نادية حرحش تكتب لـوطن: مَن الملام عن حوادث الموت وكل مصائبنا؟

29.06.2017 07:19 AM

كم نمر يوميا امام حوادث تقربنا اكثر من الموت ؟ حوادث تكون على مقربة منا ولا يفصلنا عنها الا ما نسميه لطف الله .

شوارعنا تشبهنا ، انعدمت منها الاخلاق والذوق والمعايير . ما يردع السائق فقط مخالفة تباغته ان كان على شارع تحكمه اسرائيل . فعندها تصبح دولة احتلال فاشية وعنصرية .

هل ما حدث بالامس واول امس وفي كل حادث على هذه الطرق التي اقرب الى ان تكون طرق موت لا طرق مستوطنات كما كان اصلها ؟
هل المسؤولية تقع على الاحتلال بالفعل ؟ وهل وزارة المواصلات او النقل الاسرائيلية مسؤولة عن الحادث؟
ام تقع المسؤولية على السائق المتهور الذي ظن ان وصوله قبل دقائق لهدفه سيزيد في امكانيته لتحميل ركاب جدد؟
ام المسؤولية على الركاب الذين قبلوا الصعود على حافلة يقودها "انتحاري" ؟
ام تصب المسؤولية في اساسها على السلطة الفلسطينية والتي تشغل في ادارتها وزير للمواصلات لا تصل اهتماماته الى ما يجري على الشارع .

بلا شك تقع المسؤولية الاولى على السائق ، ولكن قبل رميه بالشتائم وتحميله وزر المصاب ، لا بد ان نتوقف جميعا امام انفسنا ـ كل من يقود مركبة ، سواء كانت خصوصية ام عموميةـ  ونسأل ان كانت اخلاقنا بالسياقة وعلى الشارع مختلفة . كم يلتزم كل منا باخلاقيات السياقة ومسؤوليتنا على الشارع ؟ فوالله احياناً تخاف ان تركب بسيارة او تقود على شارع من حالة الصرع التي تجدها على الطرقات .

وان نظرنا بصورة اقرب لتحميل المسؤولية على اصحاب السيارات العمومية ، فالمشهد يتحول الى ما هو اقرب للفعل "الانتحاري"، فاذا ما مارت بجانبك سيارة كتلك ترتعب وتتلو الشهادتين على روحك . وويلك ان كنت احد الركاب ، فكأنك محمل بداخل قنبلة موقوتة . السائق على الهاتف المحمول يعالج قصص حياته ويتصارع مع الهواء ويتسابق ويقف في اي لحظة ليكمل حديث الامس مع سائق اخر اذا ما التقى به على احدى الطرقات . والراكب لا حول له ولا قوة.

واعود الى المكان نفسه الذي بدأت منه، لا يمكن تحميل السائق في هذه الحالة اكثر مما يمكنه ان لم يكن يملك الاخلاق الكافية التي تحمله المسؤولية ، وهنا تكمن المسؤولية التي تقع على كل انسان يجلس خلف مقود سياقة . وبما اننا نفتقد الى هذا الحس الاخلاقي الجمعي ، فنحن بحاجة الى قانون يطوع هذا الحس في اطار يجبر الانسان على الالتزام بقوانين الطرق .

فما الذي يجعل السائق في مناطق اسرائيلية (وهنا اتكلم عن اللوائح الصفراء) ملتزما بقواعد المرور ، في حين يكسر هذا السائق كل القواعد في لحظة دخوله الحاجز؟ هل يتجرأ احد منا ان يقود كما نقود لو كنا امام سيارة شرطة اسرائيلية ؟ لماذا لا نتجاوز ولا نسرع ولا نقف في منتصف الطريق ولا ندخل في الطريق الممنوع ولا نتجرأ بقطع الطريق امام الشارة الضوئية الحمراء في الاماكن الاسرائيلية ، ونتبجح في المناطق الفلسطينية ؟.

انه غياب القانون . غياب المسؤولية من قبل صناع القرار الفلسطيني واصحاب السلطة . فالمواطن الاسرائيلي اذا ما غابت عنه السلطة وسيادة القانون في مناطقه سيتصرف تدريجيا بهذه الغوغائية .

ما الذي ينقص السلطة الفلسطينية في فرض القانون وتفويضه في الشوارع ؟ هل سيرفض المواطن الانصياع ؟ هل هناك نقص في الكوادر البشرية فلا يوجد امكانية لتأهيل قوات شرطة ؟ اليست الشرطة جزء من الامن الذي يتم دفع اكثر من ثلث مخصصات السلطة عليه ؟ فان قصرنا بشيء فان هذا الموضوع ليس به قصور . والحمد لله البطالة تزداد يوميا ، فلو تم تأهيل المنتظرين لفرصة عمل في قطاع المرور لخرجنا بشوارع اكثر تنظيما بكم الكوادر المحتملة .
ثم يأتي السؤال الاهم ، كيف يحصل السائق على رخصة سياقة في السلطة ؟ والسوؤال الاهم هو كيف يحصل سائق المركبة العمومية على رخصة ؟ ثم نأتي ايضا لسؤال مهم واهم ، هل المركبات مؤهلة لان تكون على الشارع ، وخصوصا العمومية منها . والعمومية ليست فقط تلك الصفراء او البرتقالية ، فظاهرة الفوردات لم تنته ولا تزال مستخدمة وبوفرة في الكثير من الاماكن.

لا اقول ان على سائق المركبة العمومية ان يجتاز امتحان الطب من اجل ان يصبح سائقا عموميا . ولكن ، لننظر باتجاه جيراننا الاعداء ونتعلم على الاقل منهم . فالسائق اليوم عليه ان يكون مؤهلا وكأنه يجتاز امتحان جامعة . 

المسؤولية بالكامل تقع على السلطة الفلسطينية ، ربما من اجل هذا ارتأى ابو مازن ان يعلن الحداد اثر الحادث الاخير والذي ذهب ضحيته عائلة مكونة من ام وخمسة اطفال ، بالاضافة الى شخص سابع . ولا بد ان الرئيس علم كذلك عن الحادث الذي سبقه بأيام قليلة واودى بحياة ام واطفالها على طريق ليست بعيدة من ذلك الشارع . ولم تكن هذه الحوادث الاولى ولن تكون الاخيرة . لانه من الصعب ان نعلم الناس الالتزام والاهم من المستحيل تعليم الناس الاخلاق .

فهذه امور يتم التنشئة عليها ، وهنا نرجع الى دور السلطة . فلو ذهب هذا السائق الى مدرسة تعلمه المسؤولية لفهم ان حياة الناس ليست بلعبة . ولو تعلم الركاب في المدارس انهم مطالبون بعدم السكوت عن الخطأ لما رضوا بأن ينكل بهم سائق ويقتلهم . هناك انهيار بالمنظومة الانسانية التي تشكلها لنا السلطة ، تبدأ بالمدارس وتنتهي بالشوارع ، وما يجري بينهما من مسار حياة قد يحمله ستر الله وقد لا يحمله بالاغلب.

فالموضوع ليس مجرد استهتار سائق ؟ فلو كان هذا السائق مؤهلا لما قام بهكذا تجاوز دمر حياته وحياة عوائل اخرى الى الابد . ولو كان الركاب مؤهلون لما رضوا بأن يركبوا بهكذا حافلة .

هل تتخيلون كم من هكذا حوادث تقترب على الحدوث في كل ساعة ؟ ويعيد الركاب الكرة بالركوب لانه لا يوجد حل اخر . ويستمر السائقون بالاستهتار لأنه لا يوجد قانون يردع او يحاسب .

فقبل ان نلوم الاحتلال كذلك ، والقول بأن السلطة لا تحكم في تلك الشوارع ، اقول بأنه لولوا وجود الاحتلال في تلك الشوارع لكانت الحوادث الدامية الكارثية في كل ساعة .

في ظل هذه المنظومة السلطوية المنهارة ، فانه من الطبيعي ان ينهار المواطن ويكون مستهترا بحياته وحياة الاخرين . فلا قيمة للانسان ولا اخلاق فردية يمكن التعويل عليها في غياب الاخلاق الجمعية التي تبنى بالمؤسسات العامة بدأ بالمدارس.
فالمحصلة حياة ارخص ما فيها هو الانسان.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير