عمالة الأطفال.. "بدك مصاري وشغل، اترك كرامتك على الباب"

04.08.2017 02:38 PM

وطن- كتبت: رولا حسنين

لا يمكنك احتمال مشهد بكاء خفي في عيون طفل، يروي لكَ كيف قضى بعض أيام اجازته المدرسية، في عمالة الأطفال ليحصل لقاء ذلك أجراً مالياً زهيداً، يمكنه من شراء كسوة المدرسة في عامها القادم، ما استوقفني في كل ذلك قوله "بدك مصاري وشغل، اترك كرامتك على الباب وادخل".

هكذا وصف الطفل أحمد –اسم مستعار حفاظاً على خصوصية الطفل- من مخيم الجلزون شمال رام الله، معاناة 6 أيام من العمل في مخازن إحدى الشركات التجارية المعروفة في المدينة، يسرد التفاصيل وعيناه أصدق أنباء من لسانه، يتحدث وكأنه يستعيد كل ما تعرض له من اهانات خلال عمله في مشاهد قاسية، فقط لأن مدير العمل يمتاز بصفة "العصبية"، فيفرّغ ما فيه من ضغط في عدد من الأطفال الذين يعملون معه، اذ يشترط أن يعمل في مخازن شركته أطفال، حتى لا يضطر الى دفع مبالغ مالية أعلى لمَن هم في سن النضوج، ويفقهون ماذا يحق للعامل، وكيف يجب على المدير معاملة العاملين.

لم يضطر الطفل أحمد وعدد من رفاقه للعمل الا لكون عائلته بسيطة الحال، تعيل نفسها بنفسها، ولكن لكل شيء ثمن واسترداد، الا الكرامة، اذا انتهكت بماذا يمكن تعويضها، الطفل أحمد فقه هذا الدرس فقرر أن يترك عمالة الأطفال مقابل أن يحظى بكرامته وألا تُهان.

أحمد ورفاقه، نموذج حيّ على عمالة الاطفال في فلسطين بشكل عام، عمالة لا حقوق للعاملين الاطفال فيها، عدا عن كونها ممنوعة قانونياً، يقول أحمد "من الساعة 9 الصبح للساعة 2 الفجر واحنا شغالين، ما استرحنا الا وقت الغدا، يا دوبهن 10 دقائق بس، والمدير حكالنا وقت ما تخلصوا كل شغلكم بسمحلكم تروحوا"،اذ  يُقايَض الطفل بموعد انهاء عمله، وبالقدر الذي ينجزه من العمل والذي يحدده له المدير دون أن يأبه بمدى طاقة الطفل على العمل، وبمدى امكانية جسده على تحمل كل العناء، مع اختناقه بمواقف صعبة يشعر فيها أنه في حالة ذل وهدر للكرامة.

ولا ينتهِ الموقف عبر بعض التصرفات، إنما يصل الحد لأن ينعت ربّ العمل، الأطفال العاملين بكلمات نابية وتشبييهم بالحيوانات التي عليها أن تعمل فقط، دون اعتراض على شيء، واذا أراد أحدهم توضيح موقف ظالم، قيل له "ما تتدخل، بلاش ما تقبض!".

كوننا في وطن يعاني احتلال بغيض، تدور في ذهني أسئلة جمّة، فاذا كان حال أطفالنا مع ابناء البلد على هذا الحال فكيف حال أطفالنا الأسرى في سجون الاحتلال؟ هل يحق لأرباب العمل أصحاب رؤوس الأموال أن يهدروا هذا الكم من الكرامة في نفوس أبنائنا، حتى يسهل عليهم تقبل الاهانة من عدو أيضاً ؟، فبدلاً من أن نربي أطفالنا على القوة والكرامة نكويهم بذل الفقر وهدر الكرامة؟! إن الطفل الذي اختار كرامته على مبلغ مالي، سيختار غداً وطنه مقابل كل الاغراءات، ان هذا الطفل وكل مَن حذى حذوه، هم الجيل الذي نؤمن بأنهم فلسطنيين بقدر ما تعني جنسيتهم من كرامة وعزة وشموخ، إن هذا الطفل اللاجئ تعلم من أجداده الدرس جيداً، اذ قالوا له "اياك وأن تهدر كرامتم، فمن لا كرامة له، لا يسوى بين الناس شيئاً، راس مالك كرامتك"، لذلك قرر أحمد أن يترك العمل وأن يكسب كرامته، محطماً قاعدة البعض "بدك مصاري وشغل، اترك كرامتك على الباب".

تصميم وتطوير