هكذا تمّ تحويل النفط العربي من طاقةٍ تعميرية الى طاقة تدميرية

17.08.2017 03:43 PM

قراءة مختلفة لتاريخ النفط العربي تبين خباياه وكيف تمّ تحويله من طاقةٍ تعميرية الى طاقة تدميرية بما فيها تدمير الذات

كتب: د. عبد الحي زلوم

المقدمة

قال وزير الطاقة الامريكي ريتشاردسون سنة 1999" لقد كان البترول محور القرارات الأمنية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال القرن العشرين، والنفط كان وراء تقسيمات الشرق الأوسط إلى دويلات بعد الحرب العالمية الأولى. "

لم يكن النفط فقط سبباً هاماً في تقسيمات الشرق الاوسط الى دويلات بل كان منذ اكتشافه الى يومنا هذا نقمةً على شعوب تلك الدويلات وسبباً هاماً في اثارة النزاعات الداخلية والحروب والانقلابات بحيث اجد ذلك يستدعي قراءةً مختلفة لتاريخ النفط العربي مما يستدعي مقالات عدة سأتناولها تباعاً. ويستحضرني بهذه المناسبة ما دار بيني وبين الاستاذ عدنان ابو عودة رئيس الديوان الملكي الاردني في عهد الملك حسين من حديث   قبل ايام اثناء مناسبة إجتماعية حيث أعلمني أن كتابه الجديد "يوميات" سيصدر قريبا جدا . سألته وما هدفه من  الكتاب فأجاب : انه هو"اعادة لاكتشاف التاريخ تُؤمن الحاضر وتُنقذ المستقبل" فأجبته بأن هذا بالضبط هو ما ابتغيه من سلسلة مقالات قادمةٍ النفط العربي. وهذا المقال هو اولها .

في حقيقة الأمر اختلط النفط بالسياسة منذ اكتشاف تكنولوجية انتاجه الحديثة سنة 1859 . وأصبح النفط العمود الفقري للحضارة الغربية وعنصراً رئيسياً في صناعة السلام والحرب.

ما سأكتبه عن النفط هو ليس ترفاً ثقافياً بل ضرورة لفهم ما يدور حولنا . واذا كان عمر تكنولوجيا النفط الحديثة حوالي 150 سنة فلقد قضيت حوالي 60 سنة منها كمهندس ومدير ومستشار ومراقب في الولايات المتحدة واوروبا والوطن العربي بل والصين والهند . رائيت كيف يتم بناء القبيلة لتصبح دولة تستورد الادوية والاحذية والحجر والبشر ثمّ تصبح بمالها وإعلامها امبراطورية افتراضية  وتصبح معول هدم وتخريب لدول ذات حضارةٍ وتاريخ.

ولعل ما شاهدته من خفايا كان سبباً في اتجاهي نحو البحث والتأليف بعد ان بلغت الستين من العمر فألفت 15 كتاباً كان آخرها بالانجليزية عنوانه حروب البترول الصليبية ( Oil Crusades ) نشرته في لندن دار بلوتو وفي الولايات المتحدة دار النشر لجامعة شيكاغو و أنتجته قناة الجزيرة كوثائقي في حلقتين قال في أحدهما السفير الامريكي السابق في الرياض أن كسينجر اقترح في فترةٍ ما احتلال دول الخليج من الكويت حتى الامارات وتهجير اهلها في نجد حتى تنتهي آخر قطرةٍ من النفط.

كانت مشاركتي في ادارة اول مشروع  في العالم لتكنولجيا التحطيم الهيدروجيني للنفط الثقيل وبه اكبر مشروع لانتاج الهيدروجين في العالم ابتداء من تصميمه في الولايات المتحدة  ثمّ إدارتي له كمدير للعمليات سبباً بأن أصبح بعدها المشروع محجاً لكافة الشركات العالمية مما اعطاني وإياهم فرصة التعرف الواحد عن الاخر مما سهل عملية انتقالي الى تأسيس اول مؤسسة عربية تقوم بتقديم الخدمات الاستشارية للمشاريع النفطية  وبهذه الصفة قدمت الخدمات للعديد من شركات النفط ومنها شركات النفط الخليجية.

كان من اوائل من تعاملت معه بصفتي الاستشارية معهد البترول الفرنسي الحكومي الذي يمتلك جامعة الدراسات العليا للنفط بالاضافة الى 15 شركة متخصصة في كافة فروع صناعة النفط حيثُ اصبحتُ مسؤولاً عن منطقة الشرق الاوسط من ليبيا وحتى الخليج بما فيها ايران.

كانت اسفاري كثيرة تضم زيارات الى كافة اقطار هذه المنطقة  والتعرف على خصوصيتها.

في اول زيارة لي لباريس بعد حرب اكتوبر (رمضان) سنة 1973 سألني المدير العام للمؤسسة الفرنسية للبترول  ما رأيّ بتلك الحرب ورفع اسعار النفط ؟ أجبته بأني أعلم عدم إمكانية حتى دولتين فقط من منتجي النفط أن تتفقا حتى على موعد بداية شهر رمضان فلذلك فإن هذا الاجماع لا بد وأن يكون مطلوباً من الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة . ذكرتُ له ما قاله السفير البريطاني في الكويت في بداية سبعينات القرن الماضي في حفل استقبال كان يقيمه دورياً وخصوصاً لكبار مدراء شركات النفط . كان الاعلام في الكويت يهاجم الغرب بشدّة لمواقفه المؤيدة لاسرائيل فسأله أحد الحضور ما رأيه في ذلك . أجاب :"يستطيعون أن يقولوا ما يريدون ما داموا  لا يقتربون الى خطين حمر وهما السياسة النفطية والمالية". قال لي محدثي الفرنسي هذا هو تقيمنا لهذه الحرب.

سنتناول في المقالات  القادمة كيف تمّ التخطيط لهذه الحرب بين كسينجر والسادات بواسطة كمال أدهم وحافظ اسماعيل وكيف تمّ التخطيط لتدوير البترودولارات في اجتماع للمؤسسة فائقة السريّة بيلدربيرغ في السويد قبل ستة شهور من حرب التحريك تلك  بحضور كسينجر  ومدراء شركات النفط والمؤسسات  المالية  العالمية.

نشرت مجلة فورتشن في عددها الصادر في 7/5/1979 الكيفية التي سيكون عليها رد الفعل الأميريكي في حال قيام العراق بغزو الكويت وبالمناسبة كانت لهذه نفس خطة عاصفة الصحراء بعد 12 سنة من نشرها في الصفحة 158، وفي نفس مقال مجلة فورتشن المذكور رأت تلك الدراسة نفسها بأن الفلسطينيون في الخليج ، واليمنيون في الجزيرة العربية يشكلان عناصر عدم استقرار ، ويفضل العيش دون وجودهما في أول فرصة سانحة. وهذا بالضبط ما حصل بعد الغزو الامريكي للعراق سنة 1991.

في عشاء عمل مع الرئيس المنتدب لشركة نفط الكويت جيمس لي عند بداية تسلمه مهام عمله  سأله أحد الحضور ما هي أولوياته فقال : De – Palitinization اي تقليص اعداد الفلسطينيين الذين كانوا اكثر من ثلاثة ارباع الشركة . بعد ذلك بدأت خطوات  الدولة نفسها في هذا الاتجاه . صدر قانون بمنع قبول اولاد الاجانب (من العرب طبعاً) في المدارس الحكومية ثمّ السماح لاصحاب العمارات السكنية بزيادة الاجور كما يرونها مناسباً مما اضطر العديد من العمالة وأكثرها من فلسطين والاردن الى تسفير عائلاتهم لعدم إمكانيتهم الصرف على بيتين في آن واحد. لم يكن  هذا نتيجة ضائقة مالية للدولة فقد شفط المستثمرون الغربيون 100 مليار دولار في فضيحة سوق المناخ  المالي .

اتصل بي يوما من كنت اظنه صديقاً ممن زاملوني في الجامعة في الولايات المتحدة وقد اصبح وزيراً ثمّ رجل اعمال كبير وذو نفوذ واسع واقترح أن نتعاون في مشروعين لمصافتي بترول جديدتين أحداهما في بنياس في سوريا وتوسعة مصفاة البترول في الاردن . قال لي أنه يستطيع أن يُحضِرَ (فلانا من الاسماء البارزةً جداً ) من سوريا الى شتورة بلبنان لبحث التفاصيل  وأن فلاناً هذا يمكنه أن يعطينا المشروع بدون مناقصة . قلت له هذا مستحيل لان مؤسستنا الفرنسية هي المستشارة للمشروع  وأن دفتر شروط المناقصة وكذلك تمّ تأهيل 10  شركات عالمية للدخول في المناقصة  . كذلك بالنسبة للمشروع المصفاة الاردنية أعطاني نسخة من دراسة الشركة الاستشارية UOP  قد وصلته قبل أن تصل حتى الى ادارة المصفاة نفسها. واختصاراً فوجئت بعد عدة شهور  بأن سمعت من الراديو بأن الرئيس الروماني تشاوسيسكو قد مر على دمشق ووقع اتفاقاً لبناء مصفاة بنياس بدون مناقصة. وبالنسبة الى المشروع الاردني تمّ (ترتيب) مناقصة بين شركتين رومانية وإيطالية ( ربح ) الرومانيون المشروع بالرغم من عدم خبرتهم التكنولوجية لنوع التوسع المطلوب  . ومن المعلوم أن الشركات حتى العالمية منها عندما تدخل شركتان في مناقصة تتدفع إحداهما مبلغاً للأخرى لمسرحية المناقصة بينهما.

في النصف الثاني من ثمانيات القرن الماضي عُرض علي وأنا في الخارج أن أشارك في دراسة عن (نظرة عامة للاقتصاد والصناعة في الاردن ) مع الشركة الاستشارية كوبرز اند ليبراند الامريكية ممولةً من وكالة الانماء الامريكية. علمت ان كافة المعلومات التي تتوفر نتيجة الدراسة تذهب الى كمبيوترات وزارة الخارجية الامركية وكمبيوترات وكالة استخباراتها ثمّ ترسل الى وزارة التخطيط الاردنية والتي تقوم بدورها بتمريرها لرئاسة الوزراء حيث يتم ارسالها الى الوزارات المختصة والتي تقوم عادة بتنفيذ التوصيات . تبين لي أن هدف الدراسة كان تتطويع الاقتصاد الاردني ليتوافق مع برامج منظمة التجارة الحرة وكان من التوصيات الغاء وزارة التموين وكذلك دعم الحكومة للمنتوجات الاساسية . في حفل عشاء الوداع لاعضاء الدراسة سأل أحدهم وقد حرك الويسكي لسانه كم يا ترى عدد افرادCIA  في فريق الدراسة أجابت زوجة رئيس الفريق أنها تقاعدت من الـCIA  بعد خدمة 25 سنة .اقترح علي زوجها أن من مثلي بمؤهلاته يجب أن يكون له إنطلاقة عالمية اكبر من حدود المنطقة التي أعمل بها واقترح انشاء شركة استشارية في واشنطن وفهمت قصده وشكرته بأن ما عندي يكفيني.

كان معي في جامعة هارفارد العديد من الزملاء اصبحوا أو كانوا يعملون في المجمع الصناعي العسكري الامني. جائتني دعوة مماثلة لزيارة واشنطن من زميلٍ اسمه جيمس ستانتون: James Stanton: عضو في الكونغرس ، عضو لجنة متابعة المخابرات ولقد دعاني  لزيارة واشنطن دون الافصاح عن سبب دعوته للزيارة  ولم اقبل الدعوة. كان أكثر من 10% من زاملوني من هارفارد يعملون في مجالات الامن القومي الامريكي  ومنهم   التالية اسماؤهم  مع التنويه أنهم جميعاً الان متقاعدون  أو انتقلوا الى الرفيق الاعلى ومنهم:

– جيرالد زيونيك Gerald Zionic- عمل مع وكالة الامن القومي NSA في برمجيات الكمبيوتر والاقمار الصناعية ، ثم في البنتاغون مديراً للأنظمة في مكتب مساعد وزير الدفاع الامريكي ثم في وكالة مخابرات الدفاع DIA.

– لاري يرماك Larry Yermack  – عمل مديراً لمشروع برنامج Transit  لتوجيه اتصالات الاساطيل الامريكية ، ثمّ برنامج Astro  لبث الاقمار الصناعية المباشر لوكالة الفضاء الامريكية NASA .

–هوارد كروسر : Howard krosser – مدير مشروع دباباتAbrams  وأنظمة تسليح الدبابات.

– آن برادلي Ann Bradley  : عملت بداية مع وكالة المخابرات المركزية CIA ثم انتقلت لوكالة الفضاء الامريكية ناسا كمديرة لشؤون الادارة وانظمة الاتصالات.

–الجنرال جوزيف كونولي Ganeral Joseph Connolly : نائب مدير ادارة  مشتريات البنتاغون

–ومن الزملاء الاجانب :
JACQUES DUCING والذي انتقل من كونه مستشاراً علمياً للرئيس الفرنسي الى منصب نائب الامين العام لحلف الاطلسي (الناتو) للشؤون العلمية .

سأبين اكذوبة الحرب على الارهاب والتي كانت وما زالت حرباً ايدولوجيةً لبسط الهيمنة الامريكية على العالم وللاستحواذ على النفط العالمي.

مستشار ومؤلف وباحث

(رأي اليوم)

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير