على كل إسرائيلي أن يقرأ ويفهم ما وراء عزيمة منفذ عملية "حلميش" ووصيته

23.07.2017 03:37 PM

وطن:  كتب جدعون ليفي*

وطن - ترجمة خاصة: لم يتجرأ أحد أن يسأل لماذا قام الفتى عمر العبد، ابن العشرين عاما، وأمامه مستقبل واسع من الأحلام والتطلعات، بشراء سكين وتنفيذ عملية حلميش؟

يتوجب على كل إسرائيلي عاقل أن يقرأ الكلمة الأخيرة (الوصية) لعمر العبد. وان عدم قراءتها والتمعن بها يعتبر غرورا مكشوفا . أكثر من ذلك، فان الغرور الواضح الذي يصل الى درجة الاستكبار، هي الاعتقاد بأن أجهزة الكشف عن المعادن وعمليات القتل المستهدف، والمزيد من الاعتقالات وعمليات هدم المنازل، والتعذيب، والتضييق والحرمان، يمكن أن تمنع عديد الهجمات، وخصوصا تلك التي لم تأت بعد. ان الغرور الحقيقي هي أن تدفن رأسك في الرمال.

ودون إنكارنا طبعا للرعب والهلع الذين تسببت بهما فعلته الفظيعة، فانه يتوجب على كل إسرائيلي أن يولي اهتماما بالغا وفهما للعبارات التي صاغها عمر العبد، ومن ثم استخلاص النتائج التي لا مفر منها. بطبيعة الحال ستتحول الضفة الغربية بأكملها، وقطاع غزة أيضا، إلى عمر العبد، دون أن تكون لنا القدرة على معرفة أو توقع متى يمكن أن يحدث ذلك. وان أي شخص يعتقد أن الأمر سيجري بخلاف ذلك، عليه أن يعود ويلقي نظرة على التاريخ. هذا هو الوضع تماما الذي يبدو على منطقة يوجد بها احتلال من جهة ومقاومة تجابهه من جهة أخرى: المزيد والمزيد من سفك الدماء بلا مبرر أو منطق أو عقل.

"هذه هي كلماتي الأخيرة لكم"، كتب الفتى ابن قرية كوبر الواقعة في الضفة الغربية قبل أن يشرع في قتل المستوطنين في مستوطنة حلميش المجاورة لقريته. وأضاف متسائلا: "أنا شاب، لم أبلغ العشرين عاما من عمري بعد، ولدي الكثير من الأحلام والآمال والطموحات، ولكن أي نوع من الحياة تلك التي الذي نعيشها بينما نساؤنا وشبابنا يقتلون بلا أدني مبرر؟"

ونحن بدورنا، ما الذي يمكن أن نكون قد أخبرناه للفتى العبد؟ أنه لم يتم، ولا يتم، قتل نسائكم وشبابكم دون مبرر؟ لقد عاش الفتى العبد في قرية جميلة، ولكن ضمن واقع لا يمكن أن يوجد أقبح منه. فعلى سبيل المثال، فقد اعادت إسرائيل اعتقال جاره نائل البرغوثي، والذي كان قد أطلق سراحه من السجون الإسرائيلية بعد أن قضى من عمره (33) عاما فيها لقتله سائق حافلة. لقد أعيد الى السجن - وهذا بالمناسبة عمل تعسفي جائر - بادعاء انتهاكه لشروط الإفراج عنه. وهناك جار آخر لعمر هو مروان البرغوثي، الذي لو كان يعيش في عالم "أكثر عدلا وأقل حماقة"، لكان الان حرا طليقا يقود شعبه منذ فترة طويلة.

لقد شرع العبد في قتل المستوطنين لأنهم، كما قال: "يدنسون المسجد الأقصى ونحن نيام" ولأنه "من العار أن نجلس مكتوفي الأيدي". وبينما كان ضباط شرطة حرس الحدود الإسرائيلية يقومون بعملية كريهة للبحث بين الجثث في مشرحة مستشفى المقاصد في القدس الشرقية، كان الفتى العبد يقوم بالتخطيط لفعلته الدموية. وبينما كان زملاؤه في القدس يحاولون الهروب بجثة زميلهم النازفة، خشية أن يكون مصيرها خطفا وتشريحا ومن ثم ثلاجة إسرائيلية، كما اعتادت إسرائيل أن تفعل بجثامين الفلسطينيين، فان العبد لم يتمكن من أن يكتم غضبه وأن يبقى صامتا. فأضاف مخاطبا في وصيته: "أنتم يا من تملكون أسلحة تصدأ بين أيديكم، أو تخرجون بها فقط في حفلات الزفاف والاحتفالات، ألا تخجلون من أنفسكم؟ لماذا لا تعلنون الحرب باسم الله؟ لقد أغلقوا مسجدنا الأقصى وأسلحتكم ما تزال كما هي مركونة".

تبدو هذه الكلمات وكأنها من كتاب مقدس. وتقريبا لم يخل أي نضال من أجل التحرر من كتابات وكلمات من هذا القبيل، بما في ذلك الصراع في منطقتنا بطبيعة الحال. كتابته تتضمن مصطلحات دينية، تشير الى أن من كتبها شخص يؤمن بالله.

لقد شهدت صراعات أخرى مشابهة للواقع عندنا، تسخيرا مثل هذا للدين لخدمة أمة أو قضية. ماذا كنت لتقول للعبد لو التقيت به قبيل الشروع في زرع الموت؟ غير "أنت، توقف ولا تقتل" و "أنت، استسلم وسلم نفسك"، أو أن العدالة لا تقف الى جانبه، بل الى الجانب القوي وهو الاحتلال؟، أو أن لديه أمل في العيش حياة طبيعية؟ ما الذي يمكن أن تقوله إسرائيل لفلسطيني يشعر باليأس من الأمل بمستقبل جيد، أو بأية فرصة للتغيير؟ أو بسيناريو يبعث على الأمل؟ بالملخص، ماذا كنت ستخبر رجلا كانت معظم فترات حياته تتعرض للمهانة؟

ان اليأس يسكن بعمق في الضفة الغربية. بينما الوضع في قطاع غزة أسوأ من ذلك بدرجات. وهذا الوضع كفيل بأن يبقي كل الإسرائيليين قلقين مستيقظين من الليل، لأن دولتهم تتحمل المسؤولية الأكبر عن هذا الوضع. ولكن إذا كانت المسؤولية الأخلاقية عن هذا اليأس الفلسطيني ليست كافية لمنع الإسرائيليين من النوم، فإن الحقيقة التي تقول بأن هذا اليأس يبشر بالخير وبانفراج من بعد ضغط بالنسبة لهم أيضا يجب أن يكون كافيا لإقلاق راحة الإسرائيليين ونومهم. لم يكن لدى العبد أي شيء يمكن أن يخسره، وللعلم فان الشخص الذي ليس لديه ما يخسره هو أخطر الأعداء على الاطلاق. ولا يستطيع حتى وزير الأمن العام جلعاد اردان إيقاف عدو كهذا.

لقد اقتحم الجيش الإسرائيلي قرية كوبر يوم السبت 22 تموز 2017، وفرض اغلاقا كاملا، وقام باعتقال أحد أخوة العبد، وسار كل شيء كالمعتاد. أجرى جنود الجيش "مسحا هندسيا" لمنزل الأسرة. وفي ذات الوقت تلقى كل من وزير الجيش ورئيس أركانه شرحا وافيا للوضع الأمني.
وفي هذا السياق، أدان رئيس حزب العمل الجديد آفي غباي العمل الذي قام به العبد، داعيا الى أوسع نطاق من الإدانة. كما أدانه رئيس حزب "ييش عتيد - هناك مستقبل" يائير لبيد وصفا إياه "بأحد ارهابيي القاعدة"، فيما قالت الزعيمة العمالية تسيبي ليفني "نحن جميعا متحدون في الحزن والكارثة التي تلقيناها".
ومرة أخرى، لم يتجرأ أحد أن يسأل لماذا قام الفتى عمر العبد، ابن العشرين عاما، وأمامه مستقبل واسع من الأحلام والطموحات، بشراء سكين والقيام بعملية القتل.

عن هآرتس - ترجمة ناصر العيسة

تصميم وتطوير