عبيد كأس العالم في قطر: امتهان العاملين في منشآت مونديال 2022

05.09.2017 04:01 PM

وطن - ترجمة خاصة: وفقا للكشف الذي خرج به تحقيق الجارديان، فإن العشرات من المهاجرين النيباليين الذين يعملون في منشآت كأس العالم 2022 قد لقوا مصرعهم. كما سجل التحقيق أن الآلاف الاخرين منهم يتعرضون لانتهاكات عمل مروعة وجسيمة، مما أثار تساؤلات خطيرة حول مجمل الاستعدادات القطرية لاستضافة كأس العالم 2022.

وخلال العمل في فصول الصيف، لم يخل يوم واحد من تسجيل وفاة على الأقل بين العمال النيباليين في قطر. وكانت معظم الوفيات لشبان أصيبوا بنوبات قلبية مفاجئة. كما وجد التحقيق أدلة تشير إلى أن الآلاف من النيباليين، الذين يشكلون أكبر مجموعة من العمالة الأجنبية في قطر، يواجهون أنواعا مختلفة من الاستغلال والإساءات التي ترقى إلى حد "العبودية المعاصرة"، وفق مصطلح منظمة العمل الدولية (آي. أل. أو)، وذلك خلال العمليات الانشائية المحمومة تمهيدا لكأس العالم 2022.

ووفقا لوثائق تم الحصول عليها من سفارة نيبال في الدوحة، فإن (44) عاملا نيباليا لقوا مصرعهم خلال فترة شهرين فقط، وتحديدا بين 4 حزيران - 8 آب من العام الفائت ، مع الإشارة إلى أن أكثر من نصفهم توفي بسبب النوبات القلبية، أو فشل القلب، أو حوادث مميتة في مكان العمل.

وكشف التحقيق أيضا عديد الملاحظات والمخاوف، من بينها:
- دلائل على العمل القهري في مشاريع البنية التحتية الضخمة استعدادا لكأس العالم.
- وفقا لأقوال بعض العمال النيباليين، فإنهم لم يتقاضوا رواتبهم منذ عدة أشهر، وأن السلطات القطرية تحتجز تلك الرواتب لمنعهم من الفرار.
- أفاد بعض العمال النيباليين في مواقع عمل مختلفة، بأن أصحاب العمل يقومون بمصادرة جوازات سفرهم بشکل روتیني، كما ویرفضون إصدار بطاقات إقامة لهم، مما يمنعهم من مغادرة مخيمات العمل، ويضعهم بالتالي في حالة شبهة كأجانب مقيمين بصورة غیر شرعية، مما يبقيهم بشكل مستمر تحت الضغط والملاحقة والمساءلة في قطر.

-يقول بعض العمال إنهم حرموا من الحصول على مياه الشرب المجانية أثناء العمل في الصحراء، رغم درجات الحرارة الشديدة هناك.

- تم تسجيل لجوء (30) عاملا نيباليا إلى سفارة بلدهم في الدوحة، هروبا من ظروف عملهم القاسية.

تشير العديد من المزاعم إلى وجود سلسلة من عمليات الاستغلال القطري الممنهجة لبعض القرى النيبالية الفقيرة، والتي تم نقل قصتها إلى القادة القطريين. فالصورة العامة تشير إلى قيام واحدة من أغنى الدول في العالم باستغلال بشع لواحدة من أفقر دول العالم، استعدادا للبطولة الرياضية الأكثر شعبية في العالم.
وقد نقل التحقيق رواية أحد المهاجرين النيباليين العاملين في تطوير مدينة لوسيل، وهي مدينة تقد تكلفتها ب (45) مليار دولار، وستشمل الملعب الذي يتسع ل (90) ألف مقعد، ومن المرتقب أن تجري عليه المباراة النهائية للمونديال، ويتم بناؤها من الصفر. يقول العامل النيبالي: "نحن نرغب بالمغادرة، ولكن الشركة تمنعنا، وأنا غاضب جدا من كيفية تعامل هذه الشركة معنا، ولكننا عاجزون عن عمل أي شيء. لقد اضطررنا للمجيء إلى هنا من أجل كسب لقمة العيش، ولكن الحظ لم يحالفنا للأسف".

قطر تدعي ان المقاولين هم من يستغل العمال!!!!
وقالت "اللجنة العليا لقطر 2022"، وهي الهيئة المكلفة بتنظيم كأس العالم، لصحيفة الجارديان إن العمل لم يبدأ بعد في مشاريع تتعلق بكأس العالم مباشرة. إلا أن اللجنة العليا أضافت أنها "تشعر بقلق عميق من المزاعم التي وجهت إلى بعض المقاولين والمقاولين الفرعيين الذين يعملون في موقع بناء مدينة لوسيل، وأن هذه المزاعم تعتبر بالغة الخطورة لدى اللجنة". وأضافت اللجنة بأنها أبلغت السلطات الحكومية المعنية بهذه الشكاوى، وهي بدورها تجري تحقيقا متخصصا في هذه المزاعم".

وفي هذا السياق، كشف التحقيق الذي أجرته الجارديان، وفي جميع أنحاء قطاع الإنشاءات القطري، على رجال ينامون في أماكن شديدة الازدحام، وبمعدل لا يقل عن (12) شخصا في الغرفة الواحدة. مما يتسبب لهم بأمراض من الطبيعي تظهر في ظروف معيشية قاسية وفي ومساكن قذرة كهذه. ويقول البعض إنهم أجبروا على العمل بدون أجر، وتركوا ليتسولوا طعامهم من عمال آخرين.

وشهد أحد العمال، ويدعى رام كومار مهارا، (27) عاما، للجارديان قائلا: "كنا نعمل بمعدة فارغة على مدار (24) ساعة. منها (12) ساعة عمل و (12) ساعة أخرى نبقى عليها دون طعام طوال الليل. وعندما تقدمت بشكوى، قام رئيسي في العمل بالاعتداء علي، ثم طردني من مخيم العمل الذي كنت أقيم فيه مع زملائي، كما رفض دفع أجري، مما دفعني لتسول الطعام من العمال الاخرين".
عمال تحت الاستغلال وثقل الديون

ويتراكم على جميع العمال المهاجرين تقريبا ديون ضخمة في بلدهم نيبال، لصالح وكلاء التوظيف الذين كبلوهم بهذه الوظائف، وبالتالي فان هؤلاء العمال لا يستطيعون المغادرة لأنهم مضطرون لتسديد ديون هائلة لا يملكون منها شيئا. كما يشكل الالتزام بسداد هذه الديون، بالإضافة إلى عدم تلقي أجورهم، وتجريدهم من الوثائق، وعدم قدرة العمال على ترك مكان عملهم، والعمل القهري، نوعا حديثا من العبودية التي يعتقد أن عدد ضحاياها يصل إلى (21) مليون شخص في مختلف أنحاء العالم.

وفي هذا السياق، اتخذ السفير النيبالي في قطر، مايا كوماري شارما، موقفا معاديا تجاه ظروف العمل القاسية والاستغلال الذي يعانيه مواطنوه، حيث وصف إمارة قطر بأنها "سجن مفتوح".

سجل الوفيات بين العمالة النيبالية، صادر عن السفارة النيبالية في الدوحة

وقال ايدين ماكوايدي، مدير منظمة مكافحة الرق الدولية، وهي منظمة عريقة تأسست سنة 1839: "إن الأدلة التي كشفت عنها الجارديان دليل واضح على الاستخدام الممنهج لأسلوب العمل القهري في قطر". وفي الواقع، إن ظروف العمل هذه، والعدد المذهل من الوفيات، ونسبة التعرض للخطر أثناء العمل، تتجاوز مستوى العمل القهري لتصل إلى حد العبودية القديمة، حيث كان البشر يعاملون كالأدوات. ولم يعد هناك من مخاوف بأن تكون كأس العالم تقوم على العمل القهري، بل ان ذلك يحدث بالفعل، فهو ليس توقعات وليس مخاوف، بل حقائق".

تمتلك قطر أعلى معدل من العمال المهاجرين نسبة إلى المواطنين المحليين في العالم: حيث أن أكثر من (90%) من القوة العاملة في قطر هي من المهاجرين. ومن المتوقع، فوق ذلك، أن يتم تجنيد ما يصل إلى (1.5) مليون عامل إضافي في البلاد لبناء الملاعب والطرق والموانئ والفنادق اللازمة للمونديال. ويشكل العمال النيباليين نسبة (40%) من إجمالي العمال المهاجرين في قطر. وكمعدل سنوي، يغادر أكثر من (100) ألف عامل نيبالي جديد بلادهم الى قطر كل عام.
إن النظام الغامض والمضلل لسماسرة التوظيف في آسيا، ومعهم مقاولي العمل في قطر، يجعل هؤلاء العمال عرضة لأبشع أنواع الاستغلال. وفي سعيها لمقاومة ذلك، أصرت اللجنة العليا المنظمة للمونديال على وضع معايير عمل لائقة لكافة عقود كأس العالم، غير أنه يوجد تحت اللجنة العليا شبكة معقدة وواسعة من مدراء المشاريع، وشركات الإنشاءات، والموردين، ومقاولي التوظيف ووكالات التوظيف أيضا.

ووفقا لبعض التقديرات، ستقوم قطر بإنفاق (100) مليار دولار على مشاريع البنية التحتية الخاصة بكأس العالم. فبالإضافة إلى (9) ملاعب على أحدث طراز، رصدت قطر (20) مليار دولار لإنشاء طرق جديدة، كما رصدت (4) مليار دولار للطريق السريع الذي يربط قطر بمملكة البحرين، بالإضافة الى (24) مليار دولار لشبكة السكك الحديدية السريعة. كما تم رصد مبالغ كبيرة لتوفير (55) ألف غرفة فندقية لاستيعاب المشجعين والزوار، علما أن قطر قد أوشكت تقريبا على الانتهاء من إنشاء مطار جديد.

بالنسبة لقطر، تعتبر كأس العالم 2022 جزءا من برنامج أكبر للبناء في الإمارة. يهدف البرنامج إلى إعادة تشكيل المملكة الصحراوية الصغيرة على مدى العقدين المقبلين. لم تبدأ قطر بعد ببناء الملاعب لكأس العالم 2022، ولكنها شرعت في مشاريع البنية التحتية الكبيرة مثل إنشاء مدينة لوسيل التي سيكون لها دور رئيسي خلال كأس العالم، وفقا لشركة "بارسونز" الأمريكية المتخصصة في إدارة المشاريع الإنشائية. تجدر الإشارة أيضا إلى أن شركة "هالكرو" البريطانية المتخصصة بالأعمال الهندسية، وهي المسؤول عن تصميم البنية التحتية والإشراف على أعمال البناء في مشروع لوسيل، تكرر قولها دوما بأن لديها "سياسة عدم التسامح مطلقا مع استخدام أسلوب العمل القهري، وغير ذلك من ممارسات الاتجار بالبشر".

وقالت شركة هالكرو: "إن دورنا الإشرافي على البناء يتضمن بشكل محدد ودقيق وصارم التقيد بأنظمة العمل والتعاقدات في مواقع العمل من أجل ضمان أقصى حدود الصحة والسلامة والبيئة. غير أن شروط تعاقد المقاولين مع العمال فلا تخضع لاختصاصنا المباشر".

يروي بعض العمال النيباليين في مدينة لوسيل قصص بؤس كثيرة ومتنوعة. فهم يرزحون تحت مبالغ ضخمة من الديون، والتي ينبغي عليهم دفعها بأسعار فائدة تصل إلى (36%)، ويتم استردادها منهم أولا بأول، وبالتالي يصبح العمال مجبرين على العمل بدون أجر، كما يقولون.

وقال أحد العمال ويدعى "أس. بي. دي"، ويعمل في إنشاء مرفأ مدينة لوسيل: "لقد احتجزت الشركة راتب شهرين لكل واحد منا لمنعنا من الفرار"، مضيفا أنه قدم للعمل في لوسيل بناء على تعاقد تم مع مقاول فرعي اعتاد تزويد المشروع بالعمال.

كما أفاد عمال اخرون بأن متعاقديهم قاموا بمصادرة جوازات سفرهم، كما رفضوا إصدار بطاقات الهوية لهم، رغم أن من حقهم الحصول عليها بموجب القانون القطري. وفي هذا السياق، قال أحد العمال المهرة، وهو متخصص ببناء السقالات، إنه عمل في قطر لمدة عامين دون أن يحصل على بطاقة هوية على الإطلاق، وأن مديرهم في العمل أمضى كل هذا الوقت وهو يعدهم قائلا: "البطاقة ستصدر في الأسبوع المقبل".

ودون وثائقهم الرسمية، فإن وضع العمال المهاجرون يصبح في الواقع غير شرعي، وبالتالي فهم لا يستطيعون مغادرة أماكن عملهم دون خوف من الاعتقال، كما لا يحق لهم الحصول على أية حماية قانونية. وفوق ذلك، فإنه وبموجب نظام الكفالة الذي تديره الدولة، فإنه لا يمكن للعمال تغيير وظائفهم أو مغادرة البلاد دون إذن مكتوب من الشركة الراعية لهم.

فيما أفاد عامل آخر رفض الكشف عن اسمه خشية الانتقام منه: "نود أن نغادر إلى ديارنا، ولكن الشركة لن تسمح لنا بذلك. وبالمقابل، إذا قررنا الهروب، فإن وضعنا يصبح غير قانوني بشكل مطلق، ويجعل من الصعب علينا العثور على وظيفة أخرى. وفوق ذلك، يمكن للشرطة أن تلقي القبض علينا وترحلنا إلى ديارنا. أما إذا ترك أحدنا العمل من تلقاء نفسه، فلن يمكنه بعد ذلك الحصول على تصريح إقامة، مما يحرمه من العمل في أي مكان آخر في قطر". وفي سياق متصل، قال عمال آخرون أنهم أجبروا على العمل لساعات طويلة في درجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية دون الحصول على مياه الشرب.

دالي كاهتري وزوجها ليل مان، يحملان صورتين لاثنين من أبنائهما، توفيا أثناء العمل في ماليزيا وقطر. الابن الأصغر، 20 عاما، توفي نتيجة أزمة قلبية في قطر

وفي سياق متصل، قالت وزارة العمل القطرية أن لديها قواعد صارمة جدا تحكم العمل في الظروف الصعبة مثل العمل في درجات الحرارة العالية. وأضافت أن لديها سياسات واضحة في التعاقد والعمل وقواعد صارمة أيضا بخصوص ضرورة الدفع الفوري للرواتب.

تقول وزارة العمل القطرية أنها تعمل على إنفاذ هذا القانون من خلال عمليات تفتيش دورية لضمان حصول العمال على أجورهم في الوقت المحدد، وإذا لم تلتزم الشركة بالقانون، تطبق الوزارة العقوبات اللازمة، بما في ذلك إحالة القضية إلى السلطات القضائية.

وفي سياق متصل اخر، قالت شركة لوسيل العقارية: "إن مدينة لوسيل لن تتسامح مع أية مخالفة لقانون العمل أو أية مخالفة لقواعد الصحة والسلامة، ونحن نكرر توجيهاتنا دوما إلى المقاولين والمقاولين الفرعيين كي يكونوا عند توقعاتنا، وكي يوفوا بالتزاماتهم التعاقدية تجاهنا وتجاه العمال كأفراد أيضا".
وأضافت لوسيل: "لقد أبرزت صحيفة الجارديان عديد الأنشطة التي بدرت من أحد المتعاقدين الفرعيين، والتي من المحتمل أن تكون غير مشروعة. ولقد أخذنا هذه المزاعم على محمل الجد، وقمنا بإحالتها إلى السلطات المختصة للتحقيق. وبناء على نتائج التحقيق سنقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة ضد أي فرد أو شركة وجد أنها قد تجاوزت القانون أو وجد أنها لم تلتزم بتعاقداتها معنا".

وأدلى أوميش أوبادهيايا، الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال نيبال، بتصريحات مؤثرة حين قال: "إن الجميع يتحدثون عن تأثير درجة الحرارة العالية لدولة قطر على بضعة مئات من لاعبي كرة القدم عندما تعقد مباريات المونديال. لكن الجميع يتجاهلون المشاق والدم والعرق والآلام لآلاف العمال المهاجرين الذين يقومون ببناء ملاعب كأس العالم خلال مناوبات عمل مؤرقة وطويلة، تصل الواحدة منها إلى (8) أضعاف وقت مباراة كرة القدم (أي 12 ساعة عمل).

 

"تحقيق حصري للغارديان: ترجمة ناصر العيسة"

تصميم وتطوير