17 عاماً على كتابة التاريخ.. إشكالية المقاومة في زمن الهاشتاغ!

25.05.2017 04:42 PM

كتب علي شهاب: يحتاج تقويم مسيرة حزب الله منذ تأسيسه وحتى اليوم إلى دراسة معمّقة تستند إلى منهج علمي وتستشرف المفاصل الرئيسية (والتي قد لا يكون بعضها معروفاً أو ظاهراً) التي مرّ بها الحزب.

على الرغم من تعاقب أكثر من جيل فيها، لا تزال مسألة ذاكرة المقاومة تمنع انطلاق هكذا دراسة لا لأسباب تقنية وفنية فقط، بل لأن تنظيم الحزب ينتمي في السياق اللبناني إلى خصائص إجتماعية أوسع؛ هي هويته اللبنانية. وهذه الهوية لم تستطع منذ نشأة كيان الدولة أن تقرأ تاريخها الذي صار ضحية حالة عدم استقرار الكيان، فاستحال التاريخ وجهة نظر يتجاذبها اللبنانيون بحسب أهوائهم.

إستطاع حزب الله في نشأته الأولى حتى تحرير جنوب لبنان عام 2000 التمدد عميقاً في الوجدان القومي العربي والإسلامي الأوسع عبر مراكمة أفعال المقاومة.

قبل 35 عاماً، كانت اللغة الطائفية والمذهبية رائجة سياسياً، تماماً كما هو الحال اليوم. كانت إيران منبوذة عربياً أيضاً. لكن أحداً من حكام العرب لم يكن ليجرؤ على الذهاب بعيداً في محاباة إسرائيل بالعلن، على الرغم من أنّ الأنظمة السياسية الحاكمة لم تكن أفضل حالاً بكثير من تلك الموجودة اليوم.

ما الذي تغيرّ إذاً بالنسبة للمقاومة؟
ما بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000، يمكن لأي مراقب أن يُفرد قائمة بملاحظات قاسية على أداء حزب الله في لبنان. يمكنه تسجيل الملاحظات على جيل ما قبل التحرير أيضاً. غياب ذاكرة المقاومة يُسهم في اتساع الملاحظات.

قد لا يكون من العدالة تحميل الحزب كامل المسؤولية عن حفظ ذاكرته، خاصةً وأنّ هذه المهمة لا تقلّ ثقلًا عن وزن الملف الإقتصادي والمعيشي في لبنان. وهو ملف تعلن قيادة الحزب أنها غير قادرة على حمله في ظلّ انهماكها بقضيتها الأولى.

أما وقد بلغ الإنقسام السياسي في العالم العربي والإسلامي ما بلغه من حدة، فإنّ جدران إسرائيل عند حدودها تبدو إعلاناً لكونها اطمأنت أنها قد نقلت المعركة إلى قلب خصومها.

قد لا يعي الجيل الناشئ بعد حرب تموز في العام 2006 كامل المشهد. و قد يغيب عن بال الجيل الثاني للمقاومة تفاصيل الرواية. ولهذا على الجيل الأول تدوين ذاكرته. هذا ليس ترفاً فكرياً ولا حاجة إعلامية فقط. حفظ ذاكرة المقاومة في صُلب تطور دينامية أي جماعة؛ فما بالك بجماعة لا تزال تكنّ العداء لإسرائيل في زمن السلام المنشود على ركب جمل الملك، بما حمل؟

نحتفل اليوم بمرور 17 عاماً على تحرير جنوب لبنان. 17 عاماً ليست بزمن طويل في حياة الشعوب، ولكنك إن سألت جمهور المقاومة عما حدث عشية التحرير، لأتتك الأجوبة إنشائية في أفضل الأحوال!

ليس الخامس والعشرون من أيار تاريخاً لانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، بل هو حدث يختزل في طيّاته مشاعر ومعاناة مئات آلاف اللبنانيين الذين وضعهم القدر على تماس مع كيان محتل منذ قيامه.

بمعنى آخر، راكم حزب الله على امتداد 18 عاماً (منذ انطلاقته عام 1982 وحتى عام 2000) أفعال المقاومة في بقعة جغرافية محتلة وضمن بيئة صنع ثقافتها وهويتها الحديثة بسلوكه كي يصير جنوب لبنان اليوم (على الرغم من كل الملاحظات على واقع الخدمات في لبنان نتيجة قصور الدولة) واحداً من أكثر المناطق أمنًا في الشرق الأوسط المشتعل، بفعل توازن الردع القائم عند الحدود.

هذه التجربة تعاني نقصاً في التوثيق الإعلامي الحديث. لا نتحدث عن أعمال وثائقية ولا تغطية خبرية للمناسبة، بل المقصود حملات الترويج لمحتوى جذاب في الإعلام الجديد.

قبل أيام، جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ملوك وأمراء العرب في الأرض التي أجمع المسلمون على تقديسها ووقعّ عقوداً قيمتها 460 مليار دولار، ليقطع من بعدها وعداً على نفسه بالوقوف دائماً إلى جانب إسرائيل!

حجم المشاهد والصور التي توثّق لحظة الخنوع العربي في محضر "أبي إيفانكا" يصلح لمادة إعلامية ساخرة لمدة شهر. دعنا والتحليل الاستراتيجي للحدث، فالعرب والاستراتيجيا "دونت ميكس"!

مع ذلك، فإنّ الجهد الإعلامي الذي قاده الملك السعودي المؤجل تنصيبه محمد بن سلمان للترحيب بالضيف العزيز يستحق التقدير والإشادة. لقد صارت "بنت ترامب" هاشتاغاً عالمياً في غضون ساعة.

تخيّلوا لو أن المقاومة تخوض حربها وتفتح صفحات ذاكرتها في الإعلام الجديد بجزء من أعشار ما خصصه بن سلمان في الإعلام لاستقبال ترامب.

لا ينقص المقاومة المضمون ولا القيمة الإنسانية (وهي ليست بحاجة الى إبراز خطاب مذهبي وديني أصلًا لتعبئة الجمهور). مشكلتها فقط أنها تمارس فعلَ حياة في زمن الهاشتاغ!

الميادين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير