نادية حرحش تكتب لـوطن: العشر الاواخر من رمضان والمشهد اشد بؤساً

16.06.2017 10:07 AM

احيانا تخرج الى رأسي مصطلحات لا تمت لما اريد ان اكتب بصلة، عند بدئي بالكتابة. اختيار العنوان قد يكون السبب، وفي هذه الحالة وبينما بدأت بالعنوان تساءلت " شو خص طز بمرحبا؟ " وعدت الى العنوان واكدت لنفسي، "طز ومرحبا بهذه الحالة مترابطان."

لماذا اربط رمضان وعشره الاواخر او الاوائل بحالنا البائس؟ ما ذنب رمضان وشعبان وباقي الشهور ببؤسنا ؟ ربما لأننا شعب بائس ينتظر الخلاص دائما، فتكون الشهور كذلك ضحيتنا . ففي وضع لم يعد انتظار "المخلص" بهيئة صلاح الدين ممكنا، لا بد من انتظار يوم او شهر فرج يفتحها مفرج الحال امورنا البائسة.
اعرف ان كلمة بؤس ترددت حتى هذه الفقرة عدة مرات منذ العنوان، ولكن عذرا، فالوضع بائس.
رمضان الخير والمحبة والانسانية . رمضان العبادة والتقرب من الله والانصراف عن متاع الحياة والتفكر في خلق الله.

تمشي في القدس صبيحة هذا اليوم ولا تزال مخلفات اليوم السابق من عجيج الناس ونفاياتهم تخترق المكان بالرغم من محاولات عمال النظافة اللا منقطعة من التنظيف استعدادا مرة اخرى ليوم جديد. اعرف ان كم البشر الهائل القادم الى القدس ليس بقليل، ولكن الموضوع هنا، موضوع يمس كل شخص. كل انسان يدعي انه مسلم يمشي بالشارع الى الصلاة (في هذه الحالة) ولا يعبأ بالنظافة او الوساخة التي يراها او لا يراها امامه. ولست بوهيمية هنا ولا مسلمة كما علمني الاسلام بأن "اماطة الاذى عن الطريق صدقة" . فاذا لم تمط الاذى وليس سهلا بهذه الحالة طبعا ، فلا تشارك بالاذى وتخلقه . كيف تمشي امرأة بابنائها وترمي المحارم امامهم؟ كيف يمشي رجل مع ولديه ويبصق على الطريق بلا اكتراث؟ فكيف لا يتصرف هؤلاء الابناء كأهلهم ؟
وبعد الافطار يتحول المشهد الى مزري بكل الحالات ، وكأنك في مجمع نفايات . اولئك كلهم كانوا صياما قبل ساعات .

وتصل الى الاقصى ، اذا ما استطعت الوصول ،وتشعر بهول المنظر . اهي حديقة عامة ام ملهى ام مطعم ؟ وتقول في نفسك لا بأس: " العالم تأتي دعما للمكان من شدة الهجمة عليه." فأذكر نفسي من هول المشهد . " اي هجمة؟" .فتذكرني نفسي المصدومة : " المستوطنين يا غبية".
يا الهي اي مستوطنين. اذا ما قرر هذا البشر الذي على ما يبدو لا تردعه الحواجز للقدوم الى القدس ان يأتي يوميا الى القدس لهرب المستوطنين وكل بني اسرائيل بعد سنة . هذا الكم البشري المجتمع لن تقوى عليه قطعان المستوطنين ولا مستبدي الجيش اذا فقط قرر القدوم الى هنا . مجرد الوجود والحضور في محاولة رمزية للوصول الى الاقصى به من القوة التي لا يمكن ردعها .

وهنا اقصد اهل المدينة او سكانها الحاملين للهوية الزرقاء واهل المدن التي احتلتها اسرائيل سنة ١٩٤٨ والحاملين للجنسية الاسرائيلية .
اما اهل الضفة الغربية ، الذي يقدم لهم يوم الجمعة من رمضان "هدية" من الاحتلال في السماح لهم بالعبور للقدس ، فاستثنيهم من هذا . وهنا لا يمكن الا التوقف في مشهد اخر . بؤسه محزن وشعوره اقرب الى المقت . ولكن اي مقت ؟ هل هو الغضب على ما يسمى سلطة جاءتنا لتحررنا من الاحتلال فحولت الاكثر بؤسا منا الى متسولين ؟

كم الناس المتسولة اشبه بما نراه في زنقات المزارات في القاهرة ، والمتسولون في مواسم الحج بالسعودية .
هذا المجتمع الذي لم يتكن هذه الظاهرة به قبل اوسلو ،تحول الى مجتمع متسول بالتدريج حتى عشنا لنشهد القدس مكانا تستغله النسوة والرجال للتسول في فرصة اشبه بالنادرة بالدخول الى القدس.

في السابق كان المشهد ذلك الذي يملأه الباعة المتجولين والفلاحات بمنتجاتهم والبسطات والالعاب على الطرقات . اليوم ترى مشهد المتسول وكأنه جزء من الاكسجين الذي تتنفسه اثناء مرورك بين الشوارع.

وهنا المشهد مبكي ، فكل واحدة بورقة وقصة ، تستجدي او يستجدي النظر اليهاه وسماع قصة لا اشك انها قد تكون حقيقية . قصص شعب يشحذ في غياب الامان والخدمات الحقيقية التي تقدمها السلطات المحترمة . امرأة تستجدي شواقل معدودة من اجل دواء او مستشفى او مرض سقيم .
ثم ترجع الى ذلك المشهد لدى وصولك الى باحات الاقصى وتفكر ، اذا ما استطعت التفكير طبعا ، هذه النسوة بطناجر الطبخ والاولاد الكثر وتلك المراهقات المنزويات بين الشجرات البعيدة وعلى الدرجات المظللة ع نالعيون اذا ما تمكنن من ذلك ، "اولاد بلد" ، اولاد المكان. كيف تمكنن من نقل المطبخ الى هنا ؟
ثم اعود لاذكر نفسي : " اهدئي ، نحن نقاوم الاحتلال هكذا . نحتاج الرباط هنا."

رمضان هذا العام اكد ان الشيطان الوحيد الموجود بيننا هو نحن .
لسنا بحاجة لشياطين توسوس في صدورنا ، فنفوسنا امارة بسوء تربوي ، فاقد لثقافة وانتماء ولا يفهم من الدين الا طقوس حولناها الى تقاليد واعراف خالية من المعاني ، شكلية ، منفرة في احسن احوالها.

وتتوقف من جديد وترى المشهد من مكان ما بالخارج ، وتفكر ، كيف سيكون هذا المشهد لو لم تكن "سلطات الاحتلال" التي لا تتواري عن قتلنا واضطهادنا والاستبداد والتنكيل بنا يوميا متواجدة لتنظم بعض التنظيم وتفض الاشتباكات والطوش والمشاحنات التي صارت منذ بدء الشهر بعد الافطار يومية ؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير