غزة: كيف قُتل مهند ؟ القصة كاملة يرويها أحد أقربائه

30.08.2017 10:36 AM

غزة- وطن- رولا حسنين: "ليت الذي بيني وبين الحياة عامر، وبيني وبين الآخرين كله خراب، ليت الحب الذي اعتقدنا أنه موجود بين الناس حقاً كان، لأكون أسعد الناس، فلو أبي أحبني كما أحببتكِ لما رحلتُ"، ربما هذه الكلمات البسيطة تلخص ما حلّ بالشاب الغزيّ مهند، والذي أودّ أن أبقيه مجرداً من كل الأسماء التي كان من المفترض أن تعقب اسمه ليكون شخصاً ينحدر من عائلة لها اسمها الحاني عليه، لا القاسي.

ضجت غزة أول أمس، بخبر وفاة الشاب مهند ابن الاثنين والعشرين ربيعاً، بعد أن أقدم على الانتحار بصورة قاسية، مستخدماً الموت أداة التعبير الأخيرة عن رفضه لكل ظلم حلّ به، وليكشف لنا عن عجزنا المستمر من اكتشاف مكنونات شبابية يحق لها أن تقود مجتمعنا نحو الابداع والتألق.

مهند وفق ما قاله خاله، ولد في قطاع غزة لأبوين قررا الانفصال عن بعضهما وهو في عامه الأول من الحياة، لتنذر والدته نفسها لتربيته كما تفعل غالبية نساء مجتمعنا، اذ تقرر مواجهة الحياة لوحدها وترفض غالباً فكرة الزواج تاركة خلفها أطفالها، ولكن المحيط الاجتماعي الذي يرفض فكرة طلاق أي زوجين، ويقبل فكرة عدم اتفاقهما وعيشهما حياة كالجحيم "المهم لا للطلاق"، ونظرة المجتمع للطفل الذي ينفصل والداه بلا ذنب منه، وأمور أخرى، كلفت مهند حياته.

يقول خال مهند عبر بيان نشره للرأي العام على صفحته الفيسبوك، إنه احتضنه في منزله كونه يسكن في قطاع غزة فيما يسكن بقية أخواله في الخارج، فيما كانت حياة الطفولة لمهند تتمحور حول دراسته ورؤيته لوالده يوم أو يومين في الأسبوع بحكم زواجه من أخرى.

"كان فطن وشديد الذكاء والنباهة ومنطلق اللسان" هكذا وُصف مهند، حتى تخرج بتفوق من مرحلة الثانوية العامة، لتستمر سلسلة القهر التي عايشها في طفولته، وتمتد الى مستقبله، يقول خاله "كان مهند يحلم بالسفر لاكمال دراسته الجامعية في الخارج، وعرض على والده السفر الى أوروبا حيث عرض أحد أعمامه ميسور الحال وفقير الأبناء عليه بالسفر فيما يتكفل مصاريفه كلها، ولكن مهند تفاجئ بالرفض القاطع من قبل والده الذي أرسل أحد أبنائه للتعليم في الخارج على نفقته.

صدمة أخرى عايشها مهند مع والده، يرويها خاله "اضطر مهند للالتحاق في كلية الصيدلة بجامعة الأزهر في غزة، ولكن والده الغني رفض أن يساعده في تكاليف دراسته، لتتشكل فاجعة أخرى لدى مهند عن ماهية وجوده على هذه الدنيا، ووالده يقف عقبة في طريق مستقبله، كلما أراد تقبل فاجعة ضربه بأخرى".

ولا يقتصر الحال على أهالي قطاع غزة ببضع ظلم يعيشه الفرد فيهم على يد أقاربه، إنما الحصار الذي يعاني منه القطاع منذ 11 عاماً ألقى بظلال بؤسه وحقده على الشاب مهند أيضاً، فالطالب النابغ في كليته، وصاحب الأبحاث والاختراعات التي تحسب له، والفائز بعدة جوائز من جامعته ومن الجامعه العبرية، وصاحب الشغف الذي كان يتحضر للمشاركة في برنامج "تيدكس العالمي للنوابغ والمؤثرين"، والحاصل على منحة علمية من الجامعة العبرية، وقف الاحتلال في وجهه ولم يسمح له بمغادرة قطاع غزة، والحجة "دواعٍ أمنية"، واستمرار اغلاق معبر رفح وعدم تمكنه من السفر للمشاركة بأية فعالية، كل هذا أوقف الكثير من الطموح التي كان يعيش عليها مهند نهاره وليله.

الا أن ثمة أمل كان يحيط به، ويتراجع عن محاولة انتحار عددها 4 مرات، هو حبه لفتاة رأى أنها عائلته التي فقدها دون أن يلمس حنانها، فتاة ظن أنها الحياة بعد أن فقد طعم الحياة بعلقم ما عليها، ليخسر الفتاة أيضاً، وتعود الكرة لوالده الذي رفض أن يزوجه اياها، ليختم مهند حياته بآخر أنفاسه التي كتمها بالغاز السام عندما قرر أخيراً الرحيل عن الدنيا بلا شيء كما جاء عليها ولم يحصل منها على شيء، حيث خنق نفسه بالغاز وفق ما أعلنت شرطة غزة في تحقيقها.

رحل مهند بفاجعة الانتحار عندما قرر أن ينهي حياته، ولكن يبقى السؤال الذي يطرق بابنا جميعاً، هل يحق للعالم أن يسلبنا حياتنا بهذه الطريقة، ما الذنب الذي ارتكبه مهند ليكون مجرداً من عائلة ووطن يمنحانه الحياة؟ ما الذنب الذي جاء به مهند على هذه الدنيا ليكون وحيداً بين كابوس العيش المرير، هل مهند وحده انتحر؟ هل مهند سيتكرر؟ هل مهند حقاً رحل ؟.

الى والد مهند، هل اكتفيت الى هذا الحد من الظلم؟ هل جُبل قلبك على الحب يوماً إن كان لك قلب؟
الى المجتمع، هل مهند هو قصة مجتمعنا اليومية ؟

تصميم وتطوير