المصالحة ضرورة

22.09.2017 10:11 AM

 كتب: فادي البرغوثي

ما ان يبدا الحديث عن المصالحة الفلسطينية حتى نسمع اصوات كثيرة متشائمة تنذر بعدم  احراز اي تقدم حقيقي في هذا الملف حتى ان البعض راح يقول حتى لو تمت المصالحة المهم التطبيق على الارض فقد سمعنا كلام اكثر من ذلك وسمعنا خطابات تقول اننا اغلقنا ملف الانقسام الى الابد، لكن سرعان ما تنتهي الخطابات العلنية حتى تبدا احد الاطراف بتحميل الاخر مسؤولية عددم تطبيق الاتفاق.

هذا الحديث يكاد يحصل كل مرة يتم فيها التوقيع على اي اتفاق من اتفاقات  المصالحة حتى انني كتبت عنها  في مقال سابق انها مثل قصة الذبانة  التي كنا نقصها   ونحن اطفال صغار .

تدور محور القصة باختصار بان احد الجالسين من  ليس لدية اي من قصة للسرد بالقول اريد ان احكي لكم  قصة الذبانة فذا قلت احكي يقول احكي ولا ما احكي احيلكم قصة الذبانة واذا قلت لا اريد يقول تريد او لا اريد احيلكم قصة الذبانة واذا صمت يقول تسكت ولا ما تسكت احكيلكم قصة الذبانة ... فلا هو يسرد القصة ولا نحن نسمعها ويبقى الحديث يدور حولها.

هذا هو لسان حال الشارع الفلسطيني الذي مل من تكرار المشهد بين الفريقين فلم يعد يثق بما يطلقة الطرفين من تصريحات حول المصالحة .

لكن بالرغم من عدم التفائل الذي يظهر على الشارع والناس الا ان  هذه المرة  تختلف عن المرات السابقة فهناك دوافع موضوعية و ذاتية تدفع الطرفين الى تنفيذ ما تم الاتفاق علية من قبل  الطرفين

- فعلى سبيل المثال فان حركة فتح باتت تدرك ان فكرة السلام غير ناضجة عند دولة الاحتلال وان 25 عاما من المفاوضات لم تفضي الى حل سياسي يلبي الحد الادنى من الطموح الفلسطيني، فقبل الانقسام مثلا كانت حجة اسرائيل الدائمة التي تقول ان عدم تقدم عملية السلام يرجع الى العمليات العسكرية التي تقوم بها حماس وفصائل المعارضة وهو ما لم يعد مقبولا اليوم بعدما احكمت  السلطة سيطرتها بشكل كامل على الضفة الغربية  ومنعت اي عمل مسلح داخل الاراضي الفلسطينية بل ان السلطة راحت تمنع المظاهرات التي انطلقت اتجاة الحواجز ونقاط التفتيش .

وبالرغم من ذلك لم  يتم تطبيق اي نقطة تم الاتفاق عليها تكون لصالح الشعب الفلسطيني بل ان اتفاق اوسلو اصبح اكثر سلبيا من نصوصة السلبية اصلا  .
فاسرائيل تريد من السلطة الوطنية الفلسطينية وظيفة واحدة فقط  وهي ان تكون وكيلا امنيا لها  دون ان تتطلع الى مطالب الشعب الفلسطيني التواق الى الحرية والاستقلال الوطني مما يجعل حركة فتح كبرى الفصائل الفلسطينية المنخرطة في الحل السياسي في تناقض حقيقي بين مقوماتها ومنطلقاتها التي انطلقت وتاسست  من اجلها وهي التحرير ويجعلها ايضا تتعارض مع  ما هو مطلوب للعمل بة لشعب ما زال يرزخ تحت الاحتلال .

واكثر من ذلك فان السياسة المتبعة في الضفة الغربية لم تجعل دولة الاحتلال معتدل داخليا كما كان ايام المد الثوري الفلسطيني في الانتفاضة الاولى التي خلقت تباين داخل المجتمع الاسرائيلي نفسة ما بين معارض ومؤيد لعملية السلام وعلى العكس من توجهات القيادة الفلسطينية التي كانت دعواتها متكررة لاستمرار عملية السلام نزع المجتمع الاسرائيلي نحو اليمين والتطرف بشكل غير مسبوق فمثلا شخص مثل كهانا الذي  كان يدعو الى طرد الفلسطينيون في ثمانينات القرن الماضي كان يحصل على مقعد واحد في انتخابات الكنسيت واحيانا كان يمنع نتيجة تطرفة الزائد من المشاركة في الانتخابات ....الفكر الذي كان يتبناه كهانا هو  نفس الفكر الذي يسيطر على البرلمان الاسرائيلي والحكومة معا.

فقد اقر الكنيست حوالي 156 قانونا ومشروعا عنصريا وهو بذلك يترجم الخطابات الدينية اليهودية الى عنصرية قانونية ، لعلنا  هنا نكتقي بقانون التسوية الذي يتيح للاحتلال سرقة ونهب الاراضي الفلسطينية بما يرغب وبما  يعرض كل الاراضي والاملاك للسيطرة عليها مقابل تعويض مالي بالرغم معارضة اصحاب الاراضي انفسهم.

اماعن الحكومة نكتفي ايضا في مطلب وزيرة  العدل ايليت شكيت التي طالبت بقتل امهات الفلسطينين لانهن ينجبن افاعي وليس بشر  .

ولم تختلف الحالة على صعيد الراعي للمفاوضات التي بقيت في كل مرة تدافع عن دولة الاحتلال كجزء من مصالحها بل امتددت الى ابعد من ذلك وكانها جزء من الولايات المتحدة الامريكية نفسه مما يذكرنا في كلام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر حينما كان يقول "اسرائيل" هي امريكيا وامريكيا هي" اسرائيل".
لذلك فان جميع الوعود الامريكية السابقة التي كانت تتردد بانها خلال عام مثلا سيتم اقامة  دولة فلسطينية ذات جدوى اقتصادية منزوعة السلاح باءت بالفشل من عهد كلنتون مرورا ببوش الابن الذي صرح بذلك  وانتهاء  بعهد اوباما الذي جاء في فكرة حل القضية الفلسطينية .

فكانت سياسية الولايات المتحدة الامريكية غير صادقة و في لحظة الحسم كانت الدرع الواقي والحامي لدولة الاحتلال فلم تسمح الولايات المتحدة الامريكية لمجلس الامن من اخذ اي موقف اتجاة الاستيطان ،وفي كل مرة كان الموقف يصتصدم بالفيتو الامريكي وكذلك وقفت ضد حصول الشعب الفلسطيني على دولة كاملة السيادة في مجلس الامن وغيرها وغيرها من سياسة العداء ضد الشعب الفلسطيني التي من الصعب حصرها في مقال بل تحتاج الى تقرير خاص .
لعل عدم تطرق الرئيس الامريكي دولند ترامب في خطابة بالامم المتحدة لهذا العام  للقضية الفلسطينية دليل على موقف الولايات المتحدة الثابت اتجاة القضية الفلسطينية وانحيازها السافر لدولة اسرائيل ومحاولة اظهارها كقضية هامشية ضمن نطاق الاهتمام الدولي .

وفي هذا الاطار وكما هو معروف للجميع تعمل  الادارة الامريكية على صفقة دون التوصل الى حل القضية الفلسطينية مستغلة حساسية الانظمة  العربية اتجاة الموقف الايراني لتكون سيفا مسلطا على ارقاب العرب بمعنى انة في اللحظة التي لم تعقد الصفقة ترفع الولايات المتحدة الامريكية يدها عن التدخلات الايرانية في منطقة الشرق الاوسط مما يهدد ذلك دول الخليج العربي، مما يتم تبديل  اولويات  العرب من جعل ايران العدو الاساسي والمركزي بدلا من اسرائيل .

وفي نفس الوقت تضغط على  الدول العربية من  اجل العمل  على حل غير عادل مع دولة الاحتلال يتمحور حول التطبيع الكامل دون التوصل الى حل القضية الفلسطينية وهو ما يعتبر تاجيل الحل الفلسطيني  بعد التطبيع العربي مما يجعل القضية الفلسطينية تفقد احد اهم اوراقها القوية كقضية مركزية.

وفي هذا الاطار تناقلت عدد من وسائل الاعلام الاسرائيلية خبر عن قيام الامير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي من زيارة سرية الى دولة الاحتلال كخطوة لتطبيع العلاقات بين البلدين، ولم تصدر عن المملكة العربية السغودية اي نفي لهذة الزيارة بالرغم من تاكيد ذلك من قبل جميع وسائل الاعلام الاسرائيلية.
وفقا لصحفية الجوروزاليم بوست الاسرائيلية استنكر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مقاطعة الدول العربية لاسرائيل، معلنا انة يترك لمواطني مملكته حرية السفر الى تل ابيب.

ولم يتوقف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتنياهو عن تصريحاتة المتكررة بشان العلاقة القوية مع الدول العربية معلنا اكثر من مرة عن ان هناك تنسيق لم يسبق لة مثيل  ما بين الدول العربية واسرائيل وان هناك علاقة قوية ومتينة لم تكن بهذه القوة منذ تاسيس دولة الاحتلال.

ولم يقتصر الامر على دول الخليج العربي بل امتددت الى دول عربية اخرى  فقد صرح وزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل المهدي دعمة وتاييدة الكامل لدولة الاحتلال موضحا ان الفلسطينيين هم من باعوا اراضيهم.

- ايضا فان حركة حماس  تقع في ازمة حقيقية لا تختلف عن ازمة حركة فتح .

فاختصر نشاط حركة حماس على قطاع غزة فقط دون اي نشاط يذكر  في الضفة الغربية ونتيجة لتشديد القبضة من قبل الاجهزة الامنية على عناصر حركة حماس التي توفرت  لها سابقا منابر لم تتوفر لاحزاب وتنظيمات اخرى.

فخسرت حركة حماس العمل  في المساجد التي كانت مكان لتمرير افكارها، فعملت الحركة على جعل المساجد ليس مكان للعبادة فقط انما  يمتد لعمل انشطة رياضية وتعليمية وتثقيفية تستطيع الحركة من خلالها جذب الشباب .

امثلة على ذلك حلقات حفظ القرآن التي كانت تقوم بها الحركة في المساجد، كذلك ما يقولة الامام على المنبر يوم الجمعة الذي يمرر افكار حماس من خلال الخطبة كذلك فان المسجد يوفر مكان للمارسسة الرياضة وتشكيل فرق باسم شباب المسجد وعدى عن الدورات التعليمية التي تخص المناهج التدريسية نفسها .
اما على صعيد التكافل الاجتماعي سيطرت حركة حماس سابقا على لجنة الزكاة التي تسيطر عليها السلطة في الفترة الحالية فكانت تقوم من خلال اللجنة في كفالة الايتام ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وتوفير مشاريع صغيرة للناس حتى وصل الامر احيانا في دفع الاقساط الجامعية لبعض الطلاب وتسديد تكاليف العلاج لبعض المرضى.

ولم يختلف الامر كثيرا على صعيد الجامعات  والمعاهد  التي كانت تنشط فيها حركة حماس لدرجة انها سيطرت على اغلب مقاعد مجالس الطلبة في اغلب الجامعات والمعاهد .

ومنذ تاريخ الانقسام لم تمارس الكتلة الاسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس نشاطها بالطريقة  التي كانت تمارسها من قبل حتى انها احيانا فضلت في بعض السنوات  عدم المشاركة في انتخابات المجالس الطلابية لبعض الجامعات.

اما على صعيد المقاومة الفلسطينية التي تتبناها فان  حركة حماس تعيش في مازق كبير ... فعلى صعيد الضفة الغربية لم تعمل حماس عمليات عسكرية كبيرة كما كانت قبل الانقسام وهنا وجب التنوية ان اغلب العمليات العسكرية قبل الانقسام او في الانتفاضة الثانية وحتى قبلها كانت اغلبها تتركز في الضفة الغربية ومنذ التاريخ  لم تعد هناك عمليات تذكر امام العمليات السابقة .

وفي قطاع عزة اصبحت حركة حماس امام خيار واحد اذا ما استخدمت اي عمل مقاوم الا وهو الحرب فتحولت استراتيجية الحركة من استراتيجية الهجوم كما كان سابقا الى استراتيجية الدفاع وهو ما يتعارض مع فكر وفلسفة اي فعل مقاوم  .

والدليل على ان المقاومة في غزة تعيش في مازق فان كلا من اسرائيل وحماس يبدان في تحميل المسؤولية عن بدء الحرب للطرف الاخر مع العلم ان حماس كحركة مقاومة لها ان تعمل ما تريد في اطار  العمل ضد الاحتلال وهو ما يجعلها تقع في فخ الدفاع كما قلنا سابقا بدلا من الهجوم، فان حركة حماس في قطاع غزة لا تعمل في الوقت الحالي اي  فعل مقاوم يصدر عنها مهاجما والذي يمكن ان  يؤدي الى حرب مدمرة بسبب انها لا تريد ان تتحمل مسؤولية  الخسائر المادية والبشرية الكبيرة والتي تفوق قدرة الحركة .

تاكيدا على ذلك فقد  صرح وزير الامن لدى دولة الاحتلال افيغدو ليبرمان ان الفترة الحالية هي الاكثر هدوءا في منطقة الشريط الحدوي للقطاع غزة منذ عام 1967 م وتابع قولة ان ذلك نتيجة للمفهوم الاسرائيلي الذي بموجبة يتم الرد على اي استفزاز برد فعل شديد.

كذلك فان خطة اعمار القطاع التي كانت تنطلق بعد كل حرب على قطاع غزة لم تتكلل بالنجاح وظلت الامور في اطار الوعود والتصريحات فقط ولم يمارس المجتمع الدولي اي ضغط على اسرائيل لادخال مواد البناء لاعادة اعمار ما دمرته آلة الحرب الاسرائيلية.

ولم تفلح ايضا جهود بعض الدول في كسر الحصار على قطاع غزة الذي بقي محاصرا مدة عشر سنوات تقريبا وهي مدة الانقسام بل اصبح ينظر الى الحصار كامر طبيعي وتراجعت بعض الدول التي كانت تضع الحصار على سلم اولويتها كالموقف التركي الذي تخلى عن السفن القادمة من تركيا الى غزة وتراجع ايضا عن الشروط التي وضعها الطيب اردوغان في فك الحصار عن غزة وعقد اتفاق دون ذلك.

ولا يخفى على احد مدى التغير الذي حصل في موقف كلا في ايران وسوريا نتيجة موقف حماس من الحرب الدائرة في سوريا بعدما كانت الطفل المدلل لدى النظامين فاغلب اعضاء المكتب السياسي للحركة حماس كانت تعيش في سوريا بعد خروجها من الاردن والذي ادى ايضا الى تراجع الدعم الايراني للحركة ضمن ما كان يسمى سابقا محور الممانعة التي كانت حركة حماس جزء منة ومن ثم تراجعت عن هذا المحور بعد ثورات الربيع العربي الذي اعادت انتاج الانظمة العربية نفسها . وتضاعفت ازمة حركة حماس  في الفترة الاخيرة بشكل كبير بعد سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر التي عولت علية كثيرا ظنا منها انها ان خسرت محور ايران وسوريا فانها كسبت الاخوان في مصر.

لقد عبرت الازمة عن نفسها حينما اقدمت الحركة من الاتفاق مع محمد دحلان الذي كان في راي الحركة مشبوها ويعمل للصالح المخابرات الاسرائيلية وقالت عبر تصريحات قيادتها سابقا ان لديها من الاوراق ما يثبت ذلك.

باختصار شديد فان الفصيلين الكبيران ( فتح وحماس ) يعيشان في ازمة لم تتوقف، بل اخذه  بالاتساع،  وان الانقسام السياسي لم يضعف فصيل دون الاخر بل اضعق الفصيلين معا، مما ادى الى  تراجع القضية الفلسطينية كقضية مركزية للدول العربية والعالم الاسلامي، وللمرة الاولى منذ اقامة دولة الاحتلال يجري تفكير جدي بتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي وعقد صفقة للحل دون ان يكون الشعب الفلسطيني جزء منها.

فالاتفاق الحالي ليس وليد لحظة فقط كما كانت الاتفاقات السابقة، الذي كان  عبارة عن تسجيل مواقف وابتسامات امام عدسات الكاميرات  فقط ثم ما يلبث ان يبدا  الطرفين في تحميل الطرف الاخر المسؤولية عن التطبيق.

ويبقى شيء اخير يجب ان يقال وبعض النظر عن التضحيات المبذولة للفصلين على مدار الثورة الفلسطينية ان استمر الفصلين  بالانقسام متجاهلين ما حدث للقضية الفلسطينية في الفترة الاخيرة يبقى المطلوب خارج الفصيلين، بمعنى المطلوب التحرك شعبيا في اعتبار ما يجري كارثة وطنية بكل المستويات وتحميل الفصيلين مسؤولية تاريخية عن ما يجري بحق شعبنا وبحق قضيتنا الفلسطينية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير