خالد بطراوي يكتب لـوطن: فرعنة النقابات المهنية

18.06.2017 07:37 PM

ما زلنا أيها الأحبة في مجموعة من نقاباتنا المهنية في الأرض المحتلة، نعتبر فروعا للنقابات المهنية في الأردن الشقيق، ما زالت نقابة المهندسين/ مركز القدس ونقابة الأطباء ونقابة أطباء الأسنان ونقابة الصيادلة ونقابة المهندسين الزراعين وربما غيرهم تتبع للنقابات المهنية في الأردن.

النقابة الوحيدة التي شذّت عن القاعدة نقابة محامي فلسطين فقد صدر لها قانونها الخاص وتوحدت أطر المحامين تحت اطار هذه النقابة.

كثيرون برروا استمرار حالة الالحاق بالنقابات المهنية في الأردن بوجود استحقاقات مالية من أموال منقولة وغير منقولة في ذمة هذه النقابات لصالح المهنيين هنا. وآخرون فضلوا حالة تشرذم النقابات هنا في الوطن المحتل لأسباب تتعلق باعتبارات ذاتية يطربون لها، فما زال على سبيل المثال هناك ثلاثة أجسام هندسية فلسطينية الاتحاد العام للمهندسين الفلسطينيين ونقابة المهندسين في قطاع غزّة ونقابة المهندسين / مركز القدس، وينطبق ذات الحال على باقي النقابات المهنية.

ومن مهازل القدر، أن مهندسا من قطاع غزة و/أو مهندسا لا يحمل جواز سفر أردني ( مؤقتا كان أم دائما) فانه لا يحق له الانتساب الى نقابة المهندسين / مركز القدس الا بوصفه مهندسا محليا ولا يتمتع بالتالي ببعض الحقوق كالانضمام في صندوق التقاعد و/او التكافل في نقابة المهندسين في الاردن.

وكل ذلك أيها الأحبة في ميزان، بينما انحسار الدور الوطني والدور النقابي لهذه النقابات المهنية في ميزان آخر.

ما زلت لغاية يومنا هذا ومنذ أن أنتسبت لنقابة المهندسين عام 1984  أحتفظ بالبطاقة التي وقعها نقيب المهندسين في الأردن آنذاك المهندس ابراهيم أبو عياش – رحمه الله – لأنه ما إن علم بوجود اشكالية ما مع الجهات الرسمية الأردنية حتى سارع لتسجيلي كي يدافع عن منتسب للنقابة التي يترأسها، ولا أعتقد أنني سأغير هذه البطاقة يوما ما اذ أنني أتشرف بمن وقعها المناضل الوطني الحق الزميل المهندس ابراهيم أبو عياش – رحمه الله -.

وما زلت أذكر تماما، ذلك اليوم بعد أن عدت الى أرض الوطن عندما توجهت الى مجمع النقابات في بيت حنينا بهدف تقديم أوراقي كمهندس في الأرض المحتلة، وكان وقتها نقيب المهندسين المهندس ابراهيم الدقاق " أبو عزام" رحمه الله حتى اقتحمت القوات الاسرائيلية مقر النقابة واعتقلتنا جميعا نظرا لدور النقابة الوطني في مناهضة الاحتلال، وأذكر كيف أمسك المهندس ابراهيم الدقاق رحمه الله بيدي وأنا في أول طريقي في عالم المهنة، وطلب مني أنا أشاركه في بحث قدّم للملتقى الفكري العربي بالقدس بعنوان " البطالة في قطاع المهندسين" ذلك البحث الذي أصر أن يكتب اسمي كأحد الباحثين قبل اسمه.

عندما سمح لي بدخول القدس، قبل أعوام وبعد منع استمر قرابة الثلاثين عاما، كان أول شىء فعلته أنني ذهبت لزيارة أحد أعمدة القدس الزميل المهندس ابراهيم الدقاق – رحمه الله - حيث عانقني وسط الشارع ودمع.

ولا زلت أذكر أيضا دور النقابات المهنية القيادي في الجبهة الوطنية سبعينات القرن المنصرم، ودورها في لجان التوجيه الوطني ثمانينات القرن المنصرم ودورها في القيادة الوطنية الفلسطينية الموّحدة للانتفاضة الى أن بسطت السلطة الوطنية سيادتها.

ما زلت أذكر كيف مزجت هذه النقابات المهنية بشكل خلاق بين العمل الوطني والعمل النقابي، وكيف مارس نقابيو هذه النقابات المهنية مهامهم في الدفاع عن مصالح المهنيين كل في نقابته، وجمعوا بشكل خلاق بين النضال الوطني التحرري والنضال الطبقي.

مؤخرا، عندما عصفت بنقابة المهندسين في الأردن أحداث جسام تتعلق بمقدرات صندوق التقاعد حاولنا أن نتحرك هنا في الارض المحتلة، وكيف لا، ونحن جزء من الهيئة العامة لصندوق التقاعد. توجهنا أول ما توجهنا الى مجلس النقابة هنا، لشديد الأسف لم يكن تحرك النقابة هنا في الأرض المحتلة على المستوى المطلوب الموازي لثقل الحدث، وكان التحرك خجولا.

قلنا، ونحن أعضاء في الهيئة العامة لصندوف التقاعد وعددنا هنا كبير في الأرض المحتلة لماذا لا نخاطب مجلس النقابة في عمان ومجلس ادارة صندوق التقاعد بمجموعة من المطالب ومن خلال مجلس النقابة هنا، وبالفعل تم تبنى هذه المطالب من قبل مجلس النقابة هنا، وهي أن يكون لنا ممثلين في مجلس ادارة صندوق التقاعد في الأردن، وأن يتم استثمار جزء من أموال الصندوق هنا في الأرض المحتلة، وأن يتم معالجة ملفات التقاعد العالقة منذ سنوات مع الأردن ( وكان وقتها عددها يفوق الستين ملفا ومنذ أعوام) وأن يتم اعتماد نظام الفيديو كونفرنس في اجتماعات الهيئة العامة، وأن لا يتم دعم أيه جهات فلسطينية في الأرض المحتلة الا من خلال النقابة هنا بعد أن تبين أن النقابة في الاردن قد تجاوزت النقابة في فلسطين وقامت بتحويل أموال وبضمنها لمستشفى في جنين دون علم النقابة في الارض المحتلة، علما بأن قانون نقابة المهندسين ينص صراحة على أن هناك مركزان للنقابة الأول في الأردن والثاني في القدس، أي أن العلاقة علاقة تساوي وتوازن وليس علاقة تبعية.

وقد حمل مجلس النقابة هنا هذه المطالب، وصفق له ( ظاهريا) رئيس وأعضاء مجلس النقابة في الأردن، دون أن يتحقق للأن أي من هذه المطالب ، اللهم سوى معالجة بعض ملفات التقاعد العالقة والتي بالأساس يجب أن لا تكون عالقة.

ماذا كانت النتيجة؟ فشلت جهود الجهة المسيطرة على النقابة في الأردن أول مرة في اقناع الهيئة العامة برفع أقساط التقاعد، لكنها، خرجت من الباب وعادت من الشباك ونجحت في المرة الثانية عبر التحشيد لفصيل سياسي اردني ديني وغابت النقابة في فلسطين كليا وجرى اقرار رفع أقساط التقاعد وما زالت النقابة في الأردن تسير بخطوات اقرار عملية الرفع من خلال سعيها للحصول على موافقة الجهات الرسمية الأردنية وبضمنها التشريعية وذلك وفقا للقانون.

بمعنى أن صمت النقابة هنا، وتصغيرها لذاتها، أطلق العنان للنقابة في الأردن أولا لهدر أموال ومقدرات صندوق التقاعد، وثانيا لتغييب مكانة النقابة هنا، عملا بمقولة " قالوا لفرعون مين فرعنك .. قلهم ما لقيتش حدا يردني" أو " سمحنالوا .. دخل هو وحمارو".

وجاءت الضربة الكبرى من مجلس النقابة في عمان الذي يرحب – ظاهريا - ودوما بمجلس النقابة في الأرض المحتلة ويبتسم في وجوهه ثم يقوم بالطعن في ظهره، عندما انطلقت في الخامس من تشرين الأول لعام 2016 في إسطنبول فعاليات ما سمي " بالمؤتمر التأسيسي للتجمع الدولي للمهندسين الفلسطينيين"، ووفقا لما تناقلته وكالات الأنباء فقد عقد المؤتمر " بمشاركة أكثر من (300) مهندس فلسطيني من الداخل والشتات الفلسطيني، وحضور من المؤسسات الهندسية التركية، بهدف إيجاد إطار وطني فلسطيني جامع للمهندسين، وذلك تحت شعار "مهندسون في خدمة المجتمع الفلسطيني" وشارك في هذا المؤتمر المهندس سري زعيتر / عضو مجلس النقابة في الأردن ورئيس شعبه الهندسة المدنية فيها، حيث القى كلمة باسم نقابة المهندسين الأردنيين، بل وجرى التوقيع في جلسة الافتتاح، على عدد من العقود مع نقابة المهندسين الأردنيين، وبضمنها مشروع (المهندس الصغير) الذي يهدف إلى رعاية الطفل الفلسطيني الذي يلمح لديه النبوغ والذكاء ليصبح عالمًا في المستقبل ( دون أي اعتبار للنقابة في الوطن المحتل) ، فيما اشتمل العقد الثاني على برنامج للتدريب عن بعد لـ (200) مهندس فلسطيني ( دون أي اعتبار للنقابة في الوطن المحتل) ، وإيجاد فرص عمل والتعاون بين المؤسسات لخدمة المجتمع الفلسطيني، وتبادل الخبرات، أما العقد الثالث فقد وقع بين التجمع والشركة العربية للمحولات الكهربائية في السعودية، من خلال استيراد المحولات منها إلى قطاع غزة ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ( دون أي اعتبار على الأقل للنقابة في غزة). وبكل صفاقة وضرب بعرض الحائط بنقابة المهندسين / مركز القدس وباقي الأجسام النقابية جرى الاعلان عن تأسيس ما يسمى بـ "التجمع الدولي للمهندسين الفلسطينيين"، بحجة أن هذا التجمع قد جاء نتيجة "الغياب شبه التام للعمل النقابي وتهميش القطاع المهني الذي تعيشه الساحة الوطنية الفلسطينية منذ عدة سنوات"( الله أكبر).

وعندما خاطبت نقابة المهندسين / مركز القدس شقيقتها في الأردن نفت الأخيرة أن يكون لها أي علاقة بهذا المؤتمر رغم أن كافة الدلائل تشير ليس فقط الى علاقتها بالمؤتمر بل بتورطها الكامل في السعي لتهميش دور نقابة المهندسين في الأرض المحتلة وفي أيجاد أجسام بديلة. وكان تحرك نقابة المهندسين في الأرض المحتلة ازاء هذه المسألة الخطيرة تحركا هزيلا أمعن في فرعنه النقابة في الأردن (قللو يا فرعون مين فرعنك .. قللو ما لقيتش حدا يردني أو سمحنالوا ... دخل هو وحمارو).

الان، تقترب انتخابات مجلس النقابة في الأردن، ومن كامل حقنا ونحن نسدد كافة التزاماتنا المالية أن ننتخب ممثلينا هناك، فكيف للنقابة هنا أن تنسق ذلك؟ هل تجري اتفاقا مع النقابة هناك على ان يتم الاقتراع على الانتخابات هنا أيضا عبر نظام الفيديو كونفرنس أو غيره، أم تسّير قوافلها الى عمان للانتخاب هناك؟ لا يمكن لنا أن نسكت على كل ما يجري من استحواذ واختطاف للنقابة يتم في الاردن بعملية تحشيد سياسية تحت مسمى الدين وتهميش لدرجة الاقصاء لباقي أطياف العمل النقابي الهندسي، وذلك ينطبق على باقي النقابات المهنية الى حد ما.

في شباط هذا العام، أجرت زوجتي وهي طبيبة أسنان ، عملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية، وحيث أن نقابة أطباء الأسنان هنا في فلسطين تصغر نفسها أيضا أمام نقابة أطباء الأسنان في الأردن وتفرض ( لاحظوا اجباري وبصمت من النقابة هنا) على أطباء وطبيبات الأسنان هنا الالتحاق بالتأمين الصحي ليس هنا في الوطن المحتل بل ذلك التأمين الصحي التابع لنقابة الأطباء في الأردن حيث يدفعون سنويا وقليل منهم يستفيدون من هذا التأمين الصحي، فقد همس أحد أطباء الأسنان لزوجتي، أنه بامكانها أن تقدم فواتير العملية الى النقابة لاسترداد ما دفعته.

وبالفعل قمنا تجهيز كافة الفواتير مع ارفاق كتاب تفصيلي، وتوجهت بنفسي الى نقابة أطباء الأسنان في فلسطين وسلمت الطلب. لكن وبناء على تجربة شخصية سابقة لطبيب أسنان فقد طلب مني أخذ الأوراق من النقابة هنا ( لأنها ستوضع في الدرج) وارسالها الى الأردن خاصة وأن سقف المطالبة زمنيا هو شهر واحد والا تفقد زوجتي حقها في المطالبة ( الله أكبر) . وبالفعل توجهت في اليوم التالي لتسليمي الأوراق الى نقابة أطباء الأسنان هنا في فلسطين لأسترجاع الأوراق، وقد استغرق الموظفة هناك فترة من الزمن لتجد الأوراق التي سلمتها انا في اليوم السابق اذ جرى " دحشها" بين أوراق عديدة في ملف، يعني بما معناه " ضاعت في الخرج".

ما علينا، أرسلنا الأوراق الى عمان، وكان ذلك منتصف شباط هذا العام، لتسلك الأوراق مسلكا بيروقراطيا طويلا مذلا .. حتى أخيرا في حزيران يتم تحرير شيك بأقل من ثلث المبلغ الذي تم دفعه ومن حساب بنك غير موجود هنا في فلسطين وعلى الشيك عبارة " يصرف للمستفيد الأول فقط" بمعنى أن على زوجتى السفر الى الأردن ودفع تكاليف سفر تفوق قيمة الشيك نفسه لأخذ " الفتات" الذي تصدقت به نقابة أطباء الأسنان علينا كما لو أننا " نشحد". .... الله أكبر .. الله أكبر على من طغى وتجبر. .. قالوا يا فرعون ... مين فرعنك ... قلوا ما لقيت حدا يردني.

صّغرت النقابات المهنية هنا من نفسها بنفسها، بتبعيتها المطلقة " وع الغميض" للنقابات المهنية في الأردن وتحولت الى "ساعي بريد" لا يقوم حتى بمهامه خير قيام، تحت مبرر أننا لا نريد التدخل في الشؤون الداخلية للنقابات هناك ... الله أكبر ... ضاع صندوق التقاعد وسيجبروننا على رفع الأقساط الضعف تقريبا، ويعلقون ملفات التقاعد الخاصة بنا لسنوات وسنوات، ويجبرون الأطباء على دفع مخصصات تأمين صحي هناك ويعطوننا الفتات .. ونصفق لهم؟ لقد صغرنا أنفسنا كثيرا كثيرا أيها الأحبة .... فتفرعنوا بل وتدخلوا في شؤوننا فنراهم ينفقون من مقدرات نقابتنا في الأرض المحتلة هنا وهناك دون علمنا ويعتبرون وكأننا غير موجودين على الخارطة النقابية والوطنية والاجتماعية.

لم تهتم النقابات المهنية هنا بتوحيد الأجسام المهنية، وأحدثت فرزا بين مهندس أو طبيب أو صيدلاني أصيل في النقابة يتمتع بكامل الامتيازات وآخر محلي " مسخم". غاب دور النقابات المهنية في تبنى هموم المهنيين ومنها البطالة في قطاع المهنيين الصريحة والمقنعة وخاصة حديثي التخرج وتدني الرواتب وألأجور وغيرها.

سينزعج البعض من مقالتي هذه ولكنني لا أهاجم أحدا بشخصه مطلقا بقدر ما أسعى الى " قرع الجرس" علنا نعيد نقابية النقابات المهنية الى سكة حديدها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير