نادية حرحش تكتب لـ"وطن": شهداء القدس : ويل لأمة تنتظر الدماء لتضخ حياة في عروقها الميتة

15.07.2017 12:34 PM

استيقظت القدس امس على اطلاق كثيف للنار دوى السماء . في اليومين الماضيين لم يعد السكان يميزون بين اطلاق النار او اطلاق الالعاب النارية . فالافراح تعم البيوت الفلسطينية بعد اعلان نتائج التوجيهي . وفي القدس كما في الضفة ، تتلاقى المصائب كما الافراح ولم يعد الانسان يميز بأي اتجاه يسير .

امس، ودّع مخيم الدهيشة كذلك شهيدا لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره . وجنين ودعت شهيدين قبلها، والقدس تجرع ترابها امس دماء ثلاثة من ابناء هذا الوطن الجريح.

واتوقف عند الثلاثة الاخيرين . فشهداء امس من ام الفحم ، وفي مقابلهم كان قتلى اسرائيليين . فالمأساة قد تجسد تشويه الانسان الفلسطيني في مصابه حيا وميتا .

قد يكون هذا المشهد الدامي من ضحايا او مجرمين، كل سيعرف هوية الضحية او المجرم على حسب مكان وقوفه، فرصة لاولئك الذين يخدمون بالجيش الاسرائيلي واجهزته الامنية المختلفة ليفهموا انهم بالنهاية يوضعون في الصفوف الاولى ليواجهوا اخوتهم وابناء جلدتهم ويقتلون كذلك.

وقد يحتاج هذا الامر للكثير من التفكير والتنقيح ، ولكن بكل الاحوال فإن ما يجري بسببه يعطي للاحتلال انجازا اكبر في هذا الوضع الدامي . فالفلسطيني بنهاية الامر يقتل الفلسطيني، والبغض والكراهية تدخل بين النفوس اكثر واكثر .

وبينما احاول الوصول الى البلدة القديمة لمحاولة استيعاب ما جرى أمس، لأن كل التعليقات والاخبار المدرجة لم تكن لتقنع عقلي. كان هناك امر صعب تصديقه في كل ما نشر من اخبار . "اشتباك مسلح بداخل (باحات) المسجد الاقصى" ، و"عملية استشهادية مسلحة نفذها فلسطينيون من ام الفحم".

لكل من دخل المسجد الاقصى في محاولة للصلاة او غيرها في حياته ، يعرف انه من الاستحالة الدخول الى هناك بسلاح ، فأنت بالكاد يسمح لك بالدخول . فكيف لعاقل يريد ان يذهب الى الاقصى اتيا من ام الفحم ان يأتي محملا بسلاح ؟ وان كان هذا العاقل لنقل " يريد تحرير الاقصى والاسلام " ، فهل يختار ان يحمل سلاحه ورفعه امام باب الحرم من دون كل الاماكن ؟

القدس عبارة عن ثكنة عسكرية مدججة بكل زاوية بمجموعة من الجنود . الم يكن من الاجدى ان يقوم هؤلاء "الاستشهاديون" برفع اسلحتهم المخبأة والتي اتوا بها من ام الفحم ليتخلصوا من جنود الاحتلال وشرطتهم على مداخل البلدة القديمة ؟ فهؤلاء " الاستشهاديون" كما قيل لنا اليوم انهم " اسلاميون" "متشددون" يريدون تحرير الاقصى . فهل كانوا بهذه البلاهة ولم يعرفوا ان الحراس من شرطة الاحتلال عرب ؟.

اكاد اجزم ان ما جرى كان مختلفا ، ومع ان ثلاثتهم قد صاروا الان في مكان قد يكون بكل الاحوال ارحم واعدل من هذه الدنيا الظالمة والبغيضة ، فانهم لم يكونوا اكثر من شبان ارادوا الصلاة في القدس يوم الجمعة، التزاما وحبا وتقربا لله والوطن . وليس بالغريب ان يأتي اهل الشمال من بلادهم صباحا في ايام الجمعة للصلاة . وليس غريبا ، بل بديهيا ان يتم انتهاك انسانية الماشي في البلدة القديمة اذا ما قرر جندي او شرطي حقير ان يوقفه ويستفزه .و وهذه مسألة لا تحتاج لاي جهد . واولئك المتواجدون على ابواب الحرم المختلفة من الدناءة لا تستطيع ان تتحمل ان يتكلموا امامك . فتخيل عندما ترى هذا الذي يستفزك ويستجوبك يتكلم لغتك ؟ ولا تفهم كيف يكلمك بطريقة تستشر منها العداوة والاستفزاز . فكيف لا وهو موجود هناك ليستثيرك ويقتلك ان لزم الامر .

فلا داعي لتصور ما جرى ، فلن يقنعني عاقل ، بأن اولئك الشبان كانوا مسلحين ؟ وبالاخص ان احدهم ملاكم محترف . كيف لملاكم محترف ( يشارك في بطولات اسرائيلية) ان يتجول بسلاح في طريقه الى الصلاة ؟

قد افهم هذا السيناريو لو كان الشبان من الضفة ، لا يعرفون عن الاسرائيلي الا اولئك الذين يجدونهم على الحواجز. قد نتصور ان المشهد مقارب لما جرى برمضان من قبل الشبان الذين دخلوا الى القدس من ضواحي رام الله . او كقصة مهند الحلبي ؟ ولكن لا يعقل ان تكون القصة هنا نفسها . فلماذا يحتاج ابن ام الفحم ليأتي الى القدس ويختار شرطي على باب الحرم ويكون عربيا ليقتله ؟

ما يجري بالقدس تحديدا ، وما يجري على الحواجز لا يحتاج للتنقيح كثيرا ، فالانسان يكون امام همجية مدبرة من الاستثارة وكسر الشوكة الانسانية بكرامتها لدرجة تجعل الانسان يسوي بتلك اللحظة حياته بموته . هؤلاء على الحواجز وبالزي العسكري والامني متواجدون من اجل التخلص من اكبر عدد ممكن من الانسان الفلسطيني .

ما جرى اليوم لا يمكن ان يكون مدبرا من قبل الشبان ، ولكنها بدون شك مدبرة ومنذ زمن من قبل الاحتلال. لو كانت الرواية كما نشرتها وسائل اعلام الاحتلال لرأيناها مدعمة بفيديوهات . فكل زاوية مدججة بكاميرا مراقبة من كل الاتجاهات . لماذا لم تنشر تلك الفيديوهات لنرى كيف خرج الشبان بهجومهم المسلح ؟

الموضوع لا يحتاج الى نظرية مؤامرة ، ولا يحتاج الى تحليل . فهو واضح وضوح الشمس . لو تذكرنا فقط قرار اليونسكو في الايام السابقة بشأن المقدسات تباعا ، اعلان الخليل والحرم الابراهيمي تراثا عربيا اسلاميا ، والتأكيد على ان حائط البراق هو جزء من الحائط الغربي للمسجد الاقصى ولا ملكية اسرائيلية او يهودية فيه .

اسرائيل في سباق لفرض الامر الواقع على المكان . وبلا شك هناك تغييرات مرتقبة على الساحة الاقليمية التي تتعلق بها المسألة الفلسطينية . هناك حسم قادم ، بين ما نراه في غزة من مصالحة دحلان حماس والاتفاق مع مصر . وهناك ما يجري في التعيينات الفلسطينية في استبدال صائب عريقات بماجد فرج رجل المخابرات ، الذي سيكون الرئيس القادم على حسب قانون منظمة التحرير اذا ما وافت المنية الرئيس الطاعن بالسن محمود عباس. فاسرائيل تقتنص فرصة اتفاق بمبادرة امريكية لا يحتوي الا على شروط اسرائيلية محكمة تحدد فيه اسرائيل كل البنود وتشدد الخناق وتؤكد سيطرتها وتعلن القدس عاصمة وتعطي الفلسطينيين بعضا من هذه العاصمة . ولأن القدس الشرقية التي لا يمكن اخراج البلدة القديمة منها ولا يمكن التغيير في مساحة الاقصى ، ولأن ما يجري تحت الارض لا يمكن اخراجه الان بعلنية الى الملأ ، فتترك اسرائيل السجال الدائر فوق الارض وتكمل نبشها تحت الارض وتبني تاريخا مزيفا لها . فالحل الاسلم هو فرض الخطة التي تم تطبيقها على الحرم الابراهيمي قبل ما يقرب من عقدين ، فيتم فصل الاقصى وتقسيمه بين مصلين عرب ويهود.

والمسجد الاقصى محوري في الصراع على القدس ، فالموقع والمساحة لا يضاهيه موقع اخر . والجشع والطمع الصهيوني لا يشبعه شيء . فلا يكفيهم الانفاق تحت الارض ولا المساحة الشاسعة التي اقاموها لعبادتهم بعد ان مسحوا حي المغاربة عن بكرة ابيه صبيحة ال ١٩٦٧.

المأساة تكمن بنا …. اولا على مستوى القيادة الهشة التي لا تخرج حتى ببيان بحجم المأساة التي حصلت من قتل واغلاق للحرم وفرض ما هو منع تجوال حقيقي على القدس القديمة الا من سكانها واليهود والسياح .

وقد يكون موقف الملك الاردني اكثر قوة وحسما من موقف السلطة في مطالبته بفتح المسجد الفوري واجراء تحقيق.

ثم نأتي الى المصيبة الكبرى ، نحن معشر المتفرجين ….

هل كانت عملية ام لم تكن .

هل هم استشهاديون هبوا لنجدة الاقصى ، فعليه تبنتهم كل الفصائل الاسلامية والمتأسلمة .

لماذا نتسابق على شهادة الاخرين وكأننا نرى الشهداء يحلقون سعداء امامنا .

الموضوع لا يحتاج الى فتاوينا ، ولا يحتاج الى مباركتنا او استيائنا . اولئك ارتقوا الى ما هو افضل اذا ما كان هناك عدل منتظر من الله ، ورحلوا ورحلت نواياهم معهم . ولكنهم فقدوا هنا على الارض. فقدوا ممن احبهم وانتظر رجوعهم ولم يرجعوا اليوم .

لماذا نتسابق على اقحامهم ببطولات تشفي هزائمنا . وتجعل من تشوهاتنا الداخلية اكثر صلاحا .

الاحتلال لن ينتهي بهذه النفوس من شعوب تنتظر موت ابنائها لتعلن انتصارات واهية وهمية .

الاحتلال ينتهي بالاخلاص لهذه القضية ، ونحن شعب لم نعد نعي ما هو الاخلاص.

مع كل شهيد كنا ننتظر في السابق امل حل ليكون الشهيد شمعة تضيء ظلمات من لم ير النور منا . ولكننا نعيش اليوم في ظلام حالك لا تزيده الشموع الا دخانا يزيدنا عتمة .

فلتكن رحمة الله ما يخفف مصاب احبة شهداء هذه الارض . والمجد والخلود لشهدائنا الابرار عند الله .

وويل لأمة تنتظر الدماء لتضخ حياة في عروقها الميتة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير