ترامب امبريالي بثوب رأسمالي قومي ضد العولمة... الحلقة الثانية

30.04.2017 01:59 PM

وطن: كتب البروفيسور جيمس بتراس

النظام المتهالك و الاقتصاد الجديد المريب

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، لجأت معظم الدول الاوروبية الغربية واليابان  الى " حمائية" مشددة في الصناعة والمال لاعادة بناء اقتصادها. وفقط بعد مرحلة طويلة منها قامت المانيا واليابان بحذر وانتقائية بلبرلة سياساتها الاقتصادية. في العقود الاخيرة تحولت روسيا بشكل دراماتيكي من اقتصاد جماعي الى اقتصاد اوليغاركي رأسمالي قائم على عصابات، ومن ثم الى اقتصاد مختلط  ودولة مركزية قوية، وتحولت الصين من اقتصاد جماعي معزول عن التجارة العالمية الى ثاني اقوى اقتصاد في العالم مزيحة الولايات المتحدة الى الخلف كشريك تجاري مع اسيا وامريكا اللاتينية. فبينما تحل حصتها من التجارة العالمية حوالي 50% تراجعت نسبة الولايات المتحدة في هذه التجارة الى 20%، هذا التراجع سببه جزئيا الى تفكيكها لاقتصادها الصناعي حيث نقلت الصناعة الى بلدان طرفية في الخارج.

ورغم تحول النظام العالمي، فقد فشل الرؤساء الامريكيون في ادراك الحاجة لاعادة تنظيم الاقتصاد السياسي لامريكا. وبدلا من  الاعتراف والتكيف والقبول بالتحولات في القوة وعلاقات السوق ، سعوا الى تكثيف الانماط السابقة من الهيمنة عبر الحروب، والتدخل العسكري  والتدمير الدموي ( تغيير الانظمة، لقد دمروا بدلا من خلق اسواق لبضائع امريكية ، وبدلا من الاعتراف بالقوة الهائلة للاقتصاد الصيني  والسعي لمفاوضتها  والتعاون معها ، قاموا بكل غباء باقصاء الصين من اتفاقات التجارة الاقليمية والعالمية الى حد البلطجة الفظيعة  على شركائهم الاسيويين الصغار  واطلقوا سياسة  التطويق العسكري والاستفزاز في بحار الصين الجنوبية. لكن بينما يعترف ترامب بهذه التغيرات  والحاجة الى التفاوض حول الروابط الاقتصادية ، يسعى موظفو ادارته الى تمديد السياسات العسكريتارية الاوبامية  والمواجهة.

في ظل الادارات السابقة تجاهلت الولايات المتحدة  الانبعاث الروسي  ونموه كقوة اقليمية وعالمية، عندما تجذر الواقع زادت الادارات الامريكية السابقة من تدخلها في دول حلفاء الاتحاد السوفياتي السابقين واقامت قواعد عسكرية  ومناورات على حدود روسيا.  وبدلا من تعميق الاستثمار والتجارة مع روسيا انفقت واشنطن مليارات الدولارات على العقوبات والعسكرة  خاصة في دعم النظام في اوكرانيا.  كانت سياسة اوباما في دعم السيطرة على السلطة بالعنف في اوكرانيا، سوريا وليبيا مدفوعة برغبته في اسقاط الحكومات الصديقة لروسيا – لقد دمرت هذه البلدان  وقوت  ارادة روسيا في تصليب وتقوية حدودها وتشكيل حلف استراتيجي جديد.

في بداية حملته، اعترف ترامب بالوقائع الجديدة في العالم واقترح تغيير الجوهر والرموز والخطاب والعلاقات مع الخصوم والحلفاء  اضافة الى بناء اقتصاد جديد. اولا وغالبا نظر ترامب الى الحروب الكارثية في الشرق الاوسط  واعترف بحدود القوة العسكرية الامريكية : لا تستطيع الولايات المتحدة ان تنخرط في حروب متعددة مفتوحة في الشرق الاوسط، شمال افريقيا وآسيا دون ان تدفع اثمانا على المستوى الداخلي. ثانيا: اعترف ترامب ان روسيا ليست تهديدا عسكريا استراتيجيا لامريكا، ، لا بل ان الحكومة الروسية برئاسة بوتين  كانت تريد التعاون مع الولايات المتحدة لهزيمة عدو مشترك – داعش وشبكاتها المتعددة، لقد كانت روسيا تواقة الى اعادة فتح اسواقها  للمستثمرين الامريكان ، الذين كانوا ايضا تواقين للعودة بعد سنوات من فرض اوبا وكلينتون العقوبات، لقد اقترح ترامب الواقعي انهاء العقوبات  واستعادة روسيا كشريك تجاري مفضل.

ثالثا، من الواضح لترامب ان حروب امريكا في الشرق الاوسط فرضت تكاليف هائلة بادنى حد من النتائج للاقتصاد الامريكي، انه يريد زيادة العلاقات السوقية مع القوى الاقتصادية والعسكرية الاقليمية مثل تركيا ، اسرائيل ودول الخليج. فلسطين لا تهم ترامب، كذلك اليمن وسوريا والاكراد، والتي لا تفتح طريقا لاستثمار اكبر او تجارة ، انه يتجاهل القوة الاقليمية والعسكرية الكبيرة كايران، مهما قال عن اعادة التفاوض على الاتفاقية النووية. ان حملته البلاغية العدائية ضد ايران ربما تكون صممت لاسترضاء اسرائيل واصدقائها ومؤيديها في الداخل الامريكي.  ان هذا يتنماقض مع شعاره " امريكا اولا"، لم يتبق سوى ان نرى ما اذا كان ترامب سيبقي على مشهد الخضوع للمشروع الصهيوني لاسرائيل التوسعية ، فيما يحاول احتواء ايران كجزء من خطته حول السوق الاقليمية.  

ادعى صحفيو القمامة ان ترامب قد تبني موقفا  قتاليا جديدا تجاه الصين وهدد باطلاق حملة حمائية  والتي ستدفع دول المحيط الهادي للتقارب مع بكين. بالعكس فان ترامب يظهر نوايا لعادة التفاوض  وزيادة التجارة عبر اتفاقيات ثنائية.
ربما يحافظ ترامب ولكن لن يوسع الطوق العسكري على الصين وحدودها وممراتها البحرية  والتي تهدد طرق سفنها، وغيرا عن اوباما سيقوم ترامب بمفاوضة الصين تجاريا ناظر الى الصين كقوة اقتصادية وازنة  وليس كدولة نامية تنوي  حماية صناعاتها الصغيرة، ان واقعية ترامب تعكس النظام الاقتصادي الجديد:  ان الصين قوة ناضجة ، وذات قدرة تنافسية  مع الولايات المتحدة، في مجال متعلق بدعم الدولة وتحفيزها للاقتصاد منذ البداية، هذا ادى الى عدم توازن كبير ، وترامب الواقعي يعترف بان الصين  توفر فرصا عظيمة للتجارة والاستثمار  اذا قامت امريكا بعقد اتفاقات متبادلة معها يؤدي الى توازن افضل في التجارة.

لا يريد ترامب ان يطلق حربا تجارية مع الصين، ولكنه يريد استعادة امريكا كمصدر اول، لاجل ان يطبق سياسته الاقتصادية المحلية. ستكون المفاوضة صعبة مع الصينيين لان النخبة المستوردة  هي ضد سياسة ترامب وستقف الى جانب الطبقة التجارية الصينية الجديدة والكبيرة.  الى جانب ذلك، ولان نخبة وولستريت المصرفية تدافع مع الصين لدخول السوق الصينية، فان القطاع المالي  غير راغب بحليف غير مستقر لسياسات ترامب المؤيدة للصناعة.

خلاصة

ان ترامب ليس حمائيا، ولا معارضا للتجارة الحرة، هذه التهم من صحافة القمامة لا اساس لها، لا يعارض ترامب السياسات الاقتصادية الامبريالية للولايات المتحدة ، انه رجل سوق واقعي يعترف ان تبعات الحروب كانت مكلفة  وفي العرف العالمي المعاصر هي خسارة موقع اقتصادي للولايات المتحدة، انه يعترف ان على الولايات المتحدة ان تتحول من من اقتصاد يسوده التمويل والاستيراد الى اقتصاد صناعي مصدر.
ينظر ترامب الى روسيا كشريك اقتصادي محتمل وحليف عسكري في انهاء الحرب في سوريا، العراق، افغانستان واوكرانيا، وخاصة في مجال هزيمة داعش، انه يرى الصين كقوة اقتصادية منافسة  والتي استفادة من ميزة الامتيازات التجارية  وهي تريد ان تعيد التفاوض معها في نفس الخط مع التوازن القائم في القوة الاقتصادبة.
ان ترامب رأسمالي قومي عصبوي، ورجل سوق امبريالية  وهو واقعي في السياسة  يرغب في سحق حقوق المرأة  وتشريعات التغير المناخي، المعاهدات الداخلية وحقوق المهاجرين. ان طاقمه المعين وحكومته و زملاء جمهوريين له في الكونغرس مدفوعون بايدولوجيا عسكرية  قريبة من خطاب اوباما كلينتون منه الى شعار ترامب "امريكا اولا"، انه محاط بادارة عسكرية امبريالية  وشغوفة بالتوسع  وتعيش وهم التعصب.
من سيفوز في النهاية هذا ما سنراه، ما هو واضح هو ان الليبراليين  والديمقراطيين  يدافعون بقميص موسوليني الاسود لبلطجية الشوارع، مما يجعلهم في جانب التحالف مع الامبريالي ترامب  وسيجدوا مزيدا من الحلفاء حول نظام ترامب.

عن غلوبال ريسيرتش، ترجمة جبريل محمد

تصميم وتطوير