤسسات الاجتماعيه والتربوية في بناء الفلسطيني الفرد بناء سليما يقوم على التوازن بين كونه فرد وكونه جزءا من مجموع ، جزءا من شعب يريد التحرر .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير