شباب غزّة المغتربين عينٌ على الوطن وأخرى ترقبُ المستقبل

15.06.2017 08:23 AM

غزة- وطن- محمد أبودون: لم تكن فكرة السفر والهجرة خارج قطاع غزّة، ضمن الأفكار التي جالت في خاطر المدون والناشط السياسيّ عامر العروقي (26) عامًا، حين كان طالبًا جامعيًا في قسمِ الإعلام بجامعةِ فلسطين. لكن سوء الأوضاع المعيشيّة وانعدام الأفق، جعلت السفر الخيار الوحيد المطروح أمامه، للبحث عن حياةٍ أفضل ومستقبلٍ أجمل من ذاك الذي يبدو سوداويًا في غزّة. في حديثٍ لوكالة "وطن " يقول العروقي: "حالي كحال الكثير من الخرّيجين والشباب في غزة، فأنا خرّيجٌ منذ عامين تقريبًا ولم أحظى بفرصةِ عملٍ ولو مؤقتة حتى وقت سفري إلى أوكرانيا نهاية عام 2016، والّذي واجهت في سبيل تحقيقه صعوباتٍ جمة".

ويؤكّد أنّ المعاناة التي عشاها لم تقتصر على تردي الوضع المعيشيّ فقط، بل امتدت لجانبٍ أخر خطير جدًا، حيث تلقى أكثرَ من رسالةِ تهديد بالاعتقال والخطف، مستكملًا "تم إيقافي مرّات عديدة في الشارع من قِبل جهاتٍ مجهولة"، ويوضح أنّ السبب كان باختصار مطالبته بحياةٍ كريمة عادلة، وانتقاده عمل حركة حماس الحاكم الفعليّ لقطاع غزّة في كتاباته المختلفة. وعلى الرغم من كل ذلك لم تتوقف كتابات الشاب عامر التي يعالج بها بعض القضايا الوطنيّة والمجتمعيّة ويطرح من خلالها رأيه وتعليقه على مجملِ ما يحدث في وطنه فلسطين، وبحسب ما يبين فإن ما يكتبه يتنوع بين المقالات السياسيّة والمدونات المختلفة، عدا عن المنشورات والتغريدات القصيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ المختلفة.

يكمل: "لا شيء يهمني في هذه الحياة أكثر من أزمات القطاع على وجهٍ خاص والقضية الفلسطينيّة بشكلٍ عام". ويردد على الدوام قول "أصبحت لا أعيش في غزّة ولكن غزّة تعيش في داخلي".

ولا ينكر عامر حنينه المستمر لغزّة وأهلها الذي بدأ مع أول خطوة له خارجها، ويرى بأن عودته لها مرهونة بظروف معابرها وأوضاعها العامة. ويعاني الشباب الفلسطينيّ من أوضاعٍ معيشيّة صعبةً للغاية، فقد بلغت نسبة البِطَالة بين الخرّيجين الشباب 51%، بحسب بيان نشره الجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ في 12 آب/أغسطس الماضي وهو التاريخ الموافق ليوم الشباب العالمي، وبحسب النتائج الظاهرة من خلال البيان يتضح أنّ 63% من الشباب بين عمر 15 و29 عاماً يرغبون في الهجرة، لكنّهم لا يفكّرون بالهجرة الدائمة، بواقع 73% في الضفّة الغربيّة و56% في قطاع غزّة. الحالُ لا يختلف كثيرًا إذا ما تحدثنا عن الكاتب والصحافيّ الشاب أحمد بعلوشة (27) عامًا، الّذي غادر القطاع في أيّار/مايو ٢٠١٦ متجهًا إلى الضفّة الفلسطينيّة المحتلة بحثًا عن العلم والعمل.

يبدأ أحمد حديثه "غادرتُ غزّةَ جسدًا، وبقيتُ فيها تفكيرًا وإحساسًا، فعقلي دائمًا هناك، حيث أهليّ وأصدقائي وذكريات طفولتي والتّفاصيل الجميلة"، مشيرًا إلى أنّه يقوم بالكتابة عن مشاكل القطاع اليوميّة باستمرار، ويتابع كافّة الأحداث والمجريات المرتبطة به، مردفًا "إنّها في غاية الأهميّة بالنّسبة لي كصحافيّ فلسطينيّ عاش في غزّة أعوام كثيرة، ولديّ ارتباط وثيق بتلك المدينة الصغيرة". ويوضح بعلوشة أنّ فترةَ تواجده في غزّة كان يواجه الأحداث كمختلف المواطنين الّذين يعيشون فيها ويحاولون تجاوز صعابها، الأمر الّذي كان يدفعه إلى كتابة المزيد وتسليط الضّوء على قضاياها بشكلٍ أوسع، متابعًا: "مع تواجدي خارج القطاع، أصبحت لديّ رؤية مقرونة بما يعيشه الأخرون في الأماكن المختلفة، وبالتالي أكتب الآن عن الأحداثِ من زاويةٍ أبعد وربّما تكون أشمل في بعض الأحيان".

وكما باقي أهالي غزّة المغتربين يعمل أحمد على نقل رسالتها لمن هو خارجها، ويرى في هذا العمل مهمّة يجب أن يقوم بها على الدوام، كما أنّه لا يمكنه الانفصال عن هموم القطاع وآلامه مهما ابتعدت المسافات، مستدركًا: "غزّة بحاجة بشكلٍ فاعل وعمليّ لنقل حالتها الواقعيّة بصورةٍ واسعة، الأمر الّذي من شأنه أن يتركَ أثرًا على من يعيشون في الخارج ويجهلون الكثير حول وضعها".

وشهد قطاع غزّة في السنواتِ الأخيرة مغادرة جماعيّة لعدد كبير من الشباب والكُتاب والمثقّفين والصحفيّين باتجاه رام الله وتركيا ودول أوروبّا المختلفة، فغزّة من وجهةِ نظرّهم أصبحت مكانًا غير صالح لتطوير المواهب وتنمية الذات، ومن جانب أخر فهم يرونها غير قادرة على استيعاب ما ينتجونه من معرفة وكتابات تنتقد الأوضاع السياسيّة والحياتيّة الصعبة، التي يعاني منها القطاع منذ سيطرة حركة حماس عليه في حزيران/يونيو 2007.

تصميم وتطوير