اللاجئون والمهاجرون في افلام مهرجان "كان"

23.05.2017 04:52 PM

عادة ما تكون الأفلام التي تعرض في مهرجان كان مرآة عن عالمنا. أزمة اللاجئين التي تهز أوروبا بانتظام لم تغب عن الشاشات، فتطرق إليها، كل بأسلوبه الخاص، المخرجان النمساوي ميكائيل هانكيه والمجري كورنيل موندروزكو اللذين دخلا السباق نحو السعفة الذهبية بفيلمي "نهاية سعيدة" و"قمر كوكب المشتري".

وطن- وكالات: في إطار المسابقة الرسمية لمهرجان كان 2017، يتطرق فيلم "نهاية سعيدة" للنمساوي ميكائيل هانكيه إلى أزمة الهجرة عبر نظرة أولئك الذين عادة ما يتجاهلونها. فيروي قصة عائلة بورجوازية من مقاولي بناء شيدوا نفق المانش، تعيش قرب مخيم "كاليه" للاجئين شمال فرنسا.

الفيلم من بطولة إيزابيل هوبير وماتيو كاسوفيتس وجان لوي ترانتينيان. وفي حال فاز هانيكه في الدورة السبعين للمهرجان، سينجز سابقة من نوعها، إذ سيصبح أول مخرج يحرز ثلاث سعفات ذهبية (وهي هذا العام مرصعة بالألماس، وكان هانيكه قد فاز بها في 2009 عن "الشريط الأبيض" وفي 2012 عن "حب").

البرجوازية المجردة من الإنسانية، والعائلة التي تتأجج فيها المشاكل بصمت والتي باتت توشك أن تتفجر، والموت يحيط بالحكاية من كل مكان. يجمع البيت الفاخر جورج، الجد الذي أنهكته الشيخوخة واستمالته فكرة الانتحار، وابنته آن التي تدير أعمال الشركة بقبضة من حديد، وابنه توماس الطبيب الفاقد للعاطفة. تدخل إيف ابنة توماس هذا العالم المغلق فتزعزع استقراره الهش.

يقحم هانكيه في فيلمه مواضيعه المفضلة على غرار الهوس الجنسي (الذي سبر أغواره في فيلم "عازفة البيانو")، والعنصرية التي تنخر المجتمع من الداخل (في فيلم "مخفي")، وتشويش الشاشة بشاشة إضافية (هنا عبر شاشة هاتف نقال) كما فعل في "فيديو بيني". ولا يتردد المخرج النمساوي في التلميح بصفة مباشرة إلى فيلمه قبل الأخير "حب" الذي يدعى بطله أيضا جورج (ويلعبه أيضا ترانتينيان) الذي "يساعد" زوجته على مفارقة الحياة. فكأن "نهاية سعيدة" هو تكميل لقصته، فهاهو يروي تلك الحادثة لإيف، وصار بدوره عجوزا مقعدا يثقله عبء الحياة.

قال هانكيه في المؤتمر الصحفي بعد عرض الفيلم "رؤيتي للعائلة ليست يائسة لكن واقعية". وتابع أننا "عميان وسط العالم". أما إيزابيل هوبير فتحدثت عن أزمة الهوية والانزواء و"الانعزال العاطفي الذي يجعل الأفراد صما وعميانا أمام العالم الذي يحيط بهم"، لا سيما عالم العمال البسطاء والمهاجرين الذين بالكاد نراهم في الفيلم. غياب تأثير هذه الفئة المهمشة في حياة العائلة الميسورة، يعكس ربما غياب الاهتمام الجماعي بهم والامبالاة بوضعهم، وربما فيه محاولة للتقليل من وقعهم على السرد في تقنية كتابية تعطي حضورا أكبر لما هو غير موجود.

لكن بفرط استدعاء هانكيه (75 عاما) لمراجعه الشخصية وإحالته على أفلامه وكأنه يصنع متحفا ذاتيا، أليس هو بدوره أعمى وأصم لما يدور في الخارج؟

لاجئ سوري يحلق في سماء كان

بعد فوز مواطنه لازلو نماس في 2015 بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم عن رائعته "ابن ساول"، يشارك السينمائي المسرحي المجري كورنيل موندروزكو هذا العام بفيلم "قمر كوكب المشتري" في المسابقة الرسمية على أمل إحراز تكريم جديد لبلاده. وسبق أن شارك موندروزكو مرتين، عام 2008 و2010، في السباق نحو السعفة الذهبية.

كان أسلوب موندروزكو في تناول نفس الموضوع (الهجرة) مختلفا تماما عن أسلوب هانكيه. يتطرق الفيلم إلى قصة لاجئ سوري مجروح على الحدود الصربية المجرية، لاقت ترحيبا واسعا في صفوف الصحافة المحلية التي رأت فيها عملا، وإن صعب تصنيفه لأسلوبه الغريب، حاملا لرسالة سياسية قوية. وكان موندروزكو قد هز الكروازيت قبل ثلاث سنوات بفيلم "الكلاب البيض" الذي عرض ضمن قسم "نظرة ما"، وتصور فيه المخرج هجوم كلاب سائبة في بودابست كلوحة مجازية عن الاحتقان الاجتماعي المكتوم تحت حكم رئيس الحكومة فيكتور أوربان. الخطاب المبني ضمنيا في "قمر كوكب المشتري" يحتوي أيضا هذه المرة بعدا سياسيا.

يصاب المهاجر السوري "أريان" بالرصاص عند محاولته عبور الحدود بين المجر وصربيا. فيكتشف بعدها أنه قادر على... التحليق! يسعى طبيب جراح إلى محاولة استغلال قدرات أريان الخارقة لصالحه، وخصوصا لتحسين سمعته والتخفيف من إحساسه بالذنب بعد أن مات أحد مرضاه إثر عملية أجراها عليه وهو في حالة سكر. للتحايل على المهاجر يوهمه الطبيب بإمكانية مساعدته من أجل الحصول على بطاقة لجوء.

رحب العديد بالفيلم الذي اختلط فيه الواقع بالخيال العلمي، إذ اعتبروا أنه يسقط بروباغانذا نظام أوربان الرادع للمهاجرين الذين يغادرون بلدانهم على أمل حياة أفضل في أوروبا. فأكن موندروزكو يرد على هذه السياسة عبر مسائلة تطرح فرضية أن يكون هذا الغريب الذي يسعى إلى تجاوز الحواجز (التي أقيمت لمنع دخول المهاجرين إلى المجر) بعيدا عن الصورة المسبقة لـ"شرير"، بل ويقلبها إلى صورة شخص يكتسب قدرات مبهرة. فالانتهازي في الفيلم ليس الرجل السوري بل الطبيب المجري!

سبق أن استعمل موندروزكو صورا من مخيم للاجئين في المجر لإخراج إحدى مسرحياته، فيقول "عندما التقيت لأول مرة مهاجرين في المخيم، شعرت وكأن أقدارهم وأفقهم الوحيد يتمثل في أن يكونوا على الطريق وأن يكون كل منهم وحيداـ دون ماض ولا مستقبل" . هكذا يحذر المخرج المجري من خطر السياسة التي تعتمدها بلاده، والخيال سلاحه فيصور بودابست تحت حكم شمولي حيث الخطر الإرهابي محدق باستمرار، وحيث يجب على السكان التصريح عن هوياتهم للتنقل من حي إلى آخر وحيث يراقبهم عن كثب (وحتى في الباصات) عسكريون مسلحون. يفجر المخرج كل الحدود ويضخم الصور إلى حد العبثية حتى نفتح عيوننا على الوضع الكارثي الذي قد تصير، وبالكاد صارت، عليه الإنسانية.

(مها بن عبد العظيم/ فرنسا24)

تصميم وتطوير