الازمة الخليجية: قطر الصغيرة تحاول التعملق مستندة لقاعدة اميركية ودعم للاخوان المسلمين

15.08.2017 04:34 PM

وطن - ترجمة خاصة: الكاتب: روبرت فيسك

تبرهن أزمة قطر على أمرين: الأول هو استمرار حالة "المراهقة وعدم الاتزان" التي تجتاح الدول العربية، وبالتالي بقائها عرضة للتلاعب من قبل الدول الأخرى، والأمر الثاني هو الانهيار الكامل لوحدة المسلمين السنة، تلك الوحدة التي من المفترض أن يكون قد دشنها دونالد ترامب في القمة التي عقدت في السعودية مؤخرا.

بينما كانت الوجهة الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية في اتجاه معين، حيث كانت قد وعدت بالقتال حتى الموت، ضد "الإرهابيين" من الإيرانيين الشيعة، وفق الكاتب، الا أنها تحولت مؤخرا الى اتجاه اخر، حيث أوغلت هي وحلفاؤها المقربون  في حصار واحدة من أغنى جيرانها، أي دولة قطر، لكونها منبعا "للإرهاب"، وفق المقال. وقد وصل الحد الى أنه أصبح من الصعب أن تجد مثل هذا النوع من الغدر الا في مسرحيات من مثل مسرحيات شكسبير. فكما أنه من المؤكد انخراط مواطنين قطريين مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، هناك أيضا مواطنين سعوديين قاموا بذات العمل.

وفي حين أنه لم يكن هناك أي من القطريين في الطائرات التي هاجمت نيويورك وواشنطن يوم التاسع من أيلول، بل كان هناك العديد من السعوديين. وقد كان جميع القتلة ال (19) سعوديون، باستثناء أربعة. عدا عن ذلك، فان زعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن، سعودي الجنسية وليس بقطري.
لكن ابن لادن فضل شخصيا أن يخص قناة الجزيرة القطرية ببث اعلاناته وكلماته من على شاشتها، علما أن الجزيرة هي ذات القناة التي حاولت أن تضفي صفة أخلاقية زائفة على تنظيم القاعدة/جبهة النصرة، وهم المجرمون القساة الناشطون في سوريا، وذلك من خلال منح زعيمها ساعات من البث المجاني لاظهار جماعته على أنها "معتدلة" وتصويرها على أنها "محبة للسلام".

فيديو: قناة "الإخبارية السعودية" تبث نص ومبررات القرار السعودي بقطع العلاقات مع قطر

أولا، وبغض النظر عن الأجزاء الهستيرية والأجزاء المضحكة من هذه القصة، فعندما أرى أن اليمن يقوم بوقف العلاقات الجوية مع قطر، فهذا يشكل نوع من الصدمة والسخرية في ذات الوقت لأمير قطر "المسكين" الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على اعتبار أن اليمن - وهو تحت القصف المتواصل من قبل أصدقائه السعوديين والإماراتيين - ليس لديه طائرة واحدة قادرة على التحليق أو حتى طائرة واحدة في الخدمة. بعبارة أخرى، ليس هناك خط جوي يمني قابل لأن تعمل معه أي تواصل أصلا.

قامت جزر المالديف بقطع علاقاتها مع قطر. وبلا شك، فان هذا ليس له علاقة بالوعود السعودية الأخيرة بتقديم تسهيلات قروض سعودية بقيمة (300) مليون دولار الى المالديف، ولمدة (5) سنوات. بالإضافة الى ذلك، فان هناك مقترح من شركة عقارات سعودية لاستثمار (100) مليون دولار في منتجع خاص بالعائلات في جزر المالديف. هذا عدا عن سعي علماء مسلمون سعوديون لإنفاق مبلغ (100,000) دولار على (10) مساجد في المالديف.
من الجدير بالذكر أن عددا كبيرا من مقاتلي "داعش"، وغيرهم من الإسلاميين، الذين انضموا للقتال في العراق وسوريا جاءوا من جزر المالديف.

يضيف فيسك، بأنه لا يوجد حاليا لدى أمير قطر ما يكفي من قوات للدفاع عن بلده الصغير في حال طلب السعوديون من جيشهم دخول قطر "لاستعادة الاستقرار"، علما ان هذا السيناريو كان موجودا سابقا حيث كان السعوديون قد أقنعوا به ملك البحرين عام 2011. لكن الشيخ تميم يأمل بلا شك في أن يكون وجود القاعدة الجوية العسكرية الأمريكية الضخمة في قطر رادعا كافيا للسعوديين من الاقدام على تلك الخطوة.
يضيف فيسك: "عندما توجهت بسؤال الى الشيخ حمد (الذي تم عزله من قبل تميم في وقت لاحق) لماذا لا يقوم بطرد الأمريكيين من قطر؟ أجاب: "لأنني إذا فعلت ذلك، فسأتعرض للغزو من قبل أشقائي العرب".

وما دام الابن يسير على منوال والده بهذه القناعة، فينبغي القول: "ليبارك الله أمريكا".

لقد بدأت هذه القصة بالاختراق "المزعوم" لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، والتي نشرت بعض التصريحات، لأمير قطر حول الحاجة للحفاظ على العلاقات مع إيران. تلك التصريحات المؤكدة، والمخيبة لآمال السعوديين، والتي تتعدى مستوى المجاملات.

لقد نفت قطر صحة هذه القصة كليا. ولكن اصرار السعوديين على صحة التصريحات كان إصرار مكينا، حيث قاموا بإثبات محتويات أدلتهم على شبكة التلفزيون السعودي الرسمي (الممل الى حد كبير، وفق الكاتب). لقد وصلت رسالة السعوديين من وراء تحركهم هذا، وهو أن "الأمير القطري المغرور"، قد تجاوز كل الحدود هذه المرة، وأن السعودية هي من تقرر سياسة الخليج ككل وليست دولة قطر الصغيرة، وأن السعودية عازمة على تنفيذ هذه السياسة. (ألم يكن ذلك ما أثبتته زيارة دونالد ترامب؟ يتساءل الكاتب).

ولكن هناك أيضا بعض المشاكل الأخرى التي تقلق السعوديين:
الكويت - ليست دولة الكويت بوارد قطع علاقاتها مع قطر، بل انها تعمل حاليا كوسيط سلام بين قطر والسعوديين والإماراتيين.
دبي - كما أن إمارة دبي قريبة جدا من إيران، ويوجد فيها عشرات الالاف من الإيرانيين، ولذلك فمن الصعب أن تحذو حذو جارتها أبو ظبي التي قاطعت قطر، رغم أن حنق مواطنيها تجاه قطر بات شديدا.

سلطنة عمان - على الجانب الاخر، والحديث عن مصادر قلق السعوديين، فان سلطنة عمان شاركت مؤخرا في مناورات بحرية مشتركة مع إيران.
باكستان - أما باكستان، فقد رفضت منذ البداية إرسال جيشها لمساعدة السعوديين في اليمن، لأن السعوديين كانوا قد طلبوا من باكستان ارسال جنود من الطائفة السنية دون الشيعية. وفي هذا السياق، كان لا بد من تفهم الغضب الذي تجلى عند الجيش الباكستاني عندما أدرك أن السعودية تحاول القيام بفرز طائفي كريه بين جنودها.

أكثر من ذلك، فقد أشيع أن قائد الجيش الباكستاني السابق، الجنرال رحيل شريف، على وشك تقديم استقالته من رئاسة "التحالف الاسلامي لمكافحة الارهاب" والذي ترعاه السعودية.

مصر - أما الرئيس المصري المشير السيسي، فهو يتوعد قطر ويزمجر ضدها لدعمها جماعة الإخوان المسلمين المصرية. وتدعم قطر بالفعل جماعة الاخوان وهي المحظورة الآن، والتي "يدعي" السيسي بأنها جزء من "داعش"، وفق تعبير فيسك.

ولكن مصر، ورغم أنها تتلقى وبشكل ملحوظ ملايين الدولارات من السعوديين، لا تنوي الزج بقواتها لدعم السعوديين في حرب اليمن الكارثية.
إضافة الى ذلك، يحتاج السيسي لإبقاء جنوده المصريين داخل البلاد لصد هجمات "داعش"، ولكن، بنظرة أشمل قليلا، ليس من الصعب إدراك بعض العوامل الأخرى التي تقلق السعوديين، وبشكل أكبر:

قطر وسوريا - تحتفظ دولة قطر بعلاقات هادئة مع نظام الأسد. وقد ساعدت في تأمين الإفراج عن الراهبات المسيحيات السوريات اللواتي وقعن في قبضة جبهة النصرة. كما لعبت قطر دورا كبيرا في إطلاق سراح الجنود اللبنانيين من قبضة "داعش" بعدما وقعوا في أسرها في الغرب السوري. ولا ننسى أن الراهبات السوريات، وحال تحررهن من قبضة "النصرة" مباشرة، قد توجهن بالشكر الى كل من بشار الأسد وقطر معا.

ان لدى الخليج منذ زمن شكوكا متزايدة بأن لدى قطر طموحات أكبر بكثير مما يبدو:
إعادة بناء سوريا - فالخليج يرى عينا قطرية على موضوع تمويل إعادة بناء سوريا بعد الحرب. فحتى لو بقي الأسد رئيسا لسوريا، فإن ديون قطر على سوريا ستبقي سوريا، كدولة وشعب، تحت السيطرة الاقتصادية القطرية.

ان هذا من شأنه أن يمنح قطر جائزتين ذهبيتين:
امبراطورية على الأرض - فهذا يوفر لها إمبراطورية على الأرض، وهو ما يتناغم بالتالي ويتماشى مع إمبراطورتيها الإعلامية - قناة الجزيرة القطرية.
خطوط نفط - كما أن من شان ذلك أن يمكن قطر من التوسع في الأراضي السورية، حيث ترغب العديد من شركات النفط في استخدام العمق السوري لمد خط أنابيب من الخليج إلى أوروبا عبر تركيا، أو عبر ناقلات من ميناء اللاذقية السوري.

وبالنسبة للأوروبيين، فإن مثل هذا الخيار من شأنه أن يقلل من فرص "الابتزاز النفطي الروسي" لأوروبا، ويجعل طرق النفط البحرية أقل عرضة للخطر، مما عليه في حال مرورها عبر خليج هرمز كما هو الحال الان.

بناء على ذلك، فإن المزيد من خيارات الغنى الاقتصادي الممكنة لقطر، لا تجعل أي قيمة للقوة الأمريكية التي تحدث عنها كلا الأميرين، تميم وحمد، في حال قررت السعودية السيطرة على هذه الخيارات وامتلاكها. فبلا شك أن من شأن قوة عسكرية سعودية في قطر أن تسمح للرياض بالسيطرة على الغاز السائل في هذه الإمارة.

لكن من المؤكد أن السعوديين "المحاربين للإرهاب والمحبين للسلام" - ولنتجاوز للحظة مسألة قطع الرؤوس - لا يمكن أن يفكروا أبدا بمثل هذا المصير لأخ عربي (أي احتلال دولة عربية لأخرى).

عن: ذي إندبندنت - ترجمة ناصر العيسة

تصميم وتطوير