نادية حرحش تكتب لـوطن: لماذا يتحدى يوسف زيدان التاريخ ؟

25.05.2017 08:21 AM

لا اعرف ما الذي يجعل كلام يوسف زيدان عرضة لهذا الكم من الهجوم. افهم ان المتلقي يأخذ ما يريد سماعه ويفككه حسب هواه ويشكل ما يقوله يوسف زيدان على شكل قنبلة. للمرة الالف قد نختلف وقد نتفق. قد لا يعجبنا ما يقوله وقد نرفضه بالمطلق. وقد يكون كلام زيدان مثيرا للمشاعر في اماكن معينة من الممكن فهمها ، مثل موضوع الاسراء والمعراج وفكرة المقدس وغيرها . في هذه المواضع تحديدا ، يجب التمحص في قوله والتفكر والرجوع الى مصادر فقهية وتاريخية وفلسفية ولاهوتية لتدبر ما يقوله قبل رفضه او قبوله.

في كل مرة يثير يوسف زيدان مسألة من هذا النوع يجعلني افكر في ما يتناوله ، ويحثني على البحث ، اما لانتهي بالموافقة او بالاعتراض على قوله.
هذه المرة عندما تكلم يوسف زيدان عن صلاح الدين الايوبي وقال عنه ما بدا مسيئا بحق صلاح الدين الايوبي ، وقامت القيامة ولم تقعد ، لم افكر في الرجوع الى التاريخ ومحاولة القراءة ، ولربما لان لدي بعض المعلومات في هذا الصدد، تأكدت من خلالها ومنذ مدة ان صلاح الدين الايوبي ، فاتح فلسطين والقدس لم تتحمل شخصيته فقط ذلك المشهد البطولي الذي كتبه لنا جبرا ابراهيم جبرا في فيلم مصطفى العقاد والذي قام ببطولته احمد مظهر.

وقد نحب صلاح الدين ، وقد نصرخ واااااصلاح الدين كل يوم لعل بطل ما يدك بالارض ليخرج الينا محررا. 
ما جعلني اتوقف وافكر كثيرا هو رد الفعل الاقرب الى السفه في هذا الامر . فمرة اخرى صارت دعوات هدر دم زيدان والانهيار عليه بالمسبات والتكفير وكل ما نتخيله من تفاهات وصلت الى حد التهديد وتعدت الغباء .

لانني للمرة الالف اؤكد ان موقف زيدان من هذا الشأن لا يعجبني ، خصوصا اني من الملايين الذين كبروا على فكرة صلاح الدين من خلال تجسده بشكل النجم احمد مظهر في حينه . وبصورة خاصة احب صلاح الدين لما يمثله من فذلكة تاريخية احب اللوذ اليها كانسانة عربية تركت الدولة الايوبية بقيادة صلاح الدين الايوبي مكانا حاضرا في هويتي الوطنية وامتدادي الثقافي. ولكن هل هذا يجعل من صلاح الدين مقدسا؟ هل يجعله انسانا كاملا لم يخطيء؟

ما الضرر في السب وكره والكيل بكل المكاييل على صلاح الدين ؟ لنقل ان زيدان "فاطمي" الهوى واراد الانحياز الى الفاطميين في رؤيته للايوبي؟
من اطلق صفة القداسة على صلاح الدين ؟ ولم علينا الخشوع امام اسمه وغيره من الرموز الكثيرة التي قدمت ما قدمت من خير واخذت ما اخذت .
نعم ، قام صلاح الدين بفتح مبين في تخليص القدس من الصليبيين ، ولكن كان كما لا يزال للسياسة الكلمة الاولى . عندما انتهي عبد الملك بن مروان من بناء المسجد الاقصى قبله ببضعة قرون ، امر الحجاج بن يوسف بينما كانت الناس تبايعه في القدس ،بالتوجه الى مكة وغزوها من اجل الاطاحة بعبد الله بن الزبير .
هل تعلموا ان عبد الله بن الزبير هو احد المبشرون بالجنة ؟ هل تعلمون ان امه اسماء بنت ابي بكر ، ذات النطاقين؟ هل يمكن لمؤمن ان يتخيل ان ذاك المبشر بالجنة ابن ذات النطاقين علق وصلب في ساحة منع حتى امه من الاقتراب منه وهو جثة تقتلعها الغربان ؟ هل معرفة هذه الحقيقة تغير بقيمة ما قام به عبد الملك بن مروان بالقدس؟ ومهما كان الجواب فالمسألة ليست هنا . المسألة في السؤال اذا ما كان يحق لنا ان ننتقد ونسأل ونصرخ عاليا بأن الظلم الذي اصاب عبد الله وامه ظلم قاسي ومن قام بتلك الفعلة كان مجرما ، من نفذ ومن اعطى الاوامر على حد سواء. ما قام به معاوية بن ابي سفيان بالحسين بن علي، والحسن من قبله ؟

ان التاريخ بانتصاراته وبطولاته التي تعلمنا عن اضاءاتها مليء بسفك الدماء من قتل ونهب وترهيب .
يحاول يوسف زيدان بكل مرة الدق على ناقوس خطر نقوم به على ما يبدو بلا وعي ، وهو تقديس ما هو غير مقدس. واتفق هنا مع زيدان ، بأن المقدس صنيع الانسان لا صنيع الله . ان الله لم يطل صفة القداسة على احد او على شيء . وما جري من غوغائية بموضوع صلاح الدين يجعلني اتأكد ان يوس زيدان يعاني من مشكلة حقيقية ، وهي انه يدق كمن يدق الهواء في الهاون . فعندما يتم تكفيره وتهديده لانه قال بصلاح الدين اقوالا غير قدسية وبها حقيقة مغايرة عما تم حشوه في عقولنا ، فاننا بلا شك في قعر الانحدارات . حتى اذا اتفقنا انه ليس من الجدير استخدام لفظ حقير ، او كما تم قوله " احد احقر الشخصيات في التاريخ الانساني" . في النهاية فلقد سب او ذم رجل . لم يسب الذات الالهية ولم يقترب من الرسل. هل كفر يوسف زيدان لانه شتم صلاح الدين الايوبي ؟
هذا التعصب والتشدد الغوغائي لا يعطي صلاح الدين حقه ، ان كان هناك مدافع عن صلاح الدين . وبدون شك لا يشكل الهجوم بهذا الشكل على يوسف زيدان الا بالتأكيد على ان ما قاله يحتمل الكثير من الحقيقة ، الا ولماذا لم يرد اولئك بردود اخرى عليه غير تلك المهددة والموعدة بالقتل والشتم؟
صلاح الدين رجل قام بعمل بطولي في القدس لا يجعل منه الها ولا مقدسا. ولا يسقط عنه المساءلة . والنقاش في هذا من المفترض ان يكون نقاشا من اجل الفهم والتبحر في العلم لا التقاتل والتهديد والتكفير .

وترك شؤون العالم المحيط بنا من دكتاتوريات وظلم وقمع والالتهاء بوصف يوسف زيدان لصلاح الدين بالحقارة ، يؤكد اننا شعوبا تافها . وهنا ، افهم هجوم من يعلمون ما خططته الكتب والمخطوطات في شأن تاريخنا الذي لم يكن مضيئا كما علمونا في الكتب المدرسية . لانهم فعلا يرهبون فكرة ان تطال هكذا اتهامات لشخصيات اخرى . وان كان هدف يوسف زيدان معرفا لدي ، فهو دائم القول والاصرار على ان ما يسعى اليه تحريك العقول وفض المخلفات الجل المترسبة في امخاخنا وكأنها جزءا من مكوناتنا .  وامامنا يقوم امراء الخليج ممثلين بالسعودية بجرنا الى غياهب التخلف والعته والفساد والظلم ليؤكدوا للعالم ولنا ان مفهوم الغرب عن العرب لم يكن من صنيع خيالهم . فالمهزلة التي شهدناها بالايام الاخيرة عندما قام ترامب بزيارة السعودية اشد مأساوية من تحقير يوسف زيدان لصلاح الدين . فلو نفكر ونتدبر في اولئك الذين يحكموننا اليوم ونسأل انفسنا كيف لهم ان يستمروا بسحقهم للشعوب وذلهم وابتلائهم  بكل تلك العقائد البالية والتحكم بهم ومع ذلك يعرونا امام الغرب باقترافهم كل المحظورات التي يمارسونها على الشعوب؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير