في الخيمة

30.04.2017 07:39 AM

كتب: رامي مهداوي

في خيمة الإعتصام المساندة لإضراب الأسرى هناك مشاهدات مختلفة رصدتها بالعين المجردة، تلك المشاهدات أثارت العديد من التساؤلات ضمن واقع المجتمع الفلسطيني، ما رأيته هو أن المجتمع بكافة أطيافه ومركباته هو بداخل السجن الإسرائيلي، بمعنى أن الدولة الفلسطينية التي وافقنا عليها في اتفاق أوسلو هي الآن سجن محكم على الفلسطينيين بأشكال وأدوات مختلفة.

في الخيمة تواجد عدد من أصدقائي وهم أسرى محررين، سمعت لتجاربهم عن الإضرابات المختلفة التي عاشوها، ومدى أهمية وقيمة الأخبار التي تأتيهم من خارج فضاء السجن التي تتحدث عن مدى تفاعل الشارع الفلسطيني، مما يرفع منسوب الطاقة لدى الأسير المضرب عن الطعام، وكما قالها أحد الأصدقاء "كل خبر إيجابي كان يصل لنا كنّا نعتبره وجبة كاملة الدسم".

في الخيمة هناك صور لأسرى يوحدهم السجن والسجّان وتفرقهم شعارات الفصائل التي وضعت على صورهم، كلٌ يتغنى بالأسير الذي ينتمي له متناسين بأن جميع الأسرى يتغنى ويفتخر بهم الوطن، بالتأكيد المجتمع الفلسطيني لا يميز بين أسير وأسير، إذن لمصلحة من يتم تفرقتهم على الرغم بأن غرف التحقيق توحدهم!!

في الخيمة كنت أسأل ذاتي مستغرباً: كيف يصمد الأسير المضرب عن الطعام، وأنا إذا ما تأخرت عن أكل أي وجبة طعام أصاب بحالة من الرجفة والدوخة وعدم التركيز بما هو محيط؟ كيف يقدم المناضل ذاته قربان مرتين على مذبح الحرية أسير وشهيد؟ كيف يتم تحويل الجهاز الهضمي لدى الأسير سلاح يخشاه السجان ودولة الإحتلال؟

في الخيمة شربت القهوة مع رجل كان يحتضن صورة ولده المحكوم مدى الحياة، تعلمت منه بأن الأحاسيس ليست مجرد شعور أو عاطفة نعبر عنها وقت اللقاء فقط، الحب هو الحرمان كما قالت الأديبة المصرية نوال السعداوي، فالأب مازال يعيش على أمل رؤية ابنه حراً قبل موته، مما يحفزه هذا الشعور بالمشاركة في جميع

الإعتصامات والأنشطة التي تسلط الضوء على معاناة الأسرى. علمني بأن الحب ليس مجرد شعور في القلب، بقدر ما هو الفعل الدائم في تكسير العوائق التي تمنعك من الوصول لمن تحب.

في الخيمة كنت أبحث عن مفهوم هذا الحيز الفضائي في وجدان الهوية الثقافية الفلسطينية ؟ خيمة إعتصام، خيمة لجوء، خيمة لأصحاب المنازل المهدمة في قطاع غزة، الخيمة أيضاً هي المعتقل، كيف تجمع هذه الخيمة التضاد في الإستخدام رغم أن الكلمة واحدة؟! كيف نكون في خيمة اعتصام مطالبين بالحرية لمن هم في خيمة الإعتقال؟ هل الخيمة في الثقافة العربية هي ذات الخيمة الفلسطينية؟ الخيمة هي أول اللجوء لنا في زمن كانت هي أول الأفراح في الثقافات العربية! وهنا يأتي سؤال الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش: ﻫﻞ ﺳﻴﺴﻔﺮ ﻣﻮﺗﻨﺎ ﻋﻦ :ﺩﻭﻟﺔ...ﺃﻡ ﺧﻴﻤﺔ؟

في خيمة الإعتصام يتحول كل من هو خارج الخيمة الى ممثلين في مشهد من مسرحية سريالية، نضحك على المواطنين الذين ينظرون لنا بعين الشفقة والتعاطف وكأنهم من كوكب آخر، نشاهد سائق التكسي يبحث عن راكب، وبائع القهوة المتجول يحاول أن يصطاد فريسة بحاجة الى فنجان قهوة توقظه من حالة الإحباط، وشرطي يجتهد بتنظيم السير، وهناك من كان يعتبر بأن من هم في الخيمة هم على خشبة المسرح، ومن أعماقي كنت متأكد بأن الجميع_من في داخلها وخارجها_ يريد لهذه الخيمة أن تصمد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير