الرّسالة الإعلاميّة الفلسطينيّة تتأرجح بين نصرة الأقصى وتعميق الانقسام

24.07.2017 05:58 PM

غزّة-وطن-محمد أبودون:العلاقةُ بين الإعلام والسّياسة علاقة كيميائيّة -كما يقول البعض-، ويظهر ذلك بغضّ النّظر عن طبيعة نظام الحُكم في الدولة. لذلك، لا يمكن تجاهل دور حالة الانقسام السّياسيّ بين السّلطة برام الله وحركة (حماس) بقطاع غزّة في التّأثير على الحالة الإعلاميّة الفلسطينيّة العامّة، ولا يمكن إنكار الدور الّذي تلعبه تلك المناكفات، حتّى في اللّحظات المفصليّة والحرجة الّتي يكون فيها أبناء الشّعب بحاجّةٍ ماسّة للوحدة ورصّ الصّفوف من جديد.

المُتابعُ لوسائل الإعلام المحليّة ومواقع التّواصل الاجتماعيّ منذ اندلاع المواجهات الأخيرة في مدينة القدس حتّى اليوم، يجدُ تفاعلًا وتجاوبًا مع الأحداثِ بنسبٍ متفاوتة بين الوسائل والأشخاص، وتحتكم نسب التّفاعل بحسبِ مراقبون إلى السّياسة التّحريريّة والمرجعيّة الحزبيّة، فوسائل الإعلام والصّفحات التّابعة للسّلطة تتعمّد تصيّد الأخطاء في خطاباتِ ومواقف قادة حركة (حماس)؛ لتستخدمها في رسالتها المضادّة، كذلك وسائل الإعلام المحسوبة على (حماس) الّتي خصصّت جزءًا كبيرًا من وقتِ تغطيتها؛ لمهاجمة الرئيس محمود عبّاس والأجهزة الأمنيّة وأبناءِ حركة (فتح) في الضفّة الغربيّة المحتلّة والقدس.

الباحثُ في الشأنِ السّياسيّ طلال أبوركبة يقول: "الإعلام الفلسطينيّ بكافّةِ مؤسّساته ينحو باتّجاه الحزبيّة، فهدفه الرئيسيّ منذ أنْ وقع الانقسام في يونيو/حزيران 2007م، هو تأجيج حالة الصّراع، وتعميق العداء والكراهيّة، وتجريح أطراف الخصومة السّياسيّة، وتوظيف إمكاناته ومهاراته كافّة؛ لتسديدِ ضرباتٍ يعتبرها قاضيّة للطّرفِ الخصم".

ويؤكّد على أنّ خطاب الكراهيّة والتّضليل الحزبيّ لن يفضي بنا إلّا لمزيٍد من الخسارة والمأساة، مناديًا بضرورةِ اِستعادة خطاب التّسامح المبنيّ على اﻻحترام والقبول والتّقدير، فهو بتقديره البوّابة الحقيقيّة لاستعادة الثّقة الوطنيّة، معتبرها الشّيء الوحيد القادر على مواجهة السّياسات اﻻسرائيليّة اﻻحتلاليّة.

صفحاتٌ على مواقع التّواصل الاجتماعيّ تحملُ أسماءً مختلفة، بعضها معلوم مصدره، وأخر مجهول، قامت بنشرِ عدد من الوثائقِ والصّور المفبركة الهادفة لتغيير المسار، والدّخول في موجةٍ جديدة من موجاتِ التّراشق الإعلاميّ، ولفت الانتباه، تعامل وسائل الإعلام الحزبيّة والنّشطاء مع تلك الوثائق والصّور على أنّها صحيحة، واستخدامها إعلاميًا بما يخدم أهدافها في حربها ضدّ الطّرف الآخر.

مثال على ذلك الوثيقة المفبركة الّتي نشرت بُعيدَ إعلان الرّئيس عبّاس في خطابه الّذي عقب اجتماعه بالقيادة الفلسطينيّة في رام الله يوم الجمعة الماضي؛ وقف الاتّصالات والتنسيق مع دولةِ الاحتلال على المستويات كافّة، فعلى الرغم من وضوح عمليّة تزوير توقيع رئيس هيئة الشّؤون المدنيّة الوزير حسين الشّيخ في تلك الوثيقة، إلّا أنّ مستخدمي وسائل التّواصل الاجتماعيّ أصرّوا على اِستخدامها ونشرها بشكلٍ كبير؛ ممّا سمح لسيلٍ كبير من التّهمٍ بالتّدفّقٍ عبر قنواتِ الاتّصال المختلفة؛ الأمر الّذي ساهم في تحجيم مساحة تغطية الأحداث الجارية في القدس.

وسعى بعض النّشطاء إلى الهجوم على (حماس) من خلال نشر تعليقات تهكميّة وتوجيه اِنتقاداتً لاذعة لها، وبعضهم الآخر حاول التّشكيك في نهجها وفكرها من خلال الادّعاء بأنها دخلت في حروبٍ مع اسرائيل؛ ردًّا على اِغتيالِ الأخيرة عددًا من قادتها، لكنّها لا تريد إشعال مواجهة جديدة من أجل القدس والمسّجد الأقصى، وذهب آخرون لاعتبارِ صمت الحركة العسكريّ تجاه ما يحدث في الأقصى، والّذي يحتلّ مكانةً كبيرةً في قلوبِهم وعقولهم؛ أنّه بمثابة دليل على أنّ الحركة وبعد تجربتها للحُكم في غزّة تخلّت عن جزءٍ كبير من ثوابتها وأهدافها التّحرّريّة.

التّراشق الإعلاميّ لم يقتصر فقط على طرفي الانقسام، فالفصائل الفلسطينيّة الأخرى كانت جزءًا من هذه المعركة الإعلاميّة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ذلك الهجوم المُشن من قبلِ نشطاءٍ، على حركة الجهاد الإسلاميّ؛ بعد تصريحٍ صدر عن نائب أمينها العامّ زياد النّخالة والّذي رحّب فيه بخطّاب الرّئيس الفلسطينيّ، وأبدى اِستعداد حركته للتعامل مع ما جاء فيه، واعتبر النّشطاء هذا التّصريح هو بمثابِة (ركوب للموجة)، وتعاطيًا مع السّلطة التي تمنع كافّة أنشطة الحركة في الضفّة المحتلّة.

بالعودة للباحث أبو ركبة الّذي يرى أنّ المناكفات والمزايدات الحاليّة؛ تأتي في إطار تغطية العجز، في وقتٍ لا يرتقى فيه الفعل للمستوى المطلوب، مشيرًا إلى أنّ المواجهات الأخيرة جاءت من أجل الأقصى، ولا يجوز بتاتًا استغلالها لتحقيق مكاسب ومصالح حزبيّة وأيُّ تحرّك في هذا الاتّجاه، يُعدّ من وجهةِ نظره حَرفًا للبوصلة ويثير تساؤلاتٍ عديدة حول النّوايا والمصداقيّة الوطنيّة.

يستدرك أخيرًا "وسائل الإعلام الفلسطينيّة أصبحت اليوم منقسمةً على ذاتها، ويظهر هذا من خلال متابعة معظم الأحداث الّتي تمر بها قضيّتنا الوطنيّة في ظلّ المتغيّرات الإقليميّة المؤثّرة على الحالة الفلسطينيّة، وهذا الأمر يُعدّ بمثابة خدمة مجّانيّة غير مباشرة للاحتلال، وانتكاسة للفصائل المُتناسيّة لدورها في القضيّة الكبرى والّتي أعطت الأولويّة لمصالح وأهدافٍ خاصّة".

على صعيدٍ آخر ساهمت حالة التّراشق الإعلاميّ؛ في تحويلِ مواقع التّواصل الاجتماعيّ لمساحةٍ للاستهزاء بالحالة العامّة والسّخرية بالبيانات الصّادرة عن الفصائل الفلسطينيّة، كما حصل بالبيانِ الدّاعي للمصالحة الوطنيّة الصّادر عن حركة (حماس) في تاريخ 22/7/2017 وهو اليّوم التّالي لخطابِ الرّئيس عبّاس، حيث قال أحد النّشطاء معلّقًا على البيان والخطاب معًا: "أمس الرّئيس عبّاس مدّ يديه لحماس، واليّوم حماس بتقول إنّها بتمدّ يديها للرّئيس عبّاس، ونحن هيك رح نقضيها مدّ أيدي، ولكم فش وقت..."، وقال آخر: "كلّ واحد بيمدّ يده للثّاني عشان المصالحة، وفعليًّا فش مصالحة على الارض، شغل شو هذا بالضبط".

تصميم وتطوير