بلاد الشام ستصبح أكثر سخونة بكثير مما هي عليه الآن وأكثر فقرا

24.09.2017 07:43 AM

وطن- تقرير: جورج كرزم

يقدر علماء المناخ بأن منطقتنا العربية، بما فيها بلاد الشام وفلسطين، ستصبح، خلال عشرات السنين القادمة، ليس فقط أكثر سخونة بكثير مما هي عليه الآن بسبب التغيرات المناخية، بل ستصبح أيضا أكثر فقراً.  فالتغيرات المناخية لن ترفع درجات الحرارة فقط، بل سيترتب عليها خسائر فادحة في الاقتصاد.  وتتفق معظم الأبحاث التي درست الأثر الاقتصادي للاحترار العالمي، على أن التغير المناخي، من الزاوية الاقتصادية، يعد معطى سالب صاف.  فعلى سبيل المثال، قد تعاني العديد من الأقطار العربية مثل الأردن، سوريا، لبنان وغيرها من خسارة ما لا يقل عن 10% من إجمالي ناتجها المحلي (GDP)، ويتعلق الأمر بمعدلات الارتفاع بدرجات الحرارة.  هذا إضافة إلى الخسائر الإضافية في ذات المؤشر الاقتصادي الناتجة أصلا عن عوامل سياسية، اجتماعية، أمنية واقتصادية.

عالميا، تقدر الأبحاث المناخية-الاقتصادية بأنه مع نهاية القرن الواحد والعشرين ستعاني البلدان الفقيرة والأكثر فقرا  من خسارة تتراوح بين 2-20% في دخلها الوطني، وذلك في حال لم تتخذ تلك البلدان إجراءات جدية للتحكم في عواقب الارتفاعات الهائلة بدرجات الحرارة.  وبينت التحليلات العلمية بأن أثر الارتفاعات في درجات الحرارة سيكون أكبر بكثير تحديدا في البلدان الحارة أصلا.

فلسطين التاريخية الصغيرة في مساحتها، تعتبر ساخنة في مناطق معينة، وأكثر سخونة في مناطق أخرى؛ وبالتالي فنحن لا نتمتع بهامش جغرافي كبير لنتحرك فيه، ولا نملك ترف "الهروب" المكاني من آثار التغير المناخي، من خلال الهجرة الداخلية إلى مناطق أكثر اعتدالا مناخيا، كما هو الحال في البلدان الشاسعة في مساحتها وتنوعها المناخي، كالولايات المتحدة الأميركية واستراليا وغيرهما.  بمعنى، يجب علينا أن نكون على استعداد لتلقي الضربات الحرارية القاسية، مع ما يترافق ذلك من نكبات اقتصادية، كما هو حال البلدان الحارة الأخرى في الخليج وإفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.

جميع المعطيات العلمية تقول بأنه، في ظل التغيرات المناخية خلال العقود القادمة، لن تتمتع مناطق المشرق العربي ببرودة أو رطوبة أكبر، بل ما سيصيبها هو فقط السخونة والجفاف المتعاظمان. 

الكيفية التي يمكن للتغير المناخي أن يضر الاقتصادات المحلية واضحة:  ارتفاع مستويات سطح البحر سيغرق مساحات كبيرة في العديد من المدن الساحلية، بالإضافة للأضرار الناجمة عن العواصف والأعاصير التي ستتفاقم، كما أن المحاصيل سوف تعاني من التلف والذبول، وسترتفع معدلات الوفيات.  لكن قياس الضرر الفعلي ومكان وزمان حدوثه أمر صعب.  هذه الإشكالية القياسية تُسَهِّل على المشككين بتغير المناخ بأن يشيروا إلى تكاليف مكافحة هذه الظاهرة، بدلا من تقدير تكاليف عدم القيام بأي شيء.
بعض الدراسات الأخيرة، مثل دراسة Climate Change Lab الأميركية، تميزت بتقديمها تفاصيل عن تكاليف الخسائر المختلفة الناجمة عن التغير المناخي، وتبيانها الأماكن والقطاعات التي ستعاني من تلك الخسائر.

التكلفة الأكبر ستتجسد في ارتفاع معدلات الوفيات، حيث سيستسلم المزيد من البشر للموجات الحرارية المتكررة.  بحلول نهاية القرن الحالي، عدد الوفيات الناجم عن الموجات الحرارية قد يقترب من عدد الوفيات الناجم عن حوادث السيارات.  ومع ارتفاع درجات الحرارة، سيصبح الأشخاص الذين يعملون في العراء خارج المباني أقل إنتاجية.  وفي الوقت ذاته، ستزداد تكاليف الطاقة نظرا لاضطرار المرافق المختلفة زيادة قدرتها المولدة للطاقة، لتغطية الزيادة الهائلة المتوقعة في استخدام أجهزة التكييف.  هناك أيضا الأضرار المباشرة الناجمة عن الفيضانات والعواصف وتلف وفقدان المحاصيل.

إجمالا، معظم الدراسات المناخية-الاقتصادية ليست بأي حال قاطعة، بل إنها تقيس الأثر الاقتصادي استنادا إلى التجربة التاريخية لموجات الحرارة.  الأمر المؤكد أن آثار العالم الأكثر سخونة ستكون بمثابة الضربة القاضية، من حيث تكلفة الهجرات الجماعية وارتفاع مستويات سطح البحر وتآكل النظم الإيكولوجية؛ وكل ذلك سوف يضخم التكاليف. 

الابتكارات التقنية

بالطبع، سيسعى الناس، بلا شك، إلى بلورة أنواع مختلفة من الابتكارات والتعديلات التقنية للتعامل مع المناخات المتغيرة؛ فالمزارعون سيتحولون نحو محاصيل أكثر ملاءمة لدرجات الحرارة المرتفعة، وقد تقام في المدن محطات تبريد للمشاة المحاصرين بأجواء ساخنة جدا وجافة.  وينسحب الأمر أيضا على الفلسطينيين، من حيث التفكير بطرق ذكية للتعامل مع التغير المناخي.

لكن، التكنولوجيا يجب أن تكون أساسية جدا للتخفيف من قائمة طويلة من الخسائر في فلسطين؛ مثل المزيد من الأمراض، المزيد من حرائق الغابات والأحراج، الفيضانات، فقدان المحاصيل وانخفاض جودة الحياة.  ورغم أن تكنولوجيا المياه ستكون حاسمة للتعامل مع عالم أكثر سخونة، إلا أننا لا نعتقد بأن ثورة نوعية ستحدث في هذا السياق، وبخاصة أن التكنولوجيا والموارد التي بحوزتنا للتعامل مع التغير المناخي ضعيفة، في ظل الاحتلال ونهبه لمعظم مواردنا المائية والطبيعية؛ فتحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي ستكون أكثر تكلفة بكثير مما هو عليه اليوم. 

في السياق الفلسطيني-الإسرائيلي، سيزيد الاحتلال من ضغوطه لإرغام الفلسطينيين على معالجة أكبر كمية ممكنة من مياههم العادمة وإعادة استعمالها في الزراعة وقطاعات أخرى، إضافة لإجبارهم على شراء المياه المحلاة إسرائيليا، وذلك لتثبيت وتخليد نهبه الضخم لمواردنا المائية العذبة السطحية والجوفية (الأحواض المائية الجوفية وبخاصة الحوض الغربي، حوض نهر الأردن، الينابيع...إلخ.). 

بل، وللإمعان في عملية النهب المائي والتدمير الإيكولوجي، زج الإسرائيليون السلطة الفلسطينية والنظام الهاشمي في ما يعرف بمشروع قناة البحرين الذي يعد أصلا اختراعا إسرائيليا يهدف إلى تثبيت عملية النهب الإسرائيلي الهائل لمياه حوض نهر الأردن، والتغطية على الدور الإسرائيلي الأساسي في تدمير العظمة البيئية والجمالية والتاريخية للبحر الميت، بسبب النهب الإسرائيلي المتواصل لمياه نهر الأردن وبحيرة طبريا، وبالتالي، وقف جريانهما الطبيعي نحو البحر الميت؛ علما أن الحل الإيكولوجي الحقيقي والوحيد لكارثة البحر الميت المستمرة والمتفاقمة، والتي تسببت بها إسرائيل، يكمن في عودة الجريان الطبيعي والمتوازن لمياه نهر الأردن نحو البحر الميت. 

بلاد الشام والرافدين التي نراها اليوم، وقد نهشتها الحروب الاستعمارية الوحشية المدمرة التي وَلَّدَت ملايين اللاجئين اليائسين، قد تكون مجرد نكهة أولية للأهوال التي ستصيبنا، إذا ما أصبحت أجزاء كبيرة من المنطقة غير صالحة للسكن؛ وحينئذ، من الصعب أن نتصور كيف ستتمكن فلسطين من البقاء على قيد الحياة.

أنظمة سياسية فاسدة وغياب التخطيط طويل الأمد

يعتقد بعض خبراء المناخ بأن منطقة المشرق العربي، وتحديدا فلسطين، ولبنان، وسوريا والأردن، ستشهد في العقود القادمة فترات زمنية أطول من الأشهر الساخنة وارتفاع درجات الحرارة؛ ما سيفاقم أزمة المياه المتفاقمة أصلا.  كما سيزداد عدد سكان المنطقة بمقدار الضعف تقريبا.

وفي تقريرها الصادر عام 2013 حذرت الأمم المتحدة من أن ملايين الأفراد في الساحل الفلسطيني (وصولا إلى قطاع غزة) مهددون من ارتفاع مستويات البحر، حيث أن أجزاءً كبيرة من مدينة تل أبيب قد تغرق، فضلا عن مساحات كبيرة من مدينة حيفا التحتا.
وتأكيدا لما ورد سابقا، نذكر أن مجلة آفاق البيئة والتنمية نشرت في عددها الصادر في نيسان 2015، تقريرا هاما جاء فيه أن الأقطار العربية الواقعة على تخوم الصحاري ستصبح أكثر صحراوية؛ أما البلدان الصحراوية- من منظور الجغرافيا السياسية المرتبطة بالتغير المناخي-  فستصبح خلال العقود القادمة غير صالحة عمليا للسكن البشري.  واستند التقرير إلى الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC)، والذي يتوقع ارتفاعا طفيفا في هطول الأمطار، طالما أن هناك ارتفاع في درجة حرارة الكوكب؛ لكن عموما، ستصبح التربة أكثر جفافا، لأن درجات الحرارة الأكثر سخونة ستتسبب بمزيد من التبخر.

فلسطين تحديدا، تقع في المنطقة التي ستخضع لعملية تصحر ستشمل، بحسب IPCC، شمال أفريقيا والبلدان الواقعة في محيط حوض البحر المتوسط، ومساحات شاسعة من آسيا كذلك.  وعموما، الاتجاه المناخي العالمي لا مراء فيه، ومنطقتنا العربية لن تكون استثناء. 

ومن الناحيتين الاقتصادية والسياسية، منطقتنا العربية المحكومة بأنظمة سياسية فاسدة وحكومات قمعية تعاني من الاختلال الوظيفي، هي أقل قدرة على مواجهة الصدمات الناتجة عن التغير المناخي، بالمقارنة مع الكثير من الدول في سائر أنحاء العالم.  وهي ليست في وضع يمكنها من إجراء تخطيط طويل الأمد ورسم سياسات معقدة ضرورية للتعامل مع التغير المناخي العالمي – وبخاصة لو تذكرنا الطبيعة الغادرة لتغير المناخ.

أخيرا، يعتقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأن سياساته الرعناء في منطقتنا العربية، بما في ذلك مواجهته لإيران وتحركه لإحياء ما يسمى المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، سوف تجلب الاستقرار السياسي؛ لكن انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، سيجلب على منطقتنا وشعوبها، في المدى الطويل، خرابا أكبر بكثير.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير